ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 28/06/2012/2012 Issue 14518 14518 الخميس 08 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

منوعـات

      

تخيَّل أنك معالي وزير في إحدى الدول العربية، وتسافر إلى أفغانستان في رحلة عمل، وفي فسحة من انشغالك تقتني سجادة أفغانية رائعة بقيمة 1400 دولار أمريكي، ولكنك عند السفر تكتشف أنها ثقيلة جداً، حيث تزن 30 كجم، وبصفتك وزيراً تطلب من سفارة بلدك في أفغانستان ترتيب إرسال هذه السجادة المشؤومة إلى الديار، وبالفعل تم نقلها دون أن تدفع رسوم استيراد التي تبلغ 250 دولاراً تقريباً، فماذا تتخيل أن يحدث؟

هل تعتقد أن العالم كله سينقلب عليك، وأن الصحافة ستهاجمك بعنف، وستقود حملة انتقادات وسخرية لا حد لها ضدك؟ من منطلق أنك اخترقت النظام، وقمت باستغلال منصبك؟ هل تتوقع أن يتم استدعاؤك للتحقيق؟ أم أن الأمر كله لا يستحق هذه (الدوخة)؟

لاشك أن كثيراً من القراء سيجيب بأن الأمر يعتمد على الوزير وبلده، هل هو وزير في إحدى الدول الأوروبية الديمقراطية؟ أم وزير في بلد عربي يحق له أن يفعل ما يريد من غير أن يتعرض للمساءلة واللوم؟

هذه الحملة الصحفية الشرسة، يا سادة يا كرام، أثيرت ضد وزير التنمية الدولية الألماني ديرك نيبل، الذي خالف القانون العام في بلاده، وهو عضو في حزب الديمقراطيين الأحرار المشارك في ائتلاف يمين الوسط الحاكم بقيادة المستشارة انجيلا ميركل، وعلى الرغم من أنه اعتذر عن هذه الهفوة، وقام بتقديم طلب للجمارك للدفع المتأخر كي ينتهي الموضوع، إلا أن ذلك لم يمنع الادعاء الألماني من التحقيق معه بشأن هذا التجاوز للقانون العام.

كيف يكون الأمر في عالمنا العربي، وهل يمكن أن تطير مجرد سجادة (لا راحت ولا جت)، أو مجرد بساط ريح سحري، بصاحبها الوزير إلى التحقيق، وربما الضغط عليه للتكفير عن ذلك بالاستقالة من منصبه؟ هل يمكن أن تكون صرامة القانون ودقته وسريانه على الجميع في العالم العربي بهذا الشكل؟ وكيف وصل العالم في الدول الديمقراطية المتقدمة إلى هذا المستوى من تحقيق العدالة؟

أعتقد أن الأمر لم يكن سهلاً، والطريق إلى هذا النمط من قيمة القانون واحترامه لم يكن معبداً، ولم يتحقق ذلك خلال سنوات أو عقود من السنوات، بل جاء بعد معاناة طويلة، من سن القوانين والأنظمة، وتعديلها مراراً كي تكون عادلة ونافذة على الجميع، وربما يتحقق ذلك في العالم العربي بعد عشرات السنوات، مما يجعلنا نتأمل في ما يحدث على خلفية الثورات في مصر وتونس وليبيا، وأن نجزم بأن أمر الاستقرار وانسياب الديمقراطية بشكل آلي، واحترام الدستور، ونفاذ القوانين والأنظمة، يحتاج إلى المزيد من العمل والصبر والأناة، حتى تصل الدول العربية إلى احترام قيمة رسوم استيراد مجرد سجادة.

ما يحدث الآن عربياً، قد لا يختلف كثيراً عما حدث خلال العام 1968م في أوروبا والعالم، هناك ثورات حققت نجاحات مهمة حتى وإن ظهر للبعض آنذاك أنه لم يتغيّر شيء، تلك السنة التي هزت العالم، تشبه العام المنصرم على المستوى العربي، ولذلك لابد من سنوات قادمة من العمل والهدوء كي يتحقق عربياً مثل هذه الطموحات التي تجعل تصرفات الجميع تحت مظلة القانون ذاته.

 

نزهات
سجادة معالي الوزير!
يوسف المحيميد

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة