ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 01/07/2012/2012 Issue 14521 14521 الأحد 11 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

تأسست الجامعة العربية عام 1945م، وكانت المملكة العربية السعودية ضمن الدول العربية السبع الأُوَل، التي وقّعت على ميثاق التأسيس في حينه، وقد مثّلها أوان ذاك الأمير (فيصل بن عبد العزيز آل سعود) رحمه الله.

- بعد عام واحد.. وتحديداً في 10 يناير 1946م، حلّ (الملك عبد العزيز آل سعود) رحمه الله ضيفاً على مصر وعلى ملكها (فاروق) بدعوة منه، واستقل رحمه الله اليخت الملكي المصري (المحروسة)، واستمرت الرحلة البحرية بين جدة والسويس ثلاثة أيام، من 7 إلى 10 يناير، وكان معه في هذه الرحلة وفد كبير من الزعماء والوجهاء المصريين، الذين أعدهم الملك فاروق لمرافقة ضيف مصر الكبير، وعلى رأس هؤلاء الأديب الكبير الأستاذ: (عباس محمود العقاد)، الذي ألقى في حفل الاستقبال بمصر قصيدة عصماء يقول فيها:

أسد العرين يخوض غيل الماء

يا بحر راضك قاهر الصحراء

حياة باديها وحاضرها معاً

فأغنم تحية يومه الوضاء

يوم من البشرى يردد ذكره

ركب السفين وجيرة البيداء

- إلى أن يقول:

الشرق والإسلام قد سعدا بمن

يعلو بآلهما إلى الجوزاء

في ظل فاروق وظل صديقه

عبدالعزيز يتم كل رجاء

- شكَّلت هذه الزيارة الملكية في وقتها حدثاً عظيماً في مصر والمنطقة؛ فقد كان برنامج الزيارة حافلاً باللقاءات والمشاهدات والاجتماعات، وشهدها أكثر من مئة صحافي من أنحاء العالم، وتناولتها الصحافة المصرية بالترحيب والتبجيل، خاصة وهي تجيء بعد جفوة بين البلدين في عهد الملك فؤاد.

- أبرز ما يلفت النظر في هذه الزيارة الملكية هو تصريحات وتلميحات وأقوال (الملك عبد العزيز) رحمه الله، فقد كان يكثر من التأكيد على متانة العلاقات بين الشعبين العربيين السعودي والمصري، ويضغط بدراية وفهم ورؤية ثاقبة على عوامل نجاح العرب في وحدتهم ومصيرهم المشترك، وكانت الجامعة في بداية عهدها، وكانت أصوات عربية من زعامات عدة تتناول ميثاق هذه الجامعة بالنقد، وتشكك في بقائها عوضاً عن نجاحها.

- هنا نأتي إلى حكاية (الفنار) أو (المنار)، الذي يعني دلالة أو علامة على الشيء. وهي من رواية الأستاذ (عباس محمود العقاد)، الذي كان يرافق (الملك عبد العزيز) في هذه الرحلة. قال: دار حديث في مجلس (الملك عبد العزيز) رحمه الله وهم متجهون من جدة إلى السويس على يخت المحروسة، وكان الحديث عن الجامعة العربية، فقال (الملك عبد العزيز): إنها منار لنا؛ لأنها تصدر في أعمالها عن بحوث مشتركة بين ذوي الرأي والبصيرة، يرون في جملتهم ما لا يراه أهل كل بلد على انفراد، وإنها دريئة للدول العربية؛ لأن حجة الدولة التي تحتج بقرار الجامعة قائمة، وعذرها فيما ترضاه أو تأباه مقبول.

- قال العقاد: وشفع جلالته هذا البيان بمثل بليغ كعادته في توضيح آرائه بالمواعظ والأمثال فقال: كان في مملكة من الممالك منار مغناطيس، يكشف البحار من حولها، وينتزع الحديد من السفينة التي تغير عليها؛ فلا يقدر أحد على فتحها. واشتدت شوكة هذه المملكة؛ فحسدها جيرانها، وأخذوا في تدبير المكائد لهدم منارها، فدسوا عليها جاسوساً من جواسيسهم يتزيا بزي النساك والصالحين، ثم تركوه يقيم فيها ردحاً من الزمن حتى يستجمع الثقة والمودة من أبنائها، وطفق هذا الجاسوس يصنع لهم الكرامات، ويدلهم على مخابئ الكنوز، ويمخرق عليهم بالعجائب، حتى أنسوا به واطمأنوا إليه، فلما عرف مكانته عندهم جاءهم في بعض الأيام برؤيا يزعم أنه رآها لهم، وأنه يخاف عقباها. وسألوه عمّا يخافه..؟ فأحجم ثم أحجم، وهو يغريهم بالإلحاح عليه كلما اصطنع لهم الإحجام وتردد في الجواب، فلما شوقهم غاية التشويق إلى استطلاع الخبر قال لهم: إني مطلعكم عليه والعهدة عليكم، وإن تحت هذا المنار كنزاً من الذهب والجوهر، يغنيكم عما في الأرض وما رحبت من النفائس والخيرات، ولا تنالونه إلا بهدم المنار. ولكن حذار.. حذار.. من الإقدام على هدم المنار..!

- وكان الرجل كاذباً في نية التحذير، صادقاً في نية الإغراء، فما هو إلا أن سمعوا منه إغراءه بالنفائس والخيرات حتى دكوا المنار دكاً، فعرفوا غفلتهم، واستبيحت حوزتهم، وفقدوا الدريئة، وفقدوا النور، فتمكن منهم من كان من الجيران والأعداء.

- ثم قال جلالته: وكل عربي يمس هذا المنار.. طبعاً في المال والحطام، إنما يصيب قومه بمثل ما أصاب أولئك الغافلين.

- هذه الحكاية.. المثل.. التي تحمل أكثر من رسالة، قرأها الدكتور (فهد بن عبد الله السماري)، الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، مساء يوم الأحد الموافق العاشر من شهر يونيو الفارط في منتدى السالمي الثقافي بالطائف، بطريقته المعهودة في التفكيك والتحليل والإسقاط على الواقع المعاش اليوم، فشد بذلك من حضر الأمسية أو قرأ وسمع عنها، فالملك عبد العزيز رحمه الله لو قام بيننا اليوم، وشهد واقعنا العربي المتردي، لأسقط حكايته الحكمية هذه على الجامعة العربية من جديد، وعلى كل قطر عربي ومجتمع عربي، خاصة تلك التي تئن تحت نير الفوضى والتمزق، وتعاني من انعدام الأمن، الذي هو من أجلّ وأعظم النعم.

- رحم الله (الملك عبد العزيز آل سعود)، الذي اتسم بالسياسة، والدهاء، والحكمة، وبُعد النظر. وحفظ الله لكل قطر عربي فناره ومناره، الذي هو عنوان وحدته، ودلالة قوته. وحفظ لأقطار العرب كافة ما تبقى لهم من أسباب، تجمع بينهم في جامعتهم العربية..

إلى اللقاء:

- لأن القلم يريد إجازة عارضة، فإني أستودعكم الله إلى لقاء قريب إن شاء الله.

assahm@maktoob.com - Assahm1900@hotmail.com
(*) باحث وكاتب- صاحب منتدى السالمي الثقافي
 

الملك عبد العزيز (والفَنَار)..؟!
حمّاد بن حامد السالمي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة