ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Sunday 01/07/2012/2012 Issue 14521 14521 الأحد 11 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

محليــات

      

لم يكن السؤال: «ما الذي أعلِّمه لأولادي؟» صعباً في العصور البدائية, فالقصد من التعليم كان إكساب الصغار مهارات القدرة على البقاء. في عالم مليء بالأخطار والتحديات التي تحفل بها الطبيعة، كان على الطفل أن يتعلّم قيم الشجاعة, والفرق بين الجرأة والتهوُّر. وكان عليه أن يتعلّم مهارات مصيرية لبقائه: كيف يصنع أسلحته وكيف يستخدمها, وكيف يخطط للصيد ليؤمن قوت يومه وموسمه, وكيف يدافع عن سلامته ضد الوحوش والأعداء, وكيف يعالج جروحه, وكيف يقاوم تأثير الفصول القارسة والملتهبة ويستفيد من المعتدلة.

مازالت إجابة السؤال «ماذا تعلِّم ولدك؟» تتعلّق بنفس هدف البقاء. ولكن ما نعلمه ابتعد عن الهدف الأصلي وهو تأمين البقاء والإنتاج؛ فصرنا نشحن ذهنه وذاكرته بالكثير من المعلومات التي لن تفيده في حياته وتأمين بقائه، بقدر ما تشط به مركزة على الحفظ.

وقد تخلّينا عن مسؤولية تعليم أبنائنا, وألقينا بها على عاتق مؤسسات رسمية حكومية أو خاصة تسمّى مدارس ومعاهد تقدم خدماتها بصورة هادفة, ولكنها كثيراً ما تحقق أهدافاً لا علاقة لها بتدريس الأطفال والشباب ما يحتاجونه من مهارات, رغم أننا نعهد بهم إليها للقيام بهذه المسؤولية بالذات.

الأهداف لم تتغير: 1- أن نمد الصغار بالمعلومات الأساسية وندرِّبهم على المهارات الحياتية المطلوبة لكي يكبروا في أمان؛ و2- أن نعد النشء للقيام بدورهم في تقديم الخدمات لأنفسهم ولغيرهم بمقابل مادي لتحقيق استمرارية رخاء وسلامة المجتمع بكفاءة.

مع الأسف هذه الأهداف لا نراها تتحقّق رغم إدراج صغارنا إلى المدارس لفترة 18 عاماً أو أكثر, هي الفترة بين ما قبل الابتدائية والتخرُّج من الثانوية. ولم أتكلّم بعد عن الـ4- 6 سنوات في الجامعة وقبل التخصصات العليا. ثم يتخرّجون فلا يجدون وظائف لأن ّما علّمته لهم المؤسسات ليس ما تحتاجه السوق!

والنتيجة ما نشكو منه اليوم من العطالة والبطالة والتذمُّر وضيق الشباب بمعاناتهم وضيقنا بها وأحياناً بهم وهم الأكثرية.

لو عدنا لتلك الحكمة البدائية التي تربط بين ما نعلِّمهم وما يحتاجونه ليعيشوا في رضى وسلامة, لربما قررنا أن نغيّر المناهج وأن نتخيّر ما ندرّسه في مرحلة التأسيس الابتدائية - ومرحلة التأهب في الإعدادية لما قبل التخصص - بوعي لضغوط ومتطلّبات الواقع ومدى مواءمة المناهج والنتائج لأهدافنا وليس أهداف المؤسسات.

أهم الأهم أن نعلِّم الأطفال في السنوات الأولى - وبالممارسة - نظافة الجسد والحوار وآداب التعايش واحترام الغير واستخدام الفضاء المشترك, كالحمامات العامة والشوارع والطرق والمطارات والمطاعم والحدائق، وحتى البر وشاطئ البحر. وربما يجب أن نعلِّمهم ماذا يجب أن يكون عليه التصرُّف الصحيح في الطوارئ: الحوادث والكوارث والحرائق والغرق ومبادئ الإنقاذ الصحيح لضحاياها.

أما المهارات الحياتية فتتطلّب أن نضيف في المرحلة الابتدائية والإعدادية المهارات الحرفية البسيطة كالنجارة والتصميم والكهرباء والسباكة، لكي يفهم التعامل مع الأدوات والآلات والتقنية التي تشمل اليوم كل جوانب حياتنا.

وبلا شك لابد أن يتعلّموا ويتقنوا مهارات التعبير والتواصل: القراءة والطباعة والحساب واستخدام الكومبيوتر. وأن يتمكّنوا من مهارات التحقُّق والتدقيق والمقارنة والتصنيف والاستنتاج والتعميم أو التخصيص. ومهارات التوصل للمعلومة الصحيحة بأن يتعلّموا استخدام المراجع التقليدية كالقواميس والأطالس واستخدام المراجع الحديثة عبر إتقان استخدام محرّكات البحث.

ما الفائدة أن يحفظ تاريخ وطنه دون أن يربطه بالأحداث في إطار العالم والحضارة البشرية الممتدة؟ أو أن يسرد منتجات بلد ما دون أن يفهم علاقة ما تنتج بطقسها وصفات أرضها؟ لنعلّمهم رقي التصرُّف وعقولهم التفكير والاستنتاج, وأيديهم العمل والابتكار والصيانة.

الحفظ الشفاهي كالببغاء لا يكفي لأهداف البقاء.

 

حوار حضاري
ماذا نعلِّمهم ..؟
د.ثريا العريض

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة