ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Tuesday 03/07/2012 Issue 14523 14523 الثلاثاء 13 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الرأي

      

كان بعض المحدثين والكتاب يدبج خطابه “بحدثني ثقة”، أي أسر له من يثق بحديثه. ومعروف أن اللغة المحكية، أي بعبارة أخرى الحديث، هي الوسيلة الأولى بغير منازع لمعظم ما يتناقله الناس من أخبار، وما يصورونه من مواقف وأحداث. واللغة، على عكس ما يتصوره الكثيرون،

أداة دقيقة للوصف بدقة مبضع الجراح، وأي خطأ لغوي صغير قد يفضي إلى بون شاسع في المعنى، واختلاف يأتي بمعنى جديد كليا. واللغة عرضة للمبالغة وتشويه الواقع، وهي ولو لم تكن كذلك لما استطاعت أن تفي بحاجات الناس من التأكيد، والمبالغة، وحتى الكذب. وباختصار فللغة عالمها الخاص بها المستقل عن العالم الواقع المعاش، والبسطاء هم من يخلط بين العالمين، والأذكياء والمتعلمون هم من يلمحون فروقهما. وأي خطأ في نقل موضوع ما، سواء باستبدال مفردة بأخرى أو تقديم جملة على صاحبتها ستفضي حتما إلى خطأ أكبر في الفهم. وكلما تواتر نقل النصوص دون تدوين كبرت كرة ثلج سوء الفهم.

وقد سمعت تسجيلاً لشيخ فاضل يتحدث عن قيادة المرأة شابه الكثير من الحماس والتعميم المخل، ليس عن مجتمعنا ونسائنا فحسب، بل عن مجتمعات أخرى يجهلها قبل أن يشاهدها ويقف على حقيقتها، أي بطريقة “حدثني ثقة” لأنه وكما سنرى عندما تتاح له الفرصة للعيش في أمريكا، تتغير نظرته وأسلوبه في الكلام، بل وأيضا مظهره، وهذا هو حال أناس كثر شطوا في ذم الغرب سماعاً، ولطفوا من قولهم ونقدهم بعد معيشتهم له عيانا. فما قال فضيلته قبل وما قال بعد؟ يستهل سماحته كلامه قائلا:”المرأة مصونة بحيائها، وعفتها، وحشمتها، فكيف تقود السيارة؟، ومن يدعون لقيادة المرأة بأنهم لا يخرجون عن فريقين: أناس مستغربون ويسعون لتغريب المجتمع وتفسيده وتدميره وجره إلى هاوية التحلل والإباحية كحال المجتمعات الغربية، أناس بهروا بما رأوه هناك وعاشوه أما في أيام دراستهم ويريدون لأن يجعلوا مجتمعنا كتلك المجتمعات وأن يكون متحللاً من كل القيم والأخلاق وأن تخرج المرأة سافرة عاهرة متبرجة كما يرونها في المجتمعات الغربية، ويرون أن أكثر الطرق فعالية وأقصرها للوصول لذلك قيادة المرأة للسيارة.” ومن الملاحظ هنا غلظة الكلام والتوصيف الجارح، وتعميم الأمور والتسبيب لها دون برهان بين. فقيادة السيارة في رأي فضيلته سيرتبط بها حتما صفات التحلل والعهر، وكأنما ما يمنع النساء من العهر والتحلل هو عدم قيادتهن للسيارة، ومعروف أن التحلل والعهر ظهرا في مجتمعات ما قبل عصر السيارة. والنساء اللاتي يقدن السيارات في المجتمعات الإسلامية الأخرى لا يفتقدن لصفات: الحياء، والعفة، والحشمة، ولم تفضي بهن قيادة السيارة لتحلل.

وكما يتضح، فهذا الحديث حديث هنا شابه الكثير من التعميم والدخول في نوايا كثير من المسلمين ممن يدعون لقيادة المرأة، وهم لم يطالبوا بها لنساء الآخرين بل طالبوا بها لنسائهم هم، فهل نقول عنهم إنهم يريدون نسائهم أن تخرج سافرة عاهرة؟ أو أنهم يريدون جرهن لهاوية التحلل والإباحية؟ فهذا رجم واضح وصريح. لا أعتقد أن فضيلته قصد ذلك، بالرغم أني لا أريد أن أدخل في نيته، ولكن هذا كلام غير معقول وأغلب الظن أنه من قبيل لغو الكلام المقصود به تهويل الأمور والتأثير العاطفي على الناس. وحقيقة وباختصار لا أجد علاقة سببية، والتسبيب مبدأ شرعي يستوجب البرهنة القاطعة، بين كل ما ذكر فضيلته وبين قيادة المرأة. وكذلك وصفه للمجتمع الغربي بالمتحلل على ما يبدوا سماعاً بمبدأ: “حدثني ثقة”، لأنه قبل ذلك لم يعش في الغرب ولم يتعلم لغة غربية.

ولنلقي نظرة على فكرة فضيلته عن المجتمع الغربي قبل أن يعيش فيه وبعده، يقول فضيلته في كلام مسجل، ومترجم للأسف: “هم أخرجوها (أي المرأة) لكي يبتزوها في عرضها وفي كرامتها وشرفها.. فتجدها لا تحصل على كثير مما تريد إلا أن تبذل عرضها لمرؤسها وزملائها.. ومع أنه (الرجل الغربي) يستطيع أن يجد بسهولة ما يصرف فيه شهوته بالحرام لكن ذلك لا يغنيه عن عشر أو عشرين عن كل امرأة بمواصفات معينة يريدها إن وافقته فبها ونعمة وإلا يغتصبها اغتصابا” ولا أعتقد أن هذا الكلام صحيحا، وفضيلته حتما يجهل قوانين وأنظمة منع الابتزاز والتحرش الجنسي والاغتصاب في الغرب، فعقوبة الاغتصاب تعادل القتل هناك، ومثلها عقوبات التحرش والابتزاز. والابتزاز موجود بدون قيادة المرأة للسيارة في مجتمعنا، بل إن من يبتزها في أحيان كثيرة هو من يقود سيارتها، وهو في أحيان كثيرة غير مسلم، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، جزاها الله خير، لا تهدأ في مقاومة الابتزاز لدينا، وتعلن عن القبض على مبتزين بشكل شبه يوميا في صحفنا.

وخلاصة الأمر فالكاتب، كمواطن مسلم لا يتفق مع وصف فضيلته المعمم للمجتمع الغربي، الذي نقل له عن ثقة. فلنرى كيف يتحدث فضيلته هو في تسجيل مصور آخر عن المجتمع الغربي الذي وصفه أعلاه بعدما عاش فيه كداعية للإسلام، يقول فضيلته: “كانت تجربة ثمينة وعزيزة جدا استفدت فيها كثيرا.. فتح الله علي بتعلم اللغة في مجال التدريس والدورات الشرعية في أكثر من ثمانين ولاية، وفي الدول الغربية كما تعرف لا تحتاج إلى إذن لتقيم محاضرة.. بل كل الدورات التي أقمتها معظمها كانت تعلن عبر الدورات التلفزيونية المحلية وعبر الصحيفة المحلية وهذا مما يذكر لأمريكا ويشكر بل إنه من أعظم أسباب تقدمها، هذه الحرية حقيقة وفتح المجال للإبداع واحترام كل الأقليات دون تمييز بين أحد هذا هو سبب نجاح القوم والتمكين لهم في الأرض.. إني أخشى على أمريكا من هذا الظلم (ظلم المسلمين بعد 11سبتمبر) بسبب ما ارتكبته شرذمة شاذة صغيرة لا يجب أن يحمل وزرها على الأمة كلها، فلا تزر وازرة وزر أخرى، الله جل وعلا مكن لها ومد لها النعم لوجود قدر كبير من العدالة بها، وكما يقول علماؤنا إن الهل لينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة على الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة وبالعدل قامت السموات والأرض وهو الغاية من إرسال جميع الرسل.. سأقول لك شيئا عجيبا اتفقت مع الشيخ محمد العثيمين رحمه الله على شراء كنيسة، كنيسة ضخمة جدا كانت مساحة الأرض والمباني فيها تزيد على ثلاثمائة ألف متر في موقع متميز في ولاية فريجيينا وأن تكون مركزا علميا حضاريا يعرَف بالإسلام، واشترط الشيخ أن تكون مؤسسة خاصة، تخيل أنني لست مواطنا ولا أحمل القرين كارد أنا موفد فقط،.. شي عجيب حقيقة لم يسألوا هل أنت أمريكي أو غير أمريكي، ذهبنا لإدراة التسجيل.. وخلال عشر دقائق سجلنا الشركة وأذكر سميناها شجرة الفرقان مقابل خمس وسبعين دولاراً، فهناك عدالة مع الجميع ومرونة منقطعة النظير”

لا فض فوك يا فضيلة الشيخ فمن أخلاق المسلم أن يشهد بالحق وينطق به، فهل ما زلت تعتقد أن حرية المرأة هي من أجل إفسادها واغتصابها؟ هل لا زلت تعتقد أن الفرد في أمريكا لم يستطع النيل من أي امرأة اغتصبها؟ هل لا زلت ترى أن من يطالب بحق القيادة لزوجته أو بنته بدلاً من أن يسلمها لسائق أجنبي، يسعي لتخريب المجتمع وإفساده وتغريبه وجرها لهاوية التحلل والإباحية كما هو الحال في الغرب؟

بوافر التقدير والاحترام لفضيلتكم قبل وبعد زيارتكم لأمريكا ووقوفكم مباشرة على الحياة في الغرب، أقول لكم ولبعض مشائخنا الأفاضل الذين يغلظون القول للناس، ويرمون الشعوب الأخرى بتهم معممة عن مجتمعاتها: كما نكره أن يعمموا الشر علينا كما حدث بعد 11 سبتمبر، هم يكرهون من يعمم الفساد والتحلل عليهم. بل إن شتم الشعوب الأخرى والنيل من سمعتها وكرامتها ليس من أخلاق الرسول الكريم أو صحبه أو تابعيه، لم نسمع حديثاً مأثوراً فيه تجريح للآخرين. أما حديثكم بعد مرحلة عيشتكم في أمريكا فيعكس أخلاق المسلم الكريم، المسلم الذي ينطق بالحق وينصف الناس حتى ولو كانوا على غير ملته. نريدكم أن تقيموا حق أخواتنا في القيادة بعقلية بعد لا عقلية قبل، وجزاكم الله خير الجزاء.

latifmohammed@hotmail.com
Twitter @drmalabdullatif
 

حدثني ثقة
د. محمد بن عبدالله آل عبد اللطيف

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة