ارسل ملاحظاتك حول موقعنا Thursday 05/07/2012 Issue 14525 14525 الخميس 15 شعبان 1433 العدد 

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الثقافية

 

وحدة القصيدة وإشكالية النقد(2-2)
زياد بن حمد السبيت

رجوع

 

ويبقى السؤال الآخر، وهو هل للشعر الجاهلي وحدة عضوية؟

لم يكن النزاع قاصراً على مفهوم الوحدة العضوية فقط بل طال حتى الشعر الجاهلي! لا! بل حتى الشعر العربي عامة، فنجد العقاد وأصحابه جماعة الديوان..

وأصحاب الرابطة القلمية في المهجر وما بعدهم كالدكتور محمد غنيمي هلال وغيره ينفون الوحدة العضوية في الشعر الجاهلي نفياً قاطعاً تارة، وبالإقرار على مضض تارة أخرى، وهذا مركَّب وعر وشائك تجاذب فيه النقاد أطراف الحديث مراراً وتكراراً بين مؤيد مثبت ونافٍ مثبت، حتى أن الدكتور محمد غنيمي هلال يقول ((فليست للقصيدة الجاهلية وحدة عضوية في شكل ما من الأشكال))، بينما نرى الفريق المقابل كالدكتور طه حسين يسخر من هؤلاء ويصفهم بالقاصرين والمقلدين، ويستشهد بقصيدة أو معلقة لبيد بن ربيعة العامري على وحدة القصيدة ويقول ((قال صاحبي: إنك تعلم ما يقوله الناس من أن أقبح عيب يمكن أن يؤخذ به القصيدة العربية في الشعر القديم خاصة هو أنها ليست ملتئمة الأجزاء، وإنما تأتيها الوحدة من القافية ومن الوزن، فلولا أن لبيدك هذا قد اختار البحر الذي اختاره والقافية التي اختارها لما تشابهت أجزاء قصيدته، ولما اتصل بعضها ببعض، ولكانت أبياتاً منثورة لا قران لها، فأجبني ما صنع الله بوحدة القصيدة عند شعرائك القدماء؟ قلت: صنع الله بها خير ما يصنع بآثاره، فأوجدها، وأتقنها، وأتمها إتماماً لا شك فيه ولا غبار عليه، وتفكك القصيدة العربية واقتصار وحدتها على الوزن والقافية دون المعنى أسطورة يا سيدي من هذه الأساطير التي أنشأها الافتتان بالأدب الأوروبي الحديث والقصور على تذوق الأدب العربي القديم)).

ثم يرجع ذلك إلى سببين، لعلي أذكر أهمهما، وهو قراءة الشعر قراءة سريعة دون التعمق والتأني؛ فهي قراءة كحسو الطائر، ولعلها ملاحظة جديرة الاهتمام قد يتنبه لها أصحاب الدراسات الأدبية الجادة.

ومع ذلك فإن الأستاذ محمود محمد شاكر يعارضه جملة وتفصيلاً فيقول: الشعرالقديم كله مختل الترتيب، فإذا كان مختل الترتيب فهو إذن خال من ((وحدة القصيدة))، وإذا كانت القصيدة خالية من ((الوحدة العضوية)) فهي إذن أبيات متفرقة لا يربط بعضها ببعض شيء؛ فكل بيت في الشعر العربي جاهلية وإسلامية ((وحدة)) قائمة برأسها.

أي قد تقدم وتؤخر كيفما تشاء فلا يلحق بالقصيدة أي ضرر أو فساد، وهذا يعني أن اختلال أبيات القصيدة لايفسد معناها، بينما يرى فريق ثالث التوسط في الأمر بحيث لا يجب أن يعمم على الشعر الجاهلي كله فإنهم وجدوا أنفسهم بين المنزلتين فالدكتور العشماوي يقول ((لا نستطيع أن نذهب إلى ما ذهب إليه الدكتور طه حسين فنزعم أن في القصيدة العربية القديمة وحدة عضوية بهذا المعنى))، ثم يرجع ويقول ((لا نستطيع أن نذهب إلى ما ذهب إليه بعض النقاد المحدثين من أمثال الدكتور محمد غنيمي هلال)).

والحديث عن الوحدة الموضوعية أو العضوية في الشعر العربي ذو شجون، وزبدة القول أن الوحدة العضوية قد اختلف النقاد فيها اختلافاً متبايناً غير يسير حتى اتسع الخرق على الراقع، وذهب كل على هواه يفسر كيف يشاء متأبطاً ما يثبت ويرجح رأيه، وهذا الاختلاف رحمة من الله لعباده النقاد؛ فقد فُتحت أمامهم حركة التجديد في الشعر وما صاحبها في النقد أيضاً مع تأثرهم بالأدب الغربي الحديث وما صاحبه من ثورات وحركات تجديدية، ولو أتيت بكل رأي قيل في الوحدة العضوية منذ خلقها الله حتى الآن لما اتسعت هذه الوريقات، لكني اقتصرت بالاستشهاد بالبعض للإفادة، وحسب القلادة ما أحاط بالعنق، وأرى أن الوحدة العضوية - كما أسلفت - لا تتأتى إلا في الشعر الوصفي أو القصصي أو غراميات العشاق والمتيمين مع التحفظ على بعضها لقصرها، ومهما يكن فلم يتفق النقاد على شيء معين يكون خلاصة جهودهم، فانفض المولد بلا حمص كما يقول المثل العامي.

أما الشعر الجاهلي فأرى أنه شعر نفيس، فيه من القضايا التي لا يسلم بها دون التعمق والغوص في أسراره واستخراج جواهره ولآلئه المكنونة، ومن ظن بالعلق النفيس أشفق من تلوثه، وحسب الشعر الجاهلي من شرف باذخ عناية النقاد والأدباء والشعراء به على مر العصور والحقب، يستقون من معينه الفياض، وهو بعد كنز لا ينضب، وقراءته لذة قد استحكمت حلقاتها في نفس القارئ، جعلته لا ينفك يتحف نفسه ويهذبها ويثقفها من أعظم شعر على وجه الأرض، استمد قوته من أعظم لغة أوجدها الله.

 

رجوع

طباعةحفظارسل هذا الخبر لصديقك 

 
 
 
للاتصال بناخدمات الجزيرةالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة