ارسل ملاحظاتك حول موقعنا   Monday 27/08/2012 Issue 14578  14578 الأثنين 09 شوال 1433 العدد  

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

 
 
 
 

الأخيــرة

           

عندما تكون الخطوات الإجرائية مختصرة والتعليمات شفافة وواضحة والرقابة نزيهة وفعّالة، تسير عجلة التنمية لصالح المواطن والدولة، وتنتفي الحاجة إلى الرشوة والوساطة وينتهي تبديد الوقت والثروة. لكن هذه المواصفات الجيدة غير متوفرة في جهازنا الإداري والوظيفي، والموضوع يحتاج إلى أمثلة.

من الممكن أن ينتظر المسافر عبر المنافذ البرية (منفذ البطحاء نموذجاً) أربع عشرة ساعة للعبور إلى دولة الإمارات، وعندهم هناك يعبر خلال ثلاثين دقيقة. فرق الانتظار تضخم عندنا إلى ثمانية وعشرين ضعفاً. إذا أضفنا الفوضى الشاملة وتجهُّم موظف الحدود ودرجات الحرارة القاتلة والمتاجرة بعطش وجوع المسنين والأطفال يتحوّل الموضوع إلى جحيم. السبب يكمن في تدني الكفاءة على مستوى التنظيم والتجهيزات ونوعية الموظفين. بمجرّد الوصول إلى منفذ الدولة المجاورة ينتهي الجحيم ويحل محله الشعور بالغبن الوطني والحنق على الأداء السعودي.

في المطارات السعودية ينقبض قلب المسافر كل مرة يمسك فيها الطابور للحصول على بطاقة المغادرة. من خلال المعاناة الطويلة تجمّعت لدى المسافر عبر مطاراتنا عدّة أسباب لانقباض القلب. هناك يبدأ البحث عن الطابور الصحيح بتكرار السؤال لاحتمال الضياع بين الطوابير المتداخلة. وهناك يدب الخوف من مزاجية موظف الكاونتر الذي لا يتحمّل المجادلة ويستطيع إلغاء الحجز أو تعطيله وتفويت الرحلة، وهناك القلق من فقدان العفش وتشتُّته بين مطارات العالم. أخيراً هناك الخوف الأكبر من إلغاء أو تأجيل الرحلة في اللحظة الأخيرة بدون الحاجة إلى ذكر الأسباب. كل هذه المخاوف تتبدّد بمجرّد الوصول إلى مطارات العالم الخارجي، وتحل محلها مرارة المقارنة بسهولة ومرونة الإجراءات في مطارات العالم الأخرى.

في الدوائر الحكومية السعودية بما يشبه الإجماع لا يتوقع المراجع ترحيباً ولا بشاشة استقبال، ولذلك يتقدم نحو الموظف متمتماً بالقول المأثور: اللهم إني لا أسألك ردّ القضاء ولكن أسألك اللطف فيه. الموظف السعودي يريد أن يشعر المراجع بأنه مشغول جداً، وأنّ المراجع وصل في الوقت الخطأ وعليه أن ينتظر طويلاً أو يعود في يوم آخر، أو أنّ المعاملة ليست من اختصاصه وعليه أن يبحث عن الموظف فلان في آخر السيب، أو أنّ عليه أن يستمع ولا يجادل لكي لا يجازف بفقدان معاملته وتجديد كامل الأوراق مرة ثانية. في الحالات الاستثنائية التي يتكرم فيها الموظف باستقبال الأوراق يصبح من المتوقع جداً أن يلقي نظرة عجلى ثم يرمي الملف نحو صاحبه لأنّ الأوراق غير مكتملة أو تنقصها بعض التواقيع.

موظف الاستقبال والتسجيل في المستشفيات والمرافق الصحية السعودية، لا يتعامل مع الناس على أنهم مرضى يحتاجون إلى اللمسة الإنسانية وتخفيف معاناة الانتظار الطويل للوصول إلى الطبيب. حينما يرى المريض ومرافقوه تصرُّف موظف الاستقبال والتسجيل في التقديم والتأخير والاستغراق في المكالمات التلفونية الخاصة والانتقال من الضحكات والابتسامات هنا إلى العبوس والاستهزاء هناك، عندئذ تتحوّل توقُّعات الاستشفاء وتخفيف الآلام إلى مضاعفات إضافية، قد تكون أشد وطأة على صحة المراجع من معاناته الأصلية.

اختصاراً للكلام، نقِّل فؤادك حيث شئت من الدوائر والمؤسسات الحكومية، ولن تجد إلاّ فيما ندر سوى نفس العينات من الأداء الوظيفي الفوضوي.

لكن ويا سبحان الله، هذا الوجه المحبط المسوف للموظف الحكومي، يتحوّل إلى ترحيب وبشاشة وفنجان شاي وخدمة سريعة في القطاع الخاص. في البنوك والمستشفيات الخاصة والشركات المساهمة ومراكز التسوُّق الكبرى ووكالات السيارات.. هناك يخدم الزبائن أحياناً موظفون سعوديون، لكن بمواصفات نوعية تختلف عن زملائهم في القطاع الحكومي.

لدينا خلل كبير في الأداء الوظيفي الحكومي يؤدي إلى تضييع الوقت وتبديد الأموال وتحطيم الأعصاب. لا أبالغ لو زعمت أنّ ذلك هو السبب الرئيسي في ازدحام المرور وإعاقة التنمية وإحناق المواطن على الدولة. النظام البيروقراطي الكسيح وتعقيد الإجراءات المعاملاتية وقلّة الكياسة ورداءة التدريب البشري والفوضى المزاجية في الإدارة والإشراف وانعدام الرقابة الفعّالة، كلُّ هذه الأسباب وغيرها مما لا أستحضره، توجب غربلة وتمشيطاً وإعادة تأهيل، مثلما حصل وسبقنا إليه إخواننا في مجلس التعاون الخليجي.

 

إلى الأمام
أداء الموظف السعودي مأساة
د. جاسر عبدالله الحربش

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

 

طباعة حفظ ارسل هذا الخبر لصديقك  

 
 
 
 
للاتصال بنا خدمات الجزيرة الأرشيف جوال الجزيرة السوق المفتوح الإشتراكات الإعلانات مؤسسة الجزيرة