Al-jazirah daily newspaper

ارسل ملاحظاتك حول موقعناThursday 25/04/2013 Issue 14819 14819 الخميس 15 جمادى الآخرة 1434 العدد

الأخيرة

منوعات

دوليات

الرياضية

الأقتصادية

محليات

الأولى

الرئيسية

الرأي

هل الولايات المتحدة الأمريكية ستبقى محافظة على قوتها في الأمد المتوسط والبعيد أو أن قوتها ستعرف اضمحلالاً مثيراً؟ سؤال يطرحه العديد من المختصين في مجال الإستراتيجية وعلم المستقبليات لبناء سياسات ومخططات في النظام الدولي البديل.

والقوة هي كما عرفها المحلل والمنظر الاستراتيجي الأمريكي الكبير جوزيف ناي هي القدرة على تحقيق النتائج التي يريدها المرء، وتتباين الموارد التي تنتج هذه القوة في مختلف السياقات؛ فإسبانيا استغلت سيطرتها على المستعمرات وسبائك الذهب في القرن السادس عشر، وهولندا تربحت من التجارة والتمويل في القرن السابع عشر، وفرنسا استفادت من كثرة تعداد سكانها وجيوشها في القرن الثامن عشر، والمملكة المتحدة استمدت قوتها من سبقها في الثورة الصناعية ومن بحريتها في القرن التاسع عشر، أما هذا القرن فيتسم بثورة فتية في تكنولوجيا المعلومات والعولمة؛ ولكي نفهم هذه الثورة، لابد أن نتجنب بعض المزالق.

أولاً، لابد أن يكون المرء حذراً من تشبيهات الاضمحلال العضوي؛ فالأمم ليست بشرا لهم أعمار يمكن التنبؤ بها. وقد ظلت روما على سيطرتها طوال أكثر من ثلاثة قرون بعد بلوغها أوج قوتها، وحتى بعدئذ، لم تخضع لصعود دولة أخرى. وعلى الرغم من جميع التنبؤات الشائعة هذه الأيام، عن تفوق الصين أو الهند أو البرازيل على الولايات المتحدة الأمريكية في العقود المقبلة، فقد يأتي التهديد الأكبر من همج العصر الحديث والأطراف الفاعلين من غير الدول. وفي عالم يقوم على المعلومات، ربما يشكل انتشار القوة خطرا أكبر من انتقالها. وتقول الحكمة السائدة: إن الغلبة تكون للدولة صاحبة الجيش الأكبر، أما في عصر المعلومات، فالفائز أحياناً، ربما يكون الدولة (أو الطرف الفاعل الذي ليس بدولة)، صاحبة الرواية المثلى للواقع.

والقوة في يومنا هذا، موزعة بنمط يشبه لعبة شطرنج معقدة ثلاثية الأبعاد؛ فعلى رقعة الشطرنج العليا، نجد القوة العسكرية الأحادية القطب إلى حد كبير، ومن المحتمل أن تحتفظ الولايات المتحدة بتفوقها بعض الوقت، أما على رقعة الشطرنج الوسطى، فقد ظلت القوة الاقتصادية المتعددة الأقطاب طوال أكثر من عقد، واللاعبون الرئيسيون؛ هم: الولايات المتحدة وأوروبا واليابان والصين، إلى جانب آخرين لهم أهمية آخذة في التزايد، وأما رقعة الشطرنج السفلى، فهي مجال العلاقات العابرة للحدود الوطنية، وهي تشمل أطرافاً فاعلين ليسوا دولاً؛ كالمصرفيين الذين يحولون الأموال إلكترونيا، والإرهابيين الذين يتاجرون في الأسلحة، والمتسللين(القراصنة) الذين يهددون الأمن الإلكتروني، والتحديات التي تعد من قبيل الأوبئة وتغير المناخ. وعلى هذه الرقعة السفلى، نجد القوة منتشرة على نطاق واسع، ومن غير المعقول أن نتحدث عن الأحادية القطبية أو تعدد القطبية أو السيطرة. وسيكون أهم عامل في السياسة ما بين الدول، هو عودة آسيا المتواصلة إلى المسرح الدولي؛ ففي عام 1750، كانت آسيا تستحوذ على أكثر من نصف تعداد سكان العالم ونصف ناتجه الاقتصادي، وبحلول عام 1900، وبعد الثورة الصناعية في أوروبا والولايات المتحدة، تقلصت حصة آسيا إلى خمس الناتج الاقتصادي العالمي، وبحلول عام 2050، ستكون آسيا في طريق العودة إلى حصتها التاريخية. وربما يتمخض صعود الصين والهند، عن شيء من عدم الاستقرار، ولكن هذه مشكلة متعلقة بما سبق، والتاريخ يشير إلى الكيفية التي يمكن أن تؤثر بها السياسات في الناتج.

ومعروف كما يشير الخبير جوزيف ناي إلى أن الأمريكيين يعرضون لنوبات دورية من الإيمان باضمحلالهم وتراجعهم. وقد كان الآباء المؤسسون قلقين من المقارنات إلى الجمهورية الرومانية؛ فقبل قرن ونصف، قال تشارلز ديكنز: “إذا كان لنا أن نصدق مواطنيها الأفراد من دون استثناء، فإن (الولايات المتحدة) مكتئبة دائما وراكدة دوما وفي أزمة مستمرة تنذر بالخطر، ولم تكن قط غير ذلك”. وفي منتصف القرن المنصرم، تصاعد الإيمان بالاضمحلال الأمريكي، بعد أن أطلق الاتحاد السوفياتي القمر الصناعي “سبوتنيك” Sputnik، عام 1957، وبعد التعديلات الاقتصادية التي أجراها الرئيس ريتشارد نيكسون، والهزات النفطية في سبعينيات القرن العشرين، وبعد إغلاق الصناعات القائمة في “حزام الصدأ”: (المنطقة الصناعية الرئيسية في الولايات المتحدة)، وعجز الميزانية في عهد الرئيس ريجان. ولكن بعد ذلك بعشر سنوات، كان الأمريكيون يعتقدون بأن دولتهم هي القوة العظمى الوحيدة، والآن تظهر استطلاعاً الرأي أن كثيراً منهم يؤمن ثانية بالاضمحلال.

ويأسى المثقفون لعجز واشنطن عن السيطرة على دول؛ مثل: أفغانستان أو إيران، ولكن هذا لا يعني في نظرنا فقدان القوة التي تملكها الولايات المتحدة الأمريكية. فهي القوة العسكرية الوحيدة في العالم التي يمكنها ان تتدخل عسكريا في القارات الخمس وهي التي تتوفر على قوة ناعمة لغويا وثقافيا واجتماعيا تمكنها من البقاء ولأزمنة عديدة على رأس رقعة الشطرنج العليا.

وبالرجوع إلى القوة التكنولوجية والبحثية والعلمية للولايات المتحدة الأمريكية التي عليها مستقبل القوة الحقيقية نجد أن الولايات المتحدة في موقع الصدارة في العالم عام 2007، من حيث الاستثمار في مجال البحوث والتطوير، بحجم بلغ 369 مليار دولار، تلتها آسيا برمتها بحجم بلغ 338 مليار دولار، ثم الاتحاد الأوروبي بحجم بلغ 263 مليار دولار, وقد أنفقت الولايات المتحدة 2.7 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي على البحوث والتطوير؛ أي ما يقارب ضعفي ما أنفقته الصين، وإن كان أقل قليلاً من الـ 3 في المائة التي أنفقتها اليابان وكوريا الجنوبية. وفي عام 2007، سجل المخترعون الأمريكيون، نحو 80 ألف براءة اختراع في الولايات المتحدة؛ أي أكثر من دول العالم مجتمعة. وقد أعربت العديد من التقارير، عن القلق بشأن مشكلات؛ من قبيل: ارتفاع معدلات ضرائب الشركات وفرار رأس المال البشري والعدد المتنامي من براءات الاختراع الأجنبية، ولكن شركات رأس المال الجريء الأمريكية، تستثمر 70 في المائة من أموالها في شركات ناشئة محلية. وفي عام 2009، صنف استقصاء أجرته جمعية Global Entrepreneur-ship Monitor، للبحوث الأكاديمية، الولايات المتحدة أمام الدول الأخرى في فرص مبادرات الأعمال لأنها تتمتع بثقافة أعمال مواتية، وبها صناعة رأس المال الجريء الأكثر نضجاً، ولديها علاقات وثيقة بين الجامعات والصناعة، وتنتهج سياسة هجرة منفتحة.

أتفق تمام الاتفاق مع الخبير جوزيف ناي عندما يكتب في مجلة شؤون خارجية أنه سيظل أي تقويم نهائي للقوة الأمريكية في العقود المقبلة أمرا غير مؤكد، ولكن مثل هذا التحليل لن تفيده تشبيهات الاضمحلال المضللة، ويجب أن يتريث دعاة الاضمحلال، عندما يتذكرون كم كانت مبالغة بشدة، التقديرات الأمريكية للقوة السوفياتية في سبعينيات القرن الماضي، وللقوة اليابانية في ثمانينياته. وبالقدر نفسه اتسمت بالتضليل أفكار دعاة القطبية الأحادية، الذين كانوا يجادلون منذ عقد مضى، بأن لدى الولايات المتحدة من القوة ما يمكنها من التصرف كما تشاء، وبأن الآخرين لا خيار لديهم غير إتباعها. واليوم يتنبأ بعض الناس بثقة أن القرن الحادي والعشرين سيشهد حلول الصين محل الولايات المتحدة بصفتها الدولة القائدة للعالم، بينما يجادل آخرون بثقة مماثلة بأن القرن الحادي والعشرين سيكون القرن الأمريكي، بيد أن الأحداث غير المتوقعة غالبا ما تدحض مثل هذه التوقعات، ودائماً ما تكون هناك مجموعة من السيناريوهات المستقبلية المحتملة لا سيناريو واحد.

أما ما يتعلق بقوة الولايات المتحدة بالنسبة إلى قوة الصين، فإن شيئا كثيرا سيكون مرتبطا بالتغيير السياسي المستقبلي في الصين، وهو تغيير مجهول الاحتمالات. والشيء شبه المؤكد - باستثناء أي اضطراب سياسي - أن حجم الصين ومعدلها المرتفع من النمو الاقتصادي، سيزيدان قوتها النسبية في مواجهة الولايات المتحدة.

مستقبل القوة الأمريكية
د. عبد الحق عزوزي

د. عبد الحق عزوزي

أرشيف الكاتب

كتاب وأقلام

حفظ

للاتصال بناالأرشيفالإشتراكاتالإعلاناتمؤسسة الجزيرة