Sunday 06/10/2013 Issue 14983 الأحد 01 ذو الحجة 1434 العدد
06-10-2013

أزمة (الحوار الوطني اليمني) في الساعات الأخيرة..؟!

عندما استطاع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.. بما يشبه المعجزة عقد جلسات (الحوار الوطني الشامل) في موعده.. المحدد وفق آليات (المرحلة الثانية) من المبادرة الخليجية المزمَّنة، وبجدوله الزمني الطويل - من الثلاثين من شهر مارس الماضي..

إلى الثلاثين من شهر سبتمبر -، وبأعضائه الخمسمائة والخمسة والستين من مكونات الطيف السياسي اليمني (ذكوراً وإناثاً).. ولجانه التسع وبنوده التسع التي تأتي في مقدمتها: قضايا (الجنوب) و(صعدة) و (ماهية الدولة).. فقضايا استقلالية السلطات، والحقوق والحريات، والجيش والأمن، والتنمية المستدامة والعدالة الانتقالية، فـ (الدستور اليمني الجديد).. الذي سيجمع خلاصة ما تم الاتفاق عليه بشأن كل تلك البنود والقضايا.. لتكون هي المرشد لـ (دستور) دولة الوحدة اليمنية الجديد.. الذي سيطرح لـ (الاستفتاء) عليه داخل الجمعية العامة للمؤتمر أو شعبياً.. قبيل الذهاب إلى الانتخابات (البرلمانية) فـ (الرئاسية) التي ستعقبها في الثالث والعشرين من شهر فبراير من العام القادم (2014م)، والتي ستكون مشهد الختام في انتقال السلطة سلمياً، حيث يبدأ بعد ذلك عهد الدولة اليمنية المدنية الجديدة.. كان (المتفائلون) داخل اليمن وخارجه يستبشرون خيراً بـ (إنفاذ) هذا (السيناريو) الطويل.. وصولاً إلى مخرجات (الحوار)، التي سينبني عليها مستقبل يمن الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة.. بدعم دول المبادرة، والدول الدائمة العضوية بمجلس الأمن، واستناداً إلى (الحكمة اليمانية) التي لابد وأن تتغلب في النهاية.. على المعوقات والمعوقين، والمشككين والمترددين.. بل ومن أعلنوا عن مقاطعتهم لهذا (الحوار الوطني) قبل تحديد موعده ما لم يتم وفق شروطهم البيزنطية: (حوار بين دولتين وعلى أرض محايدة، وبضمانات دولية)!! كما هي حال (الحراك) في (الجنوب)، أو الاعتراف بداية (بحق تقرير المصير) لـ (صعدة)!! كما هي حال (الحوثيين) في الشمال، بينما كان المعتدلون من الشرفاء والعقلاء.. يملؤهم القلق والخوف.. من استحالة تنفيذ سيناريو (الحوار الوطني) هذا، بلجانه التسع وقضاياه التسع وطوله الذي قد يتيح الفرصة لضربه.. وتعطيله عن بلوغ النهاية المرجوة لمخرجاته في بناء اليمن الديمقراطي الواحد الجديد، بينما وقف بين هؤلاء وأولئك (المتربصون) بـ (الحوار).. ممن سايروا مسألة القبول به، أو اضطروا إليها وهم يضمرون أسوأ النوايا والمواقف من صيرورته ومن مخرجاته.. بحد سواء..!!

* * *

لكن (الحوار الوطني) استمر طوال تلك الشهور.. بدعم إقليمي وعربي، ودولي غير مسبوق.. أدَّاه كأفضل ما يكون الأداء.. وعبّر عنه أبرع وأدق تعبير المبعوث الأممي لليمن لمتابعة سير عملية انتقال السلطة فيه سلمياً: السفير جمال بن عمر.. الذي كان محطة لاحتواء الخلافات والاختلافات والخروج منها بأفضل صور التوافق السياسي في اللجان وبين أعضائها، وبتلك القرارات الشجاعة التي اتخذها الرئيس عبد ربه في إعادة هيكلة القوات المسلحة وقوات الأمن الوطني، وبإعادة المبعدين من كليهما عن الخدمة لأسباب حزبية أو مذهبية أو سلطوية.. واعتبار سنوات انقطاعهم عن الخدمة كأن لم تكن.. بما يحفظ لهم حقوقهم في سلم الرتب العسكرية، وبتشكيله أخيراً لـ (اللجان) القضائية في (الجنوب) للفصل في مظالم الاستيلاء على الأملاك والأراضي دون وجه حق وإعادتها لأصحابها.. إلى جانب دعم القوى الوطنية اليمنية الشريفة في كواليس المؤتمر وخارجه، التي تؤمن بحميمية (يمنيتها)، وحق ثورتيها في السادس والعشرين من سبتمبر والرابع عشر من أكتوبر.. في يمن واحد، حر كبير.. يتساوى فيه اليمنيون جميعاً.. ويتسع لهم جميعاً، ليشهد اليمن اكبر وأطول وأنجح حوار سياسي عرفه العالم العربي بمشاركة هذه الأعداد الغفيرة من نساء اليمن ورجاله وشبابه وكهوله داخل قاعات المؤتمر.. إلى جانب تلك الأعداد المماثلة لها من الخبراء والمحاضرين وعلماء الاقتصاد وفقهاء الدساتير في خارجها من داخل اليمن وخارجه.. رغم (الفرقعات) التي حدثت هنا وهناك، ورغم الاغتيالات التي شهدتها صنعاء وعدن وتعز والمكلا أو نسف محطة سبأ الكبرى للكهرباء أو تفجير أنابيب النفط في شبوة.. على يدي المأجورين اليمنيين الذين لا يخلو مجتمع منهم.

لقد نجح الحوار لسبب واحد بسيط.. هو أن لا بديل عنه.. ولا بديل له!! أو كما قال وكرر الرئيس عبد ربه في خطبه ولقاءاته: إما الحوار.. وإما الضياع..! إما الحوار.. أو الحروب الأهلية..!! أو باختصار أشد: إما الحوار.. أو الدمار!! وقد اختار اليمنيون جميعاً (الحوار) بمن فيهم مَن أوصلوا (اليمن) إلى معضلته وحافة انهياره عام 2011م: (الحوثيون) في (صعدة).. شمالاً، و(الحراكيون) في (عدن).. جنوباً!! وكلاهما كانا فيما فعلاه في ذلك العام، وما قبله.. مأجورين لـ (خارج) اليمن وأجندته التي لا علاقة لها بـ (اليمن) وحال رجاله وشبابه وأبنائه وبناته..!!

* * *

على أي حال كان (الحوار) خيراً وبركة في النهاية.. فـ (الحوثيون)، المتهمون بضمورهم السياسي.. وخلو معارفهم من أي فكر سياسي معاصر، سرعان ما أدركوا - بعد شهور الحوار الأولى - بأن لغة (الإمامة) و(الأئمة) ومحاولة بعثها من مقابر التاريخ التي كانوا يتحدثون بها وعنها.. لم تعد لغة عقل يقبلها عصر الحرية والعدالة والمساواة، وأن عليهم مغادرتها إن أرادوا اللحاق بالحاضر والمستقبل.. وهو ما فعلوه عندما تبنوا مجموعة من القرارات في (لجنة الحلول والضمانات) المنبثقة عن لجنة (صعدة) والتي تدعو الحوثيين - أي أنفسهم - إلى (سحب نقاطهم، وكل عمل يتنافى مع واجبات الدولة، على أن يتزامن ذلك مع استيعاب عناصرهم في كل مؤسسات وأجهزة الدولة، وتجريم الحزبية والتحريض الطائفي والمذهبي وثقافة الكراهية).. بل ذهبوا إلى ما هو أبعد وأعظم وطنية عندما تبنوا قراراً - في ذات اللجنة - يقضي بـ (إلغاء كل الاتفاقيات السرية أو العلنية التي أباحت وتبيح الأراضي اليمنية أمام الطائرات والقوات الأمريكية أو غيرها من القوات.. سواء للاستطلاع أو تنفيذ غارات جوية أو عمليات عسكرية داخل اليمن، وكل ما يمس السيادة الوطنية بأي شكل من الأشكال).. وهو ما يحملني ويحمل أي مراقب منصف إلى القول: ليت الذي أخرتموه قدمتموه.. لما حدث ما حدث منكم، ولما ذهبت تلك الأرواح، وتخربت تلك الديار والضياع في حروبكم (الستة)..!!

* * *

لكن أزمة الأيام الأخيرة في (مؤتمر الحوار).. التي أطلت برأسها، وهي ترجئ الإعلان عن نتائجه ومخرجاته، مع نهاية شهر سبتمبر وسط قلق اليمنيين جميعاً وتوجسهم.. كانت وكأنها مبيت لها من (حراكيو) الجنوب إلى حين أن تأتي (ساعتها)..!! وقد جاءت.. بداية عند اختيار (لجنة القضية الجنوبية) لستة عشر من أعضائها الأربعين بحسن نية - في غير محلها - مناصفة بين حزبي (المؤتمر العام) الشمالي المنشأ و(الحزب الاشتراكي) الجنوبي المنشأ لإعداد (الحلول والضمانات) للقضية الجنوبية عند مناقشة قضية: (ماهية الدولة) ثالث أهم وأخطر قضايا المؤتمر.. في أن تكون كالفيدرالية الأمريكية بولاياتها الاثنتان والخمسون، أو كـ (الفيدرالية الألمانية) بمقاطعاتها العشر، أو كـ (الفيدرالية التركية) بمقاطعاتها السبع..؟!

كأن اتجاه (لجنة القضية الجنوبية) في عموميتها.. مطابقاً لاتجاه بقية اللجان الثماني من لجان مؤتمر الحوار الوطني.. في قيام فيدرالية يمنية أو دولة اتحادية يمنية من خمس مقاطعات: ثلاث منها شمالية.. واثنتان جنوبية، وهو الاختيار التوافقي الأدق.. المنسجم مع الكثافة السكانية الشمالية وتعداد مدنه الكبرى، وما أكثرها وأهمها قيمة سياسية وحضارية وتاريخية من صنعاء إلى تعز إلى الحديدة.. إلى مأرب وذمار وصعدة، لكن الثمانية الجنوبيين من الحزب الاشتراكي في تلك اللجنة المصغرة - التي لا أدري كيف سمحت أمانة المؤتمر بتشكيلها.. بعيداً عن بقية أعضائها الأربعة والعشرين..؟! - كان لها رأي آخر في هذه الدولة الفيدرالية أو الاتحادية.. يقوم على خيار دولة اتحادية من إقليمين: أحدهما شمالي والآخر جنوبي!! وهو (خيار) لا يحمل أي قدر من البراءة الوطنية أو النزاهة السياسية.. بقدر ما يحمل من النوايا الدفينة لـ (انفصال) يمني جديد.. مرتقب، أو مخطط له في الغالب..عندما تحين ساعته بعد دوران عجلة هذا الاتحاد الثنائي بثلاث أو أربع سنوات أخرى..!!

وفتش عن (المرأة).. كما يقول الفرنسيون.. أو عن (المال) السياسي كما يصح أن يتساءل اليمنيون في عمومهم عنه وعن أفعاله أو جرائمه..!؟

فإذا كان الرئيس عبد ربه ورئيس وزرائه باسندوه ورئيس مؤتمر الحوار الوطني الدكتور الإرياني.. قد التزموا الصمت حتى يعطوا أنفسهم فرصة العمل الهادئ وصولاً إلى الحقيقة التي ترضي الأجيال وطموحاتها وأحلامها في غد يمني سعيد وفير.. وتريح أرواح شهداء الوحدة الذين لقوا ربهم في سبيلها، فإن ذلك لا يعني أن الكرة - كما يقولون - في الملعب اليمني وحده.. ولكنها في ملعب أصحاب المبادرة وداعميها في مجلس الأمن والجمعية العمومية.. الذين عليهم أن يقوموا بأدوارهم ومسؤولياتهم لإسدال ستار سعيد على تجربة حوار سياسي وطني شامل فريد..!؟

 
مقالات أخرى للكاتب