Sunday 06/10/2013 Issue 14983 الأحد 01 ذو الحجة 1434 العدد
06-10-2013

الماء أرخص موجود وأغلى مفقود!

العبارة التي عَنونتُ بها هذا المقال قرأتها في مشاركة لأحد الأفاضل في تويتر، وهي تدل دلالة دقيقة ومعبرة عن واقعنا، بل عن قضيتنا مع هذا (الكائن) الذي لا يمكن للحياة أن تستمر إلا به.

المملكة من أفقر دول العالم مائياً، بل هناك من يُصنفها على أنها الأفقر على الإطلاق إذا ما أُخذت في الاعتبار معدلات الزيادة في عدد السكان والتوسع في المجالات التنموية، وتوسع الطلب على المياه بشكل كبير، ومع ذلك ما زلنا نتعامل مع هذه الثروة القليلة، و(الغالية)، والمتناقصة بمرور الوقت، بمنتهى الاستهتار، وكأن (الزمن) كفيل بحل هذه المعضلة لا بتفاقمها أكثر.

هناك معادلة منطقية تقول: غلاء السلعة باعث رئيس للمحافظة عليها، فإذا أردت أن تحد من استهلاك سلعة ما فدع أسعارها تزيد، أو اعمل على زيادتها متعمداً، ولا بد أن تنعكس هذه الزيادة (بالضرورة) على الحد من كميات استهلاكها.

نحن، وكما ذكرتُ في مقال سابق، فرطنا كثيراً في هذه الثروة من خلال زراعة القمح والشعير والأعلاف، وهذه أصبحت حقيقة (قطعية) لا يمكن لأحد إلا الاعتراف بها. وهذا التفريط لا يمكن حله (فقط) بإيقاف زراعة القمح والشعير، ومحاصرة زراعة الأعلاف قدر الإمكان، وإنما (أيضاً) لا بد من الاعتماد على سياسات ترشيدية، من شأنها أن تضطر المواطن إلى الشعور بخطورة المشكلة، والمساهمة بالتالي في حلها.

يقول المتخصصون إن ثمة ثلاثة عوامل رئيسة تستهلك الماء في المنازل، أولها: الماء الذي يستهلكه (السيفون) في المراحيض. الثاني: غسيل الملابس. الثالث: مياه الاستحمام. هذه العوامل مجتمعة تشكِّل النسبة الأعلى لاستهلاكات المياه المنزلية. وهناك طرق (تقنية) عدة للسيطرة والتقليل من هذه الاستهلاكات، غير أن العامل الأهم هو (العامل السلوكي)، بمعنى أن تدفع المواطن إلى الشعور بأن (الماء) ثروة ناضبة وغالية؛ ويجب أن (يسلك) في استهلاكها مسلكاً من شأنه المحافظة عليها؛ لذلك لا بد من توظيف السعر للحفاظ عليها؛ فتكون تكلفة الماء في استخدامات المنازل عاملاً رئيساً، من شأنه تحقيق هذه الغاية في النتيجة.

وهذا - بالمناسبة - ما تنتهجه أغلب الدول في العصر الحديث، حتى تلك التي حباها الله بمصادر غنية للمياه كالأنهار مثلاً، وذلك بحماية مصادرها من المياه من خلال رفع أسعار الاستهلاك؛ ففي نيويورك - مثلاً - تكلفة المتر المكعب من المياه للاستعمالات المنزلية 2.5 ريال، وفي لندن 4.5 ريال، وفي مانيلا سبعة ريالات، وفي أكرا 8.5 ريال، وفي كولومبيا 11 ريالاً، في حين أن سعرها في المملكة في حدود عشر هللات.. وهذا يعني أن سعر وايت من الماء سعته 15 متراً مكعباً يصل إلى منزل الفرد في المملكة من خلال الشبكة لا تتجاوز تكلفته ريالاً ونصف الريال فقط، أي سعر علبة من المياه الغازية. وبلغة أخرى مقارنة، فإن الفرد في المملكة يستهلك كمتوسط على الجوال سنوياً ما يوازي 200 ريال، وعلى الكهرباء 20 ريالاً، أما على المياه فالرقم لا يصل إلى ريال واحد.. تصوروا؟!.. فهل بالله عليكم رأيتم تفريطاً مثل هذا التفريط غير المسؤول في أهم ثروة نحن في أمسّ الحاجة للمحافظة عليها، وتعويد الأفراد على عدم الإسراف فيها؟

وختاماً أقول: لا حل أمامنا لمواجهة هذا الإسراف (الخطير) وغير المسؤول إلا من خلال الحلول التي قد تكون (مؤلمة)، لكن لا مناص عنها؛ فلا بد من رفع أسعار المياه المنزلية؛ لنخلق سلوكاً مع الزمن من شأنه أن يجعل الفرد يتعامل مع هذه الثروة الناضبة والمُكلفة بمسؤولية؛ لكي لا نجد أنفسنا يوماً ما نعيش في بلد يحفه الجفاف، وربما الظمأ من كل جانب.

إلى اللقاء

 
مقالات أخرى للكاتب