Tuesday 08/10/2013 Issue 14985 الثلاثاء 03 ذو الحجة 1434 العدد
08-10-2013

الأمانة .. تنظيم أم تعجيز؟

قبل عقد من السنوات، كان الخارج من مصليات العيد في الرياض، يشاهد الجزارين منتشرين على الطرقات، وهم يحملون سكاكينهم وســـواطيرهم، منتظرين الزبون الذي يبحث عمن يذبح أضحيته، ومعظم هؤلاء كانت علاقته بالذبح كعلاقتي بلعبة الشيش، بل قد يتورط البعض فيمن يذبح لأول مرة في حياته، كما حدث لي ذات مرة، وحين خاصمته جراء تعذيبه الأضحية استشاط غضباً حتى خشيت أن أكون أضحيته التالية في ذاك العيد البعيد!

هؤلاء كانوا يذبحون الأضاحي في البيوت، فتسيل الدماء في الطرقات، وتنتشر مخلفات الأضحيات في الشوارع بشكل غير حضاري، مما قد يتسبب بانتشار الأمراض لا سمح الله.

ولا شك أن مشهد هؤلاء الجزارين، الواقفون على الطرق الرئيسة، وملابس معظمهم ملوثة بالدماء، كان مشهداً بدائياً، لا يشعرك بأنك في عاصمة حديثة، حتى تفضلت أمانة مدينة الرياض مشكورة، ونظمت هؤلاء، والتحق المحترفون منهم في المطابخ التي مُنحت حق استقبال الأضاحي من العملاء، بالإضافة إلى مسالخ البلدية الرئيسة المنتشرة في مختلف وجهات الرياض، في الشمال والجنوب وغيرها.

وأذكر في الأعوام السابقة، أن ثمة مراقبين شبابا، يحضرون بزي العمل في زيارات مفاجئة، لمراقبة مدى تحقق شروط الأمانة في شؤون النظافة والصحة والسلامة، وهو أيضاً من الأمور التي تسجل للأمانة والصحة، في الاطمئنان على توفر المعايير المطلوبة لسلامة لحوم الأضاحي ونظافتها.

هذا العام، اعتذرت معظم المطابخ، التي كانت تنظم عمليات ذبح الأضاحي في الأعوام السابقة، واكتفت بطبخ أضحيات يوم العيد فقط، وقد أخبرني أكثر من مسؤول في هذه المطابخ، أن الأمانة تزيد شروط السلامة كل عام وتعقدها، وتفرض غرامات عالية، تفقد معها المطابخ معظم أرباحها المنتظرة أو المتوقعة في يوم العيد، فالغرامات تلتهم الربح الذي يعمل لأجله المطبخ، لذلك أراح معظم هؤلاء رؤوسهم من هذا الصداع، وسوف يزداد الزحام بشكل غير مسبوق هذا العام على مسالخ البلدية المعروفة، نتيجة خروج البعض من السوق!

ولعل معظم السعوديين لا يفضلون مسالخ البلدية، لسبب بسيط، هو أن صاحب الأضحية لا يرى أضحيته لحظة نحرها، ولا يطمئن عليها، وقد يحدث، كما يتندر البعض، أن تدخل أضحيتك من نوع النعيمي، وتستلمها من نوع بربري، بسبب عدم دقة التسليم والاستلام في لحظة الزحام، فضلا عن الفوضى، والاضطرار إلى الوقوف باكراً جداً قبل صلاة الفجر، وفوات صلاة العيد عمن يرغب باستلام أضحيته باكراً.

فهل تشدد الأمانة هو نوع من التنظيم أم التعجيز؟ هل هو مؤشر إلى عودة الأضاحي إلى البيوت، وعودة السباكين والمبلطين والمقاولين، وسائقي الليموزين، إلى الاصطفاف في الطرقات حاملين معهم عدة الذبح؟ أم هي مؤشر إلى الذهاب في أطراف المدينة، والمخططات الجديدة، وبث المزيد من التلوث والفوضى؟

أعتقد أن على الأمانة وغيرها، عند فرض شروط عالية ومعايير صعبة، حتى لو كانت رائعة، أن توجد البديل الجاهز عند خروج مقدمي خدمة ذبح الأضاحي من السوق، فليس معقولا أن نطالب بأعلى درجات الجودة، ونهدد بالغرامات، ونحن ندرك أن المتوافر لدينا من المطابخ لا تستطيع أن تصل إلى هذا المستوى من الجودة!

 
مقالات أخرى للكاتب