Thursday 10/10/2013 Issue 14987 الخميس 05 ذو الحجة 1434 العدد
10-10-2013

المحافظون المتشددون بين النسخة السعودية والنسخة الأمريكية 1-2

لا يخلو مجتمع إنساني من محافظين متشددين، تقوى شوكتهم حيناً وتضعف حيناً آخر وتقوى شوكة المحافظين المتشددين عادة مع تخلف مجتمعاتها أو مرورها بأزمة سياسية أو اقتصادية خطيرة. ويُطلق وصف المحافظين على المجموعات التي تتشدد باتباع النسخة الأصلية من الأساليب والطُرق الثقافية والسياسية والدينية التي قامت عليها دولهم أو حكوماتهم أو مجتمعاتهم. ودور المحافظين عادة هو إعاقة أي تغيير أو تطوير أو تصحيح من شأنه أن يخالف الوضع الذي كان عليه آباؤهم وأجدادهم بغض النظر عن ملاءمته للحاضر أو عدمه. ومن الأمثلة الشهيرة الساموراي اليابانيون، وممانعتهم لانفتاح اليابان. (وقد كتبت في ذلك مقال «الساموراي حكاية قديمة حديثة» فلا أعيد هنا). وكذلك المحافظون اليابانيون المتأخرون، الذين غلبوا على القرار ورفضوا صوت التعقل والحكمة فهاجموا سواحل امريكا، فكانت الحرب العالمية الثانية. وقد ضعفت شوكة المحافظين في جميع أنحاء العالم المتطور بعد الحرب العالمية الثانية، كنتيجة لما أثبته المحافظون في كثير من هذه الدول بأنهم قد يوحدون البلاد وقد ينجحون في جمع الكلمة - كما في ألمانيا وإيطاليا واليابان وغيرها- ولكنهم ينتهون بالبلاد الى الدمار والخراب في فترات قصيرة نسبية في عمر الشعوب. وقد استخدمت كثير من السياسات المحافظين المتشددين لتمرير أجندة لها، أو لتثبيت البلاد وجمع الكلمة في الحروب والأزمات الكبرى، ولكنها دفعت ثمنا غاليا لذلك.

ومن يجعل الضرغام بازا لصيده

تصيده الضرغام فيما تصيدا

وقد ضربت أمثلة لعدد من هذه الحالات في مقالي «لم الخوف من مرسي وبلاد الربيع العربي».

ومعضلة الأيدولوجية المُحافظية أنها ضعيفة أمام الانكشاف على العالم الخارجي. فهي لا تعمل ولا تنجح إلا في المجتمع المغلق، وكوريا الشمالية من الأمثلة الواضحة اليوم. فالفرد المحافظ المتشدد لا يستطيع أن يرى أبعد من محيطه، فيعتقد أنه هو هو ولا أحد غيره، في نظرة استخفافية دونية استهتارية لثقافات الشعوب الاخرى. فما أن يصطدم بها وينكشف عليها، حتى ينهار سريعا.

وقد قويت شوكة المحافظين المتشددين في أمريكا وظهرت على المسرح السياسي بعد حادث سبتمبر، ثم بعد انتخاب الرئيس الأسود المسلم الأصل. وقد تغلب هؤلاء المحافظون المتشددون على غالبية كراسي الكونجرس بما يُعرف بحزب الشاهي. (وقد كتبت عنهم سابقا عند محاولتهم السابقة لإفلاس أمريكا في مقالي «المحافظون يصنعون القرار أم يُصنع بهم؟»). وهؤلاء المحافظون المتشددون لا يختلفون عن أي من هم على شاكلتهم من الأيدولوجية المتشددة في أنحاء العالم. فهم ضعيفو الحجة، بعيدون عن الواقع، يعيشون على صدى الماضي - سياسيا واقتصاديا-، كدعوتهم للعودة الى نظام الذهب، وميولهم الى العنجهية السياسية والاقتصادية واللامبالاة بالعالم الخارجي. وهم يؤمنون بنظريات المؤامرة، ولذا لا يعتقدون بوقوع مخاطر ما يدعون اليه على أمريكا. وها هم اليوم قد نجحوا بتعطيل الحكومة الامريكية، برفضهم رفع سقف الدين. وتراهم وأتباعهم يصفقون ويبتهجون بهذا الفعل في سذاجة، تدل على سطحية فكرهم. وما اكترثوا بمخاطر هذا على الاقتصاد الأمريكي والعالمي الهش الخارج لتوه من أزمة اقتصادية كبرى. ولا أدركوا بالضرر الكبير الذي ألحقوه بسمعة الحزب الجمهوري، رغم تحذيرات كبير الحزب الجمهوري- المرشح الرئاسي السابق- السناتور ماكين.

ودعوى هؤلاء المحافظون الظاهرة في تعطيل الحكومة، دعوى اقتصادية كما يزعمون، لكبح الدين الحكومي، وأما قصدهم المبطن هو إيمانهم العميق بالرأسمالية الأصل التي قامت عليها أمريكا، من حكومة محدودة وضمان من عدم تدخل الحكومة في السوق وعدم مساعدة الفقراء والتي تتعارض كلها مع سياسة التأمين الصحي الحكومي الشبه مجاني الذي نجح أوباما في فرضه. فبعد أن فشلوا في إعاقة القانون تشريعيا، أرادوا إسقاط المشروع ماليا برفض الميزانية وعدم رفع سقف الدين، الا بشرط إسقاط المشروع الصحي. وأما دافعهم المبطن - الذي أصبح يتحدث عنه علانية الإعلام الأمريكي- فهو كراهية الرئيس الأسود ذو الأصل المسلم. وحزب الشاي المحافظ المتشدد لا يُتهم مطلقا في صدق وطنيته وإخلاصه، بل يُتهم في عقله وإدراكه ومعارفه، وهذا هو حال غالب المحافظين المتشددين، المخلصين وليس المستنفعين منهم، فكما أشرت سابقا، أنه يغلب على المحافظين المتشددين التخلف ثقافيا، لكونهم يعيشون حقائق الماضي ويؤمنون بنظريات المؤامرة، لذا فهم لا يسمعون إلا لمن هو على شاكلتهم من الجهل والخرافة أو من المستنفعين من جهلهم، فحرموا العلم الصحيح والمعرفة الحديثة. ولذا يتعجب المرء العارف من أطروحاتهم الاقتصادية، وكأنهم يتحدثون عن اقتصاد ما قبل النهضة الصناعية.

هذه هي النسخة الأمريكية من المحافظين المتشددين وسبب ظهورهم على الساحة السياسية الداخلية وأعمالهم في إعاقة الإصلاحات الحكومية الداخلية ونشرهم للعنصرية وعدم إداركهم لواقع الأمور وخطورة أعمالهم على وضع أمريكا كإمبراطورية سياسية واقتصادية عالميا. فالمحافظون كما أشرت سابقا ينكشفون سريعا إذا ما تعرضوا للعالم الخارجي. والمقال القادم بعد غد عن النسخة السعودية للمحافظين المتشددين.

hamzaalsalem@gmail.com

تويتر@hamzaalsalem

 
مقالات أخرى للكاتب