Friday 11/10/2013 Issue 14988 الجمعة 06 ذو الحجة 1434 العدد
11-10-2013

الحج .. وعمارة الحرمين .. وأمن الحجيج

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسَّلام على سيّد الأنبياء والمرسلين، نبيَّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يحتفل العالم، أدرك من أدرك، وعُمّي على مَن عُمّي عليه، بتأسيس المملكة العربيَّة السعوديَّة، من عام للذي يليه، ربَّما في غير الموعد الرسمي المتعارف عليه بين السعوديين، وربما دون أن يعبَّروا عن ذلك صراحة، لكن واقع الحال أن كل موسم حجِّ، وكل رحلة عمرة، أصبحت مرتبطة على نحو كبير بتأسيس المملكة العربيَّة السعوديَّة، الدَّوْلة القوية الآمنة -بحول الله وطوله- القادرة على تأمين سلامة كل عابر لأراضيها، الدَّوْلة التي تنفق المليارات في سبيل راحة ضيوف الرحمن وسلامتهم وصحتهم وضيافتهم.

كان الحجيج في الماضي قبيل إعلان تولي المؤسس الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود مقاليد الحكم، يودِّعهم أهلوهم بالدموع بكاءً على ذلك الذي ربَّما يعود، وربما يلحق بقوافل من خرجوا للحجِّ ولم يعودوا، فمن لم يسلم منهم من أيدي قطاع الطرق واللصوص، تفتك به الأمراض والأوبئة، أو يخرّ صريعًا من مشقة الحجِّ، ولا سيما إن كان من كبار السنِّ، وسط حالة من الإهمال والانفلات الأمني والافتقار إلى أبسط مقوِّمات الأمن والرِّعاية والعناية بضيوف الرحمن، الصورة التي تبدَّدت تمامًا بعد تولي الملك عبد العزيز مقاليد الحكم فيه، وضربه بيدٍ من حديد على يد كل من تسوِّل له نفسه الاجتراء على ضيوف الرحمن، وبَذْله كل غالٍ ونفيسٍ في سبيل تأمين الرِّعاية والعناية والراحة والعافية لكل حاج ومعتمر. فضلاً عن قائمة من الفعاليات الإسلاميَّة، بين مؤتمرات وندوات ومهرجانات، تنظمها هيئات ومنظمات إسلاميَّة عالميَّة، برعاية شخصيَّة من ملوك الدَّوْلة السعوديَّة، بدءًا من عهد المؤسس الملك عبد العزيز الذي كان شديد الانتماء إلى كل ما هو إسلامي، وشديد البذل والدعم لكل ما يخدم أمة الإسلام، حتَّى عهدنا الزاهر هذا، عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز، الزعيم المسلم الذي يسعى لنصرة الإسلام في جميع أصقاع الأرض، بدءًا من دعم الدعوة، ومرورًا بإنشاء الكيانات الإسلاميَّة حول العالم والتشجيع على إنشائها ودعمها ودعم الشعوب الإسلاميَّة، وصولاً إلى تحسين الصورة الذهنيَّة العالميَّة المغلوطة عن سماحة الإسلام، بمبادرات الحوار العالميَّة التي أطلقها -حفظه الله- التي توّجها مؤخرًا بإطلاق مركز الملك عبد الله للحوار العالمي بين الأديان والثقافات بالعاصمة النمساوية فيينا. فشتان بين إهمال الأمس الذي كان يلقاه الإسلام والمسلمون قبيل تأسيس المملكة، والاعتناء الفائق بكلِّ ما هو إسلامي اليوم، في مملكة أسست على عقيدة التوحيد، وخدمة الإسلام.

هوية دولة.. ونهج قيادة

ويخطئ من يتصور أن اهتمام المملكة العربيَّة السعوديَّة بالحرمين الشريفين وخدمتهما وتوسعتهما وعمارتهما والمشاعر المقدسة، كان امتدادًا طبيعيًا لتاريخ طويل من الإضافات المتعاقبة على هذه البقاع الطاهرة على مدار القرون وحسب، إِذْ إن ما نال الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة منذ فجر الدَّوْلة السعوديَّة الثالثة الذي انعكس ضوء أول شعاع لشروقه على سيف المؤسس الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، يؤكِّد هوية دولة جديدة النهج، قدَّم رجالها أرواحهم ثمنًا لإقامة عقيدة التوحيد على أرضها، على ما كان عليه نبيُّ الأمة صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن بعده السلف الصالح، رضي الله عنهم أجمعين، لا على ما كانت عليه في العهود الغابرة التي كانت شبه الجزيرة فيها مرتعًا للبدع والشركيات، ومسرحًا للفوضى وقطع الطريق، حتَّى إن الحجيج القادمين من شتَّى أصقاع الأرض كانوا عرضة للسلب والنهب والقتل والسبي على أيدي قطاع الطرق.

وتبقى مشروعات الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة أيقونات عملاقة في جسد هذه الدَّوْلة القوية التي قامت على خدمة الإسلام، حتَّى إن ملوكها سعوا إلى تعزيز هذا المبدأ بإطلاق لقب «خادم الحرمين الشريفين» على من يتولى مقاليد الحكم في البلاد، في واحدة من مئات الإشارات إلى عمق هوية الدَّوْلة الإسلاميَّة، ورسوخ عقيدة التوحيد في نظام حكمها، واحتكامها إلى كتاب الله وسنَّة رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم وما أجمعت عليه الأمة على مدار قرونها المتعاقبة.

توحيد الإمامة في الحرمين الشريفين الحدث الأهم

قبل البدء في ذكر المنجزات الإنشائية التي حظي بها الحرم المكي والمسجد النبوي، وكذلك العناية الفائقة بحجاج بيت الله الحرام وزوار مسجد رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، يجدر بنا الإشارة إلى حدث مهم جدًا ألا وهو توحيد الإمامة في الحرم المكي وكذلك النبوي، فقد كانت جموع المصلين يؤمهم أربعة أئمة، بأربعة محاريب فللمذهب الحنفى محراب وللشافعي محراب وكذلك للمالكي والحنبلي، حيث يبدأ الإمام الشافعي ويصلي خلف مقام إبراهيم، ثمَّ المالكي ويصلي قبالة الركن اليماني، ثمَّ الحنفى ويصلي قبالة الميزاب، ثمَّ الحنبلي ما بين الحجر الأسود والركن اليماني ووقت صلاته مع الإمام المالكي في نفس الوقت، كذلك لم يسلم المسجد النبوي من هذا الداء المفرق للجماعة فكانت المذاهب الأربعة كل مذهب يصلي بإمام من مذهبه. وقد أشار العلماء إلى هذه الفرقة بين المسلمين في بعض كتبهم كما ذكر ذلك القاضي الشوكاني -رحمه الله- في كتاب (إرشاد السائل في دليل المسائل) حيث قال: وإن من أعظمها خطرًا وأشدها على الإسلام ما يقع الآن في الحرم الشريف من تفريق الجماعة، ووقوف كل طائفة في مقام من هذه المقامات كأنهم أهل ديانات مختلفة، وشرائع غير مؤتلفة ا. هـ.

استشعر الملك عبد العزيز هذه الخطر وتشاور مع أهل الحلِّ والعقد في مكة المكرمة فأصدر أمره بإزالة هذه المقامات ووحد المسلمين على إمام واحد، فلقي هذا القرار ترحيب عموم علماء المسلمين وتأييدهم مما جعل هذا الخطوة تُعدُّ أهم حدث في وحدة الإمامة للمسلمين في الحرمين الشريفين على يد الملك عبد العزيز -رحمه الله- ولو لم يكن للملك عبد العزيز من المنجزات الإسلاميَّة إلا هذه فهي من أعظم المآثر الإسلاميَّة الحديثة عندما دخل مكة المكرمة فكيف بمعجزة توحيد البلاد والقلوب.

الحرمان ما قبل المؤسس

وعلى قدر المنجز غير المسبوق في العهد السعودي على صعيد خدمة الحرمين الشريفين، إلا أن الحاجة تلزم إلى إلقاء إطلالة عابرة على حالة الحرمين الشريفين قبيل تولي مؤسس الدولة السعوديَّة الثالثة الملك عبد العزيز خدمتهما وكانا في عهدة شريف مكة، عامل الدولة العثمانية عليهما.

كان شظف العيش الذي تخلفه مواسم الجفاف في صحراء شبه الجزيرة قبيل الدَّوْلة السعوديَّة، يدفع بعض قبائل البدو الرحل وعشائرهم إلى الإغارة على جيرانهم، والتعدي على قوافل الحجاج والمسافرين للاستيلاء على أموالهم. ساعدهم على ذلك ضعف السلطة الحاكمة وعدم إقامتها الحدود الشرعية في القتلة وقطاع الطريق والسراق، بل إن جنود الحراسة كانوا يتعرضون للقتل، ويسلب اللصوص سلاحهم، ثمَّ تكتمل الصورة مأساوية بإقدام اللصوص أحيانًا على اختطاف أولاد الحجاج الأفارقة السود، وبيعهم في سوق النخاسين بمكة المكرمة. بل لم يكن الحجاج يسلمون من الاعتداء عليهم في مكة المكرمة نفسها.

ولم تكن الخدمات الصحية، على أهميتها في ظلِّ وفود مئات الآلاف من الحجيج والمعتمرين، بأحسن حالاً من الأمنيَّة في مكة المكرمة والمدينة المنورة حول الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة في عهد ما قبل الدَّوْلة السعوديَّة، في ظلِّ اقتصار الأمر على مستشفى بمكة المكرمة أطلق عليه (مستشفى الغرباء) كانت سعته 70 سريرًا، يضم اثنتي عشرة غرفة، يقوم على تقديم الخدمة الطّبية بها عشرون شخصًا بين طبيب وصيدلي وجراح ومعاون للجراح وقابلة ومدير وموظف مشتريات وإمام وطباخ وتسعة أشخاص من الخدم وبواب وعامل للمستودعات، بالإضافة إلى المستشفى العسكري الذي أقيم أواخر القرن الثالث عشر الهجري، فضلاً عن التكية المصريَّة وكان بها طبيب يعالج المرضى الذين يقصدونه أيًا كانت جنسيتهم، ويصرف لهم الدواء.

وكان من نصيب المدينة المنورة مستشفى غرباء آخر لم تكن سعته السريرية تتجاوز عشرة أسرة، بالإضافة إلى المستشفى العسكري ومستشفى (دار الشفاء)، فيما لم تحظ المشاعر سوى بمستشفى واحد سعته 40 سريرًا.

وتجدر بالذكر الإشارة إلى أن هذه المنجزات الصحيَّة على بساطتها، تعود كلّّها إلى الدولة العثمانية، فيما لم تضف حكومة الشريف حسين بن علي شيئًا كثيرًا على ما وجده من المستشفيات التي تركتها الدَّوْلة العثمانية في مكة، حتَّى إنّه لم تكن هناك جهة للتعقيم فيما إذا مست الحاج وحدث مرض ما من الأمراض الوبائية، أو جهة لمكافحة الجراثيم لفحص المواد المشتبه فيها، وليس هناك أيْضًا جهة تحليل ولا مؤسسة جدري ولا غيرها من المؤسسات التي لا تتم الرِّعاية الصحيَّة الكاملة من دونها.

وقياسًا إلى حجم المنجز التاريخي غير المسبوق في خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة منذ انبلاج فجر الدَّوْلة السعوديَّة، فبوسع المتأمَّل أن يقول من دون مواربة: إنّه لم تكن ثمة دولة فيما قبيل تولي ملوك الدَّوْلة السعوديَّة مقاليد الحكم في البلاد، ففوق استتباب الأمن والأمان على نحو واسع في ظلِّ قوة الردع الهائلة التي واجه بها المؤسس وبنوه من بعده كل من تسوِّل له نفسه تهديد أمن الحجيج وقاصدي الحرمين الشريفين، أصبح الحرمان الشريفان في صدارة معالم العمارة العالميَّة التي يشار إليها بالبنان، عبر رحلة عمران مشهودة، ربَّما لم يشهدها مبنى في التاريخ البشري، سواء على مستوى الكيف، أو الكم أو الكلفة.

عهد جديد

ومع دخول الملك عبد العزيز -طيَّب الله ثراه- مكة المكرمة عام 1343هـ سعى لتسهيل زيارة مكة والمدينة على المسلمين فأنشأ المديرية العامَّة للحج وإدارة شؤون المسجد الحرام، وتولى تجديد عمارة المسجد الحرام، موجهًا بإعداد دراسة لتوسعة الحرم المكي، وتنفيذ التوسعة السعوديَّة الأولى للمسجد النبوي الشريف التي وضع حجر الأساس لها في ربيع الأول عام 1372 هـ.

بيد إنّه لم يقدر للمؤسس الملك عبد العزيز -طيَّب الله ثراه- أن يشرف بنفسه على التوسعة التي أقرها، فحمل أمانتها من بعده ابنه الملك سعود -رحمه الله- إلى أن تَمَّ الانتهاء منها في عام 1375هـ. لذا فإنَّ بوسعنا القول: إن التوسعة الأساسيَّة للحرمين الشريفين تمت في عهد الملك سعود -رحمه الله- بتوجيه من والده قبل رحيله في عام 1373هـ بعد أن ظل المسجد الحرام أكثر من 1000 عام دون أيّ زيادة في مساحته، حتَّى أدَّى ذلك إلى التصاق البيوت وقربها من المسجد، فانفصل المسعى عنه، وأصبح سوقًا وطريقًا تقوم المساكن والدكاكين على جانبيه.

أولى الملك سعود اهتمامًا بالغًا لتوسعة الحرمين الشريفين، وأصدر أمره بشراء المنازل والعقارات حول الحرم، ونفذ المشروع على ثلاث مراحل؛ استمرت المرحلة الأولى نحو عامين، وتضمنت إنهاء عمارة المسعى بطابقيه، وبناء السقف الأول من الرواق الجديد في الجزء الجنوبي من المسجد، ثمَّ وضعت الأقبية تحت الأرض، وتَمَّ تحويل مجرى السيل لحماية المسجد من السيول. واستغرقت المرحلة الثانية نحو عامين آخرين، وتَمَّ فيها بناء حوائط وقسم ثانٍ من الرواق الجنوبي، والطابق الثاني وكسوته بالمرمر والحجر الصناعي، وجعل جانب من الطابق الأول سبيلاً لسقيا المصلين من ماء زمزم، وأقيم مدخل له ثلاثة أبواب وسمّي باب الملك سعود، ثمَّ أنشئت طبقة ثالثة للرواق، كما تضمنت المرحلة بناء مآذن جديدة، أما المرحلة الثالثة فاستكمل فيها العمل في الجهتين الغربية والشماليَّة بإنشاء رواقين وساحات طرق ومواقف للسيَّارات، وأماكن للوضوء، وساهم هذا في تحسين المسجد.

كما اهتم الملك سعود بترميم سطح الكعبة، ففي أول محرم 1377هـ ظهر أن سقف الكعبة يحتاج إلى ترميم فقام بتشكيل لجنة علميَّة وفنيَّة للتحقق من ذلك، واختار الأمير فيصل للإشراف على المهمة التي كلف بها الشيخ محمد بن لادن.

كما اهتم الملك سعود في عهد والده -رحمهما الله- بعمارة المسجد النبوي، وأوكل المشروع أيْضًا إلى مؤسسة الشيخ محمد بن لادن، الذي باشر العمل في 5 شوال 1370هـ، فبدأت الأعمال التمهيدية، وأزيلت الأبنية المحيطة بالمسجد النبوي، وحفرت الأساسات. ورعى الملك سعود بنفسه هذه التوسعة، ووضع حجر الأساس لها عام 1373هـ ودعا ممثلين عن الدول الإسلاميَّة، كما حرص على الإبقاء على عمارة السلطان عبد الحميد في الجوانب التي كانت حالتها ممتازة، وحرص حرصًا شديدًا على العناية بالحجرة النبوية المطهرة، والقبة الخضراء من فوقها، والمنبر والروضة وحافظ على الأعمدة الأثرية والمئذنة الرئيسة، ومئذنة باب السَّلام، ومصلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

فيما لم يألُ الملك فيصل جهدًا في سبيل خدمة الحرمين الشريفين، فوجه بتكملة عمارة المسجد الحرام من الداخل والاستمرار في إتمام الجزء الخارجي من مبنى التوسعة الجديد وتجديد الأروقة العثمانية، وارتفعت أبواب المسجد الحرام إلى أربعة وستين بابًا، وأنشأ مكتبة الحرم، وأزال البناء القائم على مقام إبراهيم ووضعه في غطاء بلوري من الكريستال الفاخر.

وفي المدينة المنورة لم يمض على إتمام التوسعة السعوديَّة الأولى للمسجد النبوي الشريف غير عام واحد حتَّى ظهرت بشكل جلّي الحاجة إلى توسعة أخرى فأصدر الملك فيصل -رحمه الله- توجيهاته عام 1392هـ بإجراء توسعة ثانية بإضافة مساحة أخرى قدرها 5550 مترًا مربعًا.

التوسعة التي استكملها الملك خالد -رحمه الله- فأصبحت مساحة المسجد الحرام بعد نحو عشرين عامًا من التوسعات المتتالية 160 ألف متر مربع، بالإضافة إلى توسعة المطاف وتركيب رخام مقاوم للحرارة، وترميم الكعبة المشرفة وصنع بابين جديدين لها، أحدهما من الذهب الخالص، وافتتاح مصنع جديد لكسوة الكعبة، بالإضافة إلى 43 ألف متر مربع أضافها الملك خالد للمسجد النبوي.

ثم وجّه الملك فهد -رحمه الله- بتنفيذ إنجازات ضخمة وغير مسبوقة للحرمين الشريفين، فبدأت واكتملت في عهده أكبر توسعتين وصلت تكاليف أعمالهما أكثر من 60 مليار ريال وأثمرتا عن إضافة 30.000 متر مربع فبلغت مساحة الحرم المكي 366.168 مترًا مربعًا كانت تتسع لما يربو على مليون مصلٍ، فضلاً عن ترميم الكعبة ترميمًا شاملاً وتجديد غطاء مقام إبراهيم. وتخصيص 31 ألف متر من الساحات الخارجيَّة للصلاة.

أما توسعة المسجد النبوي الشريف فأضافت مساحات متكاملة من الشمال والشرق والغرب، واحتوت على سبعة مداخل رئيسة فأصبح إجمالي البوابات 59 بوابة، وأصبح للمسجد عشر مآذن وسبع وعشرون قبة، بإجمالي مساحة ساحات محيطة قدره 235.000 متر مربع، فارتفعت طاقة المسجد إلى 650 ألف مصلٍ في الأيام العادية، وأكثر من مليون مصلٍ في مواسم العمرة والحج، بتكاليف بلغت أكثر من 6 مليارات ريال.

التوسعة الكبرى

أما عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله- فشهد أكبر التوسعات في تاريخ الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة على الإطلاق، عبر سلسلة مشروعات وتوسعات عملاقة، بدأت مع بواكير عهده الزاهر -حفظه الله- بإصدار توجيهاته الكريمة لتنفيذ أكبر توسعة على مرِّ التاريخ للمسجد الحرام بمساحة تقدّر بـ 400 ألف متر مربع تستوعب مليوني مصلٍ تشمل الساحات الخارجيَّة والجسور وممرات المشاة ومباني الخدمات بما فيها المراكز الصحيَّة والدفاع المدني ومشفى ومحطة التكييف المركزية والتوليد الاحتياطي.

يضاف إلى ذلك الإنجاز التاريخي المتمثِّل في تحقيق أكبر توسعة للمسعى تلك التي ضاعفت مساحته أربع مرات، وزادت عرضه إلى 40 مترًا بأربعة طوابق بمساحة تجاوزت 87 ألف متر مربع، وبطاقة استيعابية تصل إلى 188 ألف ساعٍ في الساعة. التوسعة التي شفعها -حفظه الله- بمشروع جسر الجمرات الذي تَمَّ إنجازه بكفاءة أذهلت العالم، ويُعدُّ آية في روعة وضخامة الإنجاز ومصدر فخر لجميع المسلمين وإنجازًا استثنائيًّا في إدارة الحشود. يتكون الجسر من خمسة أدوار وطاقته الاستيعابية تصل إلى 300 ألف حاج في الساعة مع إمكانية زيادة طوابقه مستقبلاً إلى اثني عشر طابقًا لخدمة أكثر من خمسة ملايين حاج.

وامتدت سلسلة الإنجازات الكبرى لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في خدمة حجاج بيت الله الحرام بمشروع فريد يُعَدُّ ضمن أسرع وأضخم عمليات التفويج على مستوى العالم، وهو قطار المشاعر الذي أنهى معاناة تنقلات الحجاج في منى وعرفات ومزدلفة وأمكن من الاستغناء عن أكثر من 30000 حافلة. ثم جاء مشروع وقف الملك عبد العزيز للحرمين الشريفين الذي تبلغ مساحته 1.5 مليون متر مربع شاهدًا على حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله على ديمومة الموارد التي تؤمن الإنفاق على الحرمين الشريفين. ويعد الوقف مدينة متكاملة الخدمات من سبعة أبراج سكنية إضافة إلى مجمع تجاري وأسواق مركزية ومنطقة مطاعم. ويحتضن المشروع مباني الوقف للحرمين الشريفين ومركزًا ثقافيًا، بالإضافة إلى مركز خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز لدراسة ومتابعة منازل القمر، ومركز أبحاث علوم الفلك، ومركز رصد فلكي، ومهبطين للطائرات العمودية ومركز طبي ومقر للمؤتمرات. وتتوسطه ساعة مكة المكرمة التي يديرها نظام ذري وهي إضافة حقيقية لمنطقة الحرم والأكبر والأعلى على مستوى العالم حيث يصل ارتفاعها إلى 251 مترًا، والارتفاع الإجمالي للبرج 601 متر.

الحج آمن

ولم يكن قطاع الصحة، بما يمثّله من أهمية بالغة في مكة المكرمة والمدينة المكرمة والمشاعر المقدسة، بأقل حظوة لدى ملوك الدَّوْلة السعوديَّة منذ عهد المؤسس. وكما يقولون: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، ففي عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز فقط ومنذ وتوليه -وفَّقه الله- مقاليد الحكم في البلاد خص الخدمات الصحيَّة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة بقائمة من المنشآت الصحيَّة وأحدث الأجهزة الطّبية والكوادر المؤهلة في مختلف التخصصات.

وشهدت العاصمة المقدسة تنفيذ قائمة من المشروعات الصحيَّة تفوق تكلفتها مليارين و470 مليون ريال وفق تقديرات وزارة الصحة، من هذه المشروعات ما تَمَّ تنفيذه ومنها ما تحت التنفيذ.

أما المدينة المنورة فشهدت مؤخرًا جملة من المشروعات الهادفة إلى الارتقاء بمستوى الخدمات الصحيَّة المقدمة لسكان طيبة الطيبة وزوار المسجد النبوي الشريف، وتأتي في مقدمتها مدينة الملك عبد الله الطّبية، فيما تبلغ تكلفة المشروعات الأخيرة في المدينة المنورة أكثر من مليارين ونصف المليار ريال، مشكلة قفزة نوعية في الخدمات الصحيَّة بالمنطقة.

إن البون بعيد، بين أرقام الأمس، قبيل تأسيس المملكة العربيَّة السعوديَّة، وأرقام اليوم، التي أصبحت بحق مبعث اعتزاز وثقة في قدرة هذه الدَّوْلة وولاة أمرها على الاضطلاع بشؤون الحرمين الشريفين، ليس لدى السعوديين وحسب، بل لدى شعوب الأمة الإسلاميَّة التي تختم وفودها كل موسم حج بشهادات صادقة للمملكة وولاة أمرها برعاية الحرمين الشريفين حق رعايتهما، والقيام على زوارهما على أكمل وجه.

حفظ الله لهذه البلاد قائدها سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني ورجالها المخلصين.

والحمد لله رب العالمين.

 
مقالات أخرى للكاتب