Friday 11/10/2013 Issue 14988 الجمعة 06 ذو الحجة 1434 العدد
11-10-2013

كان يا ما كان.. في قديم الزمان

كان يا ما كان في قديم الزمان ديباجة الملهاة الفريدة والسلوى الوحيدة التي ابتدعها الأولون، وارتبطت بالحكايات الشعبية للجدات اللاتي تميزن بأسلوبهن المحبب.. وطريقتِهن الممتعة في سردِ القصص والحكايات الشعبية والأساطير الخيالية المثيرة المسلية التي لا تخلو في بعض الأحيان من المتناقضات والأحداث غير المترابطة، إلا أنها تؤكد على المعاني الجميلة والقيم الأصيلة.. إلى جانبِ استنباط الحكم والأمثال الشعبية لإيصال المفاهيم والمبادئ المرتكزة على الأخلاق والفضائل الحميدة.

الحكاية الشعبية جزءٌ من تراثٍ شعبي تَشَكْلَ نتيجة تراكماتٍ ثقافية جَسدَ فيها الإنسان الأول طموحاته وأحلامه ومعاناته إلى جانب تفاعله الحيوي مع بيئته الطبيعية والاجتماعية فكان لها دور بارز في بلورة وصياغة هذا الإرث ليُشكل منظومة تأخذ طابع السرد القصصي بلغة بسيطة وحرية متناهية.. فلا رقيبَ ولا قوانين للتخلص من جغرافية المكان أو الزمان.. أما المرجع والمصدر والمكتبة فهن الجدات اللاتي احتفظن في ذاكرتهن بحكاياتٍ وقصص شيقة ومسلية ظلت تُروى للأجيال وينقلها الخلفُ عن السلف رغم ما يشوبها من زيادة أو نقصان أو بسبب انغلاق باب التدوين أمامها رغم انفتاحه لمعظم مكونات الثقافات الأخرى أو بسبب وفاة الجدة الملهمة لهذه الحكايات.. ولعل من طرائف القول في هذا الشأن مقولة للأفريقي (نيلسون مانديلا) يقول فيها: إن فقدانَ عجوزٍ في قارتنا الأفريقية بمثابة إحراقِ مكتبة بأكملها.

الحكاية الشعبية تراثٌ خصب لا تَشْتَرِط مرجعية تاريخية أبطالُها خرافة وأسطورة تنتجهم مخيلة أي شعبٍ من الشعوب وكل شعب يحصد حكاية من فروع أشجاره الشعبية.. فروع تنتمي إلى شجرة سامقة يُغذيها الموروث الشعبي المتشابه في العالم كله ما يعني أن هناك قواسم مشتركة بين شعوب العالم من حيث المضامين التي تتطرق إليها الحكايات الشعبية.. فغالبيتها يدور حول مواقف وقضايا إنسانية كالصراع بين الخير والشر في النفس البشرية.. وصراع الإنسان مع الطبيعة إلى غير ذلك من مضامين تعكس جوانب مختلفة من حياة الشعوب.

هذا الموروث الشعبي الجميل رغم ضياع ونسيان الكثير منه، إلا أن جزءاً يسيراً ظل عالقاً في عمق ذاكرة البعض يستدعيه حينما يحلو السمر ويشتعل الحنين لعبق ذكريات الماضي الجميل.. فكم يخشى على هذا القليل أن يندثر ويطويه النسيان، أليس من الإنصاف أن نحافظ على هويته ونمنع عنها كارثة التيه والضياع والفقد مع مرور الزمن؟ صحيح أن المتخصصين والباحثين في هذا المجال.. لا ينفكون عن المناداة بضرورة التجميع والتوثيق، إلا أن الملاحظ وجود نوع من التأرجح بين حقول المعرفة التي يمكن أن تُنسب إليها الحكايات الشعبية، فتارة يُنادى بأن تكون في دائرة الأدب لتنحو منحى الدراسات الأدبية والنقدية.. وتارة يُنادى بأن تكون في إطار الفلكلور.. وطوراً نجد لها موقعاً في علوم الاجتماع هذا التأرجح الذي يرسم الحالة الزئبقية في تحديد المكان المناسب لانتماء موروث الحكايات الشعبية يكشف حالة ضعف في الاهتمام بتدوين وتوثيق قصص السرد الشعبي، رغم أننا نجد اهتماماً منصباً على التراث المادي كالأزياء والمقتنيات.. وهذا لا اعتراض عليه فكلها مكاسب للشعوب تعكس هويتهم وتراثهم الضارب بجذوره في أعماق التاريخ، وبالمثل قصص السرد الشعبي الذي هو بمثابة خلاصة التجارب من جيل إلى جيل وعصارة ثقافة الشعوب.

وتبقى الثقافة العربية في ظل المنجزات العصرية مقصرة بل عاجزة عن تدوين وتوثيق ما تبقى من هذا الموروث الشعبي الجميل والفاعل والمؤثر، فهل مرد ذلك خللٌ ما في ثقافة التدوين؟.

zakia-hj1@hotmail.com

Twitter @2zakia

 
مقالات أخرى للكاتب