Friday 11/10/2013 Issue 14988 الجمعة 06 ذو الحجة 1434 العدد

العاملون في الحقل الدعوي لتوعية ضيوف الرحمن يعددون:

الأخطاء المتكررة التي يقع فيها بعض الحجاج كل عام

الأخطاء المتكررة التي يقع فيها بعض الحجاج كل عام

الرياض - الجزيرة:

أكد عدد من العاملين في الحقل الدعوي ممن لهم تجربة في التوعية في الحج على ضرورة صبر الداعية على الحجاج، وتفهيمهم أداء المناسك بلين وروية؛ لأنهم جاؤوا من أماكن شتى، وأصحاب ثقافات مختلفة، ومن شرائح تعليمية واجتماعية متباينة.

وقالوا: إن هناك أخطاء تتكرر كل عام مثل تجاوز الميقات، وعدم الإحرام منه، واعتقاد البعض عدم جواز تغيير ملابس الإحرام أو تنظيفها، ولبس القفازين في اليدين والنقاب للمرأة وغيرها، وبيان الأحكام الشرعية للحجاج.

مخالفات قولية وفعلية

بداية يقول الدكتور خالد بن إبراهيم الرومي أستاذ السنة وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وعضو التوعية الإسلامية في الحج: من أجل أن يكون من يريد الحج أو العمرة على بصيرة في دينه فلا بد من الوقوف على الأخطاء التي يقع فيها كثير من الحجاج أو العُمَار، وهي مخالفات قولية أو فعلية، بل قد تكون بدعاً أو شركيات، ومعرفة المخالفات للحذر من الوقوع فيها أو الاستمرار عليها، ويمكن تقسيمها للآتي: أخطاء قبل الدخول في النسك، وأخطاء في الإحرام، وأخطاء في الطواف، وأخطاء في السعي، وأخطاء في عرفة، وأخطاء في مزدلفة، وأخطاء أيام التشريق، وأخطاء عند زيارة المسجد النبوي.

أولاً: أخطاء قبل الدخول في النسك: ومنها أن يكون مراده غير وجه الله - تعالى - من رياء وسمعة ودنيا يصيب بها وغير ذلك، فالحج أسمى من كل ذلك إنما يريد به الموفق وجه الله تعالى.. ومنها أن تكون النفقة من مال محرم من غش وسرقة ورباء ونحو ذلك، فالله طيب لايقبل إلا طيباً. ومنها تأخير الحج أو العمرة مع الاستطاعة، وقد يدرك العبد موت أو هرم أو مرض أو مانع غيره.

ومنها سفر المرأة بدون محرم، وفي الصحيح (لا يحل لمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم).

ثانياً: أخطاء في الإحرام: ومنها تأخير الإحرام عن ميقاته، فالحج والعمرة لهما ميقات مكاني لا يجوز تجاوزه لمن أراد الحج أو العمرة إلا بالإحرام. ومنها تحديد لباس معين للمرأة كالأخضر أو غيره، فإن ذلك لا أصل له. ومنها وضع الطيب على الملابس، فالطيب إنما يكون للرجال على حسب أو ناحية رأسه.

ثالثاً: أخطاء في الطواف: ومنها الابتداء قبل الحجر الأسود أو بعده، والمشروع الابتداء منه والانتهاء إليه، وكذلك المزاحمة والتضييق على الطائفيين، وخصوصاً عند الحجر الأسود لتقبيله واستلامه.. وإذ كان تقبيل الحجر سنة فإن أذية المسلم حرام.. فلا تطبق السنة بارتكاب محرم، ومنها التمسح أو التبرك بجدران الكعبة أو المقام مما لا أصل له، بل قد يقدح في توحيد العبد، ومنها وهو أخطرها دعاء غير الله، والاستغاثة بالمخلوق أيا كان، وهذا شرك بالله تعالى، ومنها التزام دعاء معين لكل شوط، فهذا لا أصل له، بل يدعو بما تيسر، ومنها المزاحمة للصلاة خلف المقام بعـد الطواف وأذية المصلين والطائفيين، مع أن الأمر فيه سعة، ومنها الذكر والدعاء الجماعي، وهذا لا أصل له، ويشغل الطائفيين، ويمنع الخشوع.

رابعاً: أخطاء في السعي: ومنها الابتداء بغير الصفا.. ومنها عدم إكمال السعي بين الصفا والمروة في الذهاب أو الإياب، ومنها الالتزام بدعاء معين في كل شوط، ومنها الاشتغال بالكلام الذي لا ينفع سواءً في الطواف أو السعي، والمشروع ذكر الله، والإكثار من الدعاء.

خامساً: أخطاء في عرفة: ومنها الوقوف خارج عرفة، وهذا من أشد المخالفات، فالحج عرفة، ومن وقف خارجها فلا حج له، ومنها إجهاد النفس بالذهاب إلى الجبل للوقوف، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف)، ومنها تضييع ذلك اليوم بالضحك أو المزاح أو النوم أو غير ذلك، وهو فرصة العمر، خير الدعاء يوم عرفة، ومنها الدفع من عرفة قبل الغروب.

سادساً: أخطاء في المزدلفة وليلتها: ومنها البدء بجمع الحصى، والمشروع الأذان والصلاة للمغرب والعشاء تقديماً أو تأخيراً حسب الوصول، ومنها تأخير صلاة المغرب والعشاء إذا حبسه السير للمزدلفة حتى لو خرج الوقت، ومنها اعتقاد الوقوف عند مسجد المشعر الحرام، والصحيح أن مزدلفة كلها موقف، ومنها ترك الوقوف والمبيت بالمزدلفة مع القدرة على ذلك.

سابعاً: أخطاء أيام التشريق: ومنها اعتقاد البعض وجوب ترتيب أعمال يوم النحر، مع أن الأمر فيه يسر، فلا حرج في تقديم بعضها على بعض، ومنها التوكيل في رمي جمرة العقبة يوم العيد مع الاستطاعة، ومنها ذبح الهدي خارج حدود حرم مكة، ومنها تقديم الذبح قبل طلوع شمس يوم العيد أو تأخيره عند مغيب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق، ومنها مزاحمة الحجاج في الرمي وأذيتهم، ومنها اختيار الحصى الكبار، أو غسلها، والمشروع أن تكون بقدر حبة الحمص أو البندق، ومنها الرمي بغير الحصى كالأحذية وغيرها، ومنها ترك الدعاء بعد الصغرى أو الوسطى، وقد كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم يدعو طويلا بعد الصغرى والوسطى، ومنها الدعاء بعد الكبرى، وهذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها الإخلال في ترتيب الجمار، فيبدأ بالكبرى أو الوسطى، والمشروع الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى، ومنها رمي الشاخص والمقصود وقوع الحصاة في المرمى، ومنها التهاون بواجب المبيت بمنى ليالي التشريق، ومنها الاشتغال بالمباحات، بل بالمحرمات من الغيبة أو النميمة، أو ذم المسلمين، ومنها وقوع الخلاف والنزاع والشجار {فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، ومنها ترك طواف الوداع مع القدرة، ومنها التهاون بالواجبات كالصلاة.

أخطاء في زيارة المسجد النبوي، ومنها اعتقاد وجوب زيارة المسجد النبوي، والصواب أن ذلك مسنون، ومنها قصد الرحال لقبر النبي صلى الله عليه وسلم وفي الصحيح «لا تشد الرحال إلا ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى»، ومنها التمسح بقبر النبي صلى الله عليه وسلم أو الدعاء عنده، وهذا من البدع الفادحة في أصل التوحيد أو كماله، ومنها اعتقاد زيارة أماكن تاريخية كجبل أحد، ومسجد القبلتين، والمساجد السبعة، وغيرها.

والذي يستحب زيارته لمن وصل المدينة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومسجد قباء، ومقبرة البقيع، وشهداء أحد، والدعاء لهم، والسلام عليهم. هذه جملة من المخالفات، وإنما وقعت هذه المخالفات بسبب الجهل بدين الله - تعالى - والإقبال على العبادة دون علم وسؤال لأحد {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}، والعلاج بأن يسعى المسلم للتفقه بدين الله وبالسؤال {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}.

وكذا بنشر برامج التعليم والتوجيه والتوعية عبر وسائل الإعلام المتنوعة، وكذا إمداد الحجاج والعمار بالرسائل والكتيبات النافعة. أسأل الله - تعالى - أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.

أخطاء وتجاوزات

واستعرض الشيخ أحمد بن عبدالكريم الخضير عضو الدعوة والإرشاد وإمام وخطيب جامع المقبل بالرياض أكثر الأخطاء التي تتكرر كل عام، وهي الأكثر شيوعاً بين الحجاج ومنها:

تجاوز الميقات وعدم الإحرام منه، وعلى من تجاوز الميقات، ولم يُحرَم أن يعود إلى الميقات مرةً أخرى ليُحرم منه، أو ذبحُ فديةٍ بمكة المكرمة، وتفريقها على فقراء الحرم، ولا يأكل منها أو يهدي شيئاً، واعتقاد البعض أنه لا يجوز له تغيير ملابس الإحرام أو تنظيفها، ولبس القفازين في اليدين، والانتقاب للمرأة المحرمة، وهذا خطأ يقع فيه كثيرٌ من النساء، والسُنَّة عدم لبسهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، فعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المُحرمة لا تنتقبُ، ولا تلبسُ القُفّازين) «رواه أبو داوود، الحديث رقم 1825، ص 280»، وكذلك المزاحمة والمشاتمة ورفع الصوت، وربما إيذاءُ الغير في المشاعر والمسجد الحرام وعند الخدمات والطرقات، وهذا أمرٌ مخالفٌ للسُنَّة النبوية وتعاليم الدين الحنيف؛ فقد صحَّ عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) «رواه البخاري، الحديث رقم 10، ص 5». إضافة إلى اعتبار الشوط الواحد من الصفا إلى الصفا مرة أخرى، وهذا خطأ مبنيٌ على الجهل؛ لأن عدد الأشواط بذلك يكون أربعة عشر شوطًا، والصحيح أن الشوط في السعي يبدأ بالصفا، وينتهي بالمروة، والاكتفاء بقص بعض الشعرات من أطراف ووسط الرأس، وقد نص العلماء على وجوب الأخذ من شعره كلّه لا من كل شعرَة، والنزول خارج حدود عرفة وعدم تقصي حدودها، وهذا خطأ؛ لأن من وقف خارج حدود عرفة فاته الحج حيث إن الوقوف بعرفة ركنٌ لا يصح الحج بدونه، واستقبال مايسمى جبل الرحمة عند الدعاء، وترك الاتجاه للقبلة، وظن البعض أن الشيطان في مكان الجمرات حتى سُمع لبعضهم لعناً وسباً للشيطان، وكأنه يخاطبه، ورمي الحصى بكفٍ واحدٍ، والواجب رمي كل حصاة على حدة، مع التكبير عند رمي كل حجر، وذبح الهدي غير المجزئ حيث إن للهدي شروطاً لا بُد من توافرها، وزيارة بعض الأماكن التي لم تُشرع زيارتها على سبيل التعبد، وهناك الكثير من المخالفات التي يفعلها بعض الحجاج والمعتمرين لجهلهم.

برامج مرتبة

ويشير الخضير إلى أن من أهم ما يعين على تعليم الجاهل، وتذكير الناسي من الحجاج والمعتمرين وجود البرامج المرتبة والتي تقوم عليها الدولة- وفقها الله-عبر مؤسساتها الحكومية كوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ووزارة الحرس الوطني، والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء وغيرها حيث تقوم بانتداب العلماء والدعاة والمفتين لتبصير الناس بدينهم وتقويم اعوجاجهم، أيضاً بطباعة الكتيبات والمطويات والأشرطة التي تشرح الحج وتفصله تفصيلاً دقيقاً بلغات كثيرة.

وبالنسبة لهذه الأخطاء التي تقع من الحجاج فإنها تتكرر كل عام لتغيّر الحجاج، وهذا من أهم المعوقات التعليمية للحجاج، فما أن تبذل الجهات جهودها في التعليم إلا ويحين الموسم الجديد بحجاج آخرين يحتاجون إلى مزيد من بذل الجهود لتعليمهم، ولكن هذا لن يضيع عند الله، عزوجل.

مسائل كلية وفرعية

ويؤكد الشيخ محمد بن عبد العزيز المطرودي عضو الدعوة والإرشاد بمنطقة نجران أن مسائل الحج من أدق مسائل الشريعة، وليس كلُّ أحدٍ مؤهلا للقول فيها حتى يستكمل ما ينبغي من الفقه والفهم، ومعرفة الضوابط الفقهية،وموارد الأدلة، وإدراك العوارض الأهلية المؤثرة في الفتوى،كالخطأ والجهل والنسيان والضرورة والإكراه ونحو ذلك.

لذا ليس غريباً عبر التاريخ الإسلامي أن نجد حرص الفقهاء والولاة على ألا يفتي في الحج أيُّ أحدٍ،فهناك فرقٌ بين الواعظ والقاص وبين العالم وطالب العلم والفقيه والمجتهد،كما أنَّ المجتهد في بابٍ من العلم لا يفتي في كل باب، وقد فصل ابن القيم ذلك في بيان طبقات المجتهدين بما يعد تحريرا دقيقاً، وبحكم العمل في التوعية سنوات عديدة فهناك مسائلُ كلية وفرعية يكثر السؤال عنها، وغالبا ما تكون متعلقة بالمحظورات والواجبات، وصفة الحج والعمرة بشكل عام. ومجرد السؤال يوحي بحرص المسلمين على أداء النسك على أتم وجه وأكمله، وهذا شيء يبشر بالخير والوعي في الجملة ومن أهم ما لاحظته ما يلي :

أعظم ذلك ما يؤثر في التوحيد ونقائه من البدع والمنكرات العقدية، كالتعلق بغير الله من الأولياء والصالحين، وطلب الغوث منهم، والتبرك بما لا يشرع من الأحجار والأماكن وغير ذلك، وهذا باب مهم حيث إن مدار قبول الأعمال على إخلاص التوحيد لله تعالى.

ومن الأخطاء أن كثيرا من الحجاج لا يتعلم صفة الحج والعمرة إلا في وقتٍ متأخرٍ جداً، وأحياناً في الميقات، أو في الطريق، مما يسببُ له اضطراباً في الفهم، ويقع في أخطاء؛ لأنَّ الوقت القصير يجعله لا يستوعب المسائل كما يجب، كما أنَّ مسائل النية وما يطرأ عليها من تغيير يربك بعض الحجاج؛ كونهم أيضا لا يفرقون بين التلبية والنية، وبين ما يجهر به وما حقه الإسرار !

وكثيراً ما أقفُ مشدوهاً من تساهل الحجاج فيمن يسألونه عن مسائل الحج والعمرة ! فمجرد المظهر الحسن لا يعني التأهل للفتيا، وقد وقفتُ على أشخاصٍ تجرؤوا على الفتيا، وقد عافاهم الله من تحمل تبعات القول بلا علم، وقد سأل رجل محمد بن القاسم عن مسألةٍ فقال: «لا أحسن جوابها» فألحَّ عليه فقال: «لا تنظر إلى حسن لحيتي وعمامتي، والله لا أحسنه».

من المسائل التي يقع فيها أخطاء؛ ما يتعلق بالصَّلاة من جمعٍ وقصرٍ، وما يطرأ من ضرورات كمن يحبسه الزحام، ولا يستطيع النزول لأداء الصلاة، فقد يتركون الصلاة، ويقعون فيما لا ينبغي التهاون فيه.

كما أنَّ مسائل العذر الشرعي للنساء مع ما فيها من سعةٍ ويسر في الشريعة إلا أنَّ بعض الحجاج قد يترك الطواف الركن، ويغادر إلى بلده دون أن ينتظر حتى يتسنى له فعله،أو الطواف مع العذر بمقتضى فتوى عالم معتبر كابن تيمية وغيره من المجتهدين.

كثير من هذه الأخطاء تتكرر؛ لأن أغلب الحجاج لا يكررون الحج، وغالبهم قد تكون حجته الأولى، لذا لو كان هناك برامج مبكرة وتعاون دولي بين الجهات ذات الاختصاص في بيان مسائل الحج والعمرة قبل قدوم الحجاج، والواقع يدل على أنَّ الحاج المسافر تقل رغبته العلمية عن حاله لو كان قارا ومقيما في بلده !

هناك فئامٌ من الحجاج يحيط به التوتر والقلق والعجلة؛ لذا يقع في الأخطاء،والحاج بأمس الحاجة إلى الهدوء والقرار النَّفسي؛فهذه الرحلة المباركة رحلة إصلاح وتهذيب؛وقد تتبعتُ روايات كثيرة في حجته - عليه السلام - فرأيتُ من هدوئه عجباً، فعندما وصل مكة ليلاً بات بذي طوى حتى أصبح، ثم اغتسل، وطاف مرتاحاً يقتدي به الناس، ولما نفر من عرفة كان يردد (أيها الناس ليس البر بالإيضاع) أي السرعة والعجلة ! ومثل ذلك في وقوفه الطويل للدعاء عند الجمرات، وهذا الهدوء لياقة أخلاقية عالية، يدعو إليها الدين والعقل والمنطق.

ونحن في عصرٍ تحكمه التقنية والسرعة، والخطاب الجماهيري أو الشرح المستفيض يحتاج إلى وقتٍ وطول زمان حتى يستوعبه السامع،لذا فمحاولة إيجاد وسائل حديثة تجمع بين الأصالة والمعاصرة أمرٌ بات ملحاً، فما كل الحجاج من المتعلمين أو المثقفين، فأغلب المستفتين من العوام الذين يحتاجون إلى رفق وأناة في الشَّرح والتعليم.

الحج فرصة ثمينة لبيان محكمات الشريعة وأصولها؛ كي تجتمع الأمة عليها، وتصلح أحوالها، فقد كان النبي - عليه السلام - يقول: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) ووقف وقفته المشهورة، وقال: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام) كما في البخاري.

قصور الفهم

ويقول الشيخ عبد الرحمن بن علي العسكر المستشار في وزارة الشؤون الإسلامية عضو التوعية الإسلامية في الحج: لا يمكن أن نحصر ذلك في هذا المقام ما يمكن أن يقع من الحجاج من أخطاء، لكن نتكلم عن الأخطاء التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم أثناء أداء حجة الوداع، فمع أنه صلى الله عليه وسلم نبه عليها، إلا أنها لا زالت تقع من بعض الحجاج كل عام.

أهمها: التعلق بغير الله، فقد روي جابر في صفة حجته صلى الله عليه وسلم: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلَّ بالتوحيد) يعني بالتلبية: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك) ومع أن الحاج بهذه التلبية يقطع علاقته بغير الله - سبحانه - إلا أن بعض تصرفات الحجاج تخالف هذا المقصد، فقصد بعض الأماكن التي لم يرد فيها فضل عن النبي صلى الله عليه وسلم لذاتها، بل والتقاتل عليها، ومنها غار حراء، وجبل عرفات، وغيرها، والتعلق بها أو التبرك، كل ذلك مما ينافي التوحيد الذي أهلَّ الحاج به لهذا البيت، ويخالف مقصد التلبية الذي يردده الحاج في نسكه.

ومن تلك الأخطاء: الغلو في أداء بعض المناسك، واعتقاد أن فعل النسك لايتم إلا بتلك الأفعال، كاعتقاد لزوم تقبيل الحجر الأسود في الطواف في كل شوط، ومزاحمة الناس ومضايقتهم، بل الإضرار بالحاج نفسه، والله لم يأمر الإنسان بقتل نفسه، حتى وإن كان في عبادة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (عليكم من الأعمال ما تطيقون) وقال: (ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، وكذلك الغلو في نوع الحصا الذي ترمى به الجمار يوم العيد وأيام التشريق أو غسله مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بمثل هذه فارموا، وإياكم والغلو)، وكذلك الغلو في رفع الصوت بأذكار الحج من تلبية وتكبير والنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع تلبية الصحابة بصوت مرتفع قال: (اربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائباً).

ومن تلك الأخطاء ما تكون بعد أداء العبادة، ومن أظهرها اعتقاد الحاج في عبادته وتفاخره بها، مع أنه لا يعلم عن قبول الله - عزوجل -، وهذا مزلق خطير من مزالق الشيطان على المسلم، وهو منة العبد على الله بعمله، واعتقاد أن ذلك كاف في دخول الجنة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله) قالوا: ولا أنت، يا رسول الله ؟ قال: (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) فمهما عمل الإنسان من عمل فهو أحوج ما يكون إلى رحمة أرحم الراحمين، سبحانه.

ومن القصور الذي يقع من بعض الحجاج مما له تعلق بالعقيدة ظن الحاج أن مغفرة الذنوب التي وعد الله - عزوجل - بها الحاج، ووعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مضمونه لكل حاج، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط فيها فقال: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، وقال: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، والحاج إنما عليه أن يجتهد في كمال حجه، وعلمه بتمام الحج على وفق ما أراده الله ورسوله لا يعلم بها إلا الله، ولذلك قال الله - سبحانه -: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} فربط عدم الإثم في التعجل وعدمه بمن اتقاه - سبحانه وتعالى -، وكل تلك الأمور التي ربطت بها المغفرة والقبول أمور يجتهد الحاج في فعلها ولا يعلم مدى موافقته لها إلا الله سبحانه وتعالى. وثمة أمور قد يقع فيها الحاج مما تخالف المقصد الأصلي من الحج، وهو إقامة توحيد الله - عزوجل - لا يتسع المقام لذكرها.

بدع وخرافات

ويؤكد د. محمود بن محمد المختار الشنقيطي الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بالمدينة عضو التوعية بالحج أن أخطاء الحجيج ليست بمرتبة واحدة، وقد جعل الله لكل شيء قدرا، ولا بسبب عوامل واحدة، وإن كان العامل الرئيس هو الجهلَ والتفريطَ في تعلم أحكام الدين عموما والمناسك والتفقه فيها خصوصا.

وينبغي أن نضع كل خطأ في حجمه المعقول الشرعي، وفي وضعه الطبعي، ولانتصور المثالية في أكثر من ثلاث مليون حاج في عبادة عُمْرية كالحج. وأخطاء الحجاج غالبها يتكرر، ويؤثر فيه عامل الإقليمية والقرب والبعد من منابع العلم الشرعي.

وقد تكلم العلماءُ والدعاةُ والمفتون والباحثون ـ والحمد لله ـ قديما وحديثا عن أخطاء الحجاج استقلالا في مؤلف مفرد ورسائل، وإلحاقا في دروسهم وفي محاضراتهم وفتاويهم، ويمكن تصنيف أبرز أخطاء الحجاج في مجموعات:

أولا: الأخطاء العقدية، وتقسم إلى قسمين:

(أ)- أخطاء وبدع تتعلق بنواقض الإسلام ومايهدم الدين كله، ومن باب أولى يهدم الحج أو يبطله، ومن أهمها: الحج مع التلبس قبله أو أثناءه بشيء من المعتقدات والمذاهب، التي اتفق العلماء على أنها تنقض وتهدم الدين من أساسه، مثل: من يمارس السحر المكفّر، كمن يدعي معرفة الغيب، والسحر بالنجوم، أو على مذهب من المذاهب التي حكم العلماء بكفرها مثل: مذهب غلاة الباطنية، وغلاة الروافض، وعقيدة البهائية، والدروز، والعلويين، والقاديانية الأحمدية، والبلاليين، أو يكون الحاج عضوا في تنظيم ماسوني أو عَلْماني، أو يصرف شيئا من العبادة القولية كدعاء غير الله، أو فعلية كالاستهزاء، وكالسجود لغير الله تعالى، أو قلبية مثل محبة مخلوق كمحبة الله أو أشد، أو بغض شيء مما شرعه الله، أوفي الربوبية كاعتقاد أن أحدا يعلم الغيب مع الله، أو تشبيه أحد من الخلق بصفات الله، أو ينكر شيئا معلوما من الدين بالضرورة، مثل ما نشر عن إمام مثلي يزوج المثليين معتقدا حل عمل فعل قوم لوط، عليه السلام، أو تَرْكيةً من التَّرْك، كمن يترك تحكيم شريعة الله مع قدرتها على تحكيمها مختارا، ومن يُعْرِض عن تعلم ما يجب عليه من الإيمان والفقه، مع انتفاء عذر الجهل ومع إقامة الحجة عليهم.

(ب)-: أخطاء وبدع عقدية مصاحبة للحج قد لا تدخل ضرورة ًفي المكفرات والنواقض، مثل: زيارة بعض المشاهد (غير المشروعة) في مكة والمدينة مع اعتقاد البركة والنفع وحصول الأجر في زيارتها، والتمسح بها وكتابة الأسماء عليها.

ثانيا: أخطاء فقهية نتيجة التفريط من الحاج في الاحتياط في أركان وواجبات الحج: مثل: عدم التأكد من الوقوف في داخل حدود عرفة أو مزدلفة حتى يفوته الوقوف، أو مجاوزة الميقات بدون إحرام وبدون سؤال عن الحكم.

ثالثا: أخطاء تتعلق بمفاهيم خاطئة عند بعض الحجاج مثل: تخصيص لبس معين للإحرام، أو لون محدد للنساء في الإحرام، واتخاذ مطوفين أو مدعّين بكتيبات الأدعية.

رابعاً: أخطاء بسبب فهمٍ مغلوط في النصوص أو أقوال العلماء: مثل: فهم التعجل في يومين أن يوم النحر منهما، وأن الرجم يقع على الشيطان نفسه.

خامساً: أخطاء بسبب التفريط في تعلم المنهيات في النسك: مثل: لبس المرأة قفازات اليدين، والنقاب وعقد النكاح للمحرم وغيرها من محظورات الإحرام.

سادساً: أخطاء بسبب تقليد غيره في النسك: الطواف من داخل الحجر، فيُدخل جزءا من الكعبة، ولا يصدق عليه أنه طاف بالبيت كاملا، وتقبيل الركن اليماني ومقام إبراهيم، والوقوف بمحاذاة الحجر الأسود للتكبير، و الاضطباع في غير الأشواط الثلاثة الأولى في طواف القدوم.

سابعاً: عدم فهم مواضع السعة في المناسك مثل: جواز صلاة ركعتي الطواف في أي مكان من المسجد، ولا تجب خلف المقام فيتزاحمون لأجل إيقاع الركعتين كما هو السنة دون مراعاة للضرر الحاصل عليهم وعلى غيرهم من الزحام، وجواز تأخير طواف الإفاضة مع الوداع ليندرج فيه، وعدم اشتراط الوضوء في السعي.

ثامناً: أخطاء نتيجة قول مُفتى به مرجوح أو شاذ، أو ليست عليه الفتوى، مثل الرمي: قبل الزوال، ووجوب التمتع، وفسخ القران، والإفراد إلى التمتع، وترك المريض لطواف الوداع قياسا على الحائض.

تاسعاً: أخطاء فقهية مشهورة عند العامة وربما حسنها لهم بعض العلماء، وغالبها من البدع الإضافية كالقص بأخذ ثلاث شعرات دون تعميم الرأس في التحلل، وكالتلبية الجماعية.

عاشراً: أخطاء هي من المعاصى والآثام والفسق في الحج أو الرفث: كسماع الأغاني، وإطلاق البصر في الشهوات المحرمة، والتدخين، وأذية المسلمين، وأكل أموالهم بغير حق.

معالجة الأخطاء

ويمكن معالجة أخطاء الحجيج - والكلام لـ د. الشنقيطي - وفق منظومة متكاملة في الأمور التالية: عقد دورات علمية مكثفة قبل الحج، تقدم للحاج في بلده تقدمها الجهات المسؤولة، عنه ويمكن لمكاتب الدعوة والملحقيات الدينية في السفارات، يمكن الاستفادة من إمكاناتها ودعاتها والتنسيق معها، ويجتهد الحاج نفسُه في التفقه في أحكام المناسك بقراءة كتاب فيها قبل التلبس بالنسك، وبث البرامج المختصرة عن أخطاء الحاج بشكل أوسع، والتوسع في نشرها، لتغطى أكبر شريحة ممكنة من الحجاج، وتبنى نشر رسائل في موضوع أخطاء الحجاج بلغات متنوعة، وتضمين موضوع التنبيه على أخطاء الحجاج في مناشط دعاة التوعية في الحج، مثل: المحاضرات والكلمات وأثناء الفتاوى الحجاج، والبرامج الإذاعية والمتلفزة، وكذلك تبنى الجهات المشرفة على أعمال الحج كالتوعية ومعهد خادم الحرمين الشريفين بجامعة أم القرى، تبنيهم دورات توعية للعاملين في قطاعات الحج المباشرين لأعمال الحجاج مثل القطاعات الصحية والعسكرية وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ليقوموا بتنبيه الحجاج على هذه الأخطاء، والتعاون معهم وتلافي الإجراءات التي يمكن أن توقع الحجاج في هذه الأخطاء.