Friday 11/10/2013 Issue 14988 الجمعة 06 ذو الحجة 1434 العدد
11-10-2013

سوء الظن ذلك الخلق الذميم!

كان يسيء الظن في كل من حوله، وإمامه في هذا (مثلٌ) سقيم مضمونه: إن سوء الظن من حسن الفطن! وكان يبذل جهداً كبيراً وينفق وقتاً عظيماً على البحث عن المحامل السيئة ومحاولة التفسير السيء لهمسات الناس وكلماتهم وتصرفاتهم! وقد أحال حياته وحياة من حوله إلى جحيم مقيم؛ وكانت النتيجة مع سوء الظن، قلوباً تحقد.. وأوقات تضيع.. وصداقات تحطم.. وحسنات تهدر.. وأرحاماً تقطع.. وأعراضاً تنهش.. وجمالاً يشوه! وخسر المسكين بسوء ظنه الانتفاع بمن ظنه ضاراً والاهتداء بمن ظنه ضالاً، وفاته تحصيل العلم ممن ظنه جاهلاً!

سيء الظن شخص تبرأت منه المروءة، وسدت عليه طرق الكرم، حياته نيل من الأعراض وتتبع الهفوات وتنقيب عن الأخطاء، قذف بالغيب ورجم بالظن واتباع للتخيلات! سمج المنطق ثقيل الروح، سقيم الذوق، يحكم بالشر ويقطع بالسوء بأسرع من ارتداد الطرف ومن لمح البصر ولمع البرق! لا يتورع عن نشر الشائعات وإلصاق التهم ولا يتردد عن تفسير كل موقف بحسب ما يراه بل وتجده يعمد لشق القلوب وإلزام ما لا يلزم، ولا شك أن هذا سيدفعه للفضول والتجسس! وما أروع وصف الشاعر لهم بقوله:

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا

مني وما سمعوا من صالح دفنوا!

صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به

وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا!

ومن أسباب سوء الظن أن يكون لصاحبه تجارب (محدودة) سلبية يأخذها كحالة عامة، وربما كانت شخصيته تئن من الجروح الداخلية التي لم يعالجها؛ فكانت آثارها المدمرة التي تمثلت في إساءة الظن فيمن حوله، والمعتاد على سوء الظن غالباً ما تكون صورة (الذات) لديه متدنية جداً، يقول الشاعر تي اليوت: (نصف الأذى الذي يحدث في العالم من أشخاص يريدون أن يشعروا بالأهمية) وهو شخص لديه منظومة شاملة سيئة التصور عن الكل فالحياة ألم والزواج سجن والأولاد شقاء والعمل رق! لذا لا غرابة إن أساءوا الظن حتى في أنفسهم! وسيء الظن في الغالب صاحب سلوكيات (سيئة) جعلته يعتقد أن الكل مثله!

إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ

وَصَدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ.!

وقد علمنا الحبيب صلى الله عليه وسلم كيف نحسن الظن في المسلمين كما في موقف حاطب، فبالرغم من خطورة ما فعل فقد أحسن الظن به وعفى عنه وقال، لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ} وعندما نال بعض الصحابة من ذلك الشخص الذي جُلد على الخمر قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَلْعَنُوهُ، فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ) ولقد كانت حادثة الإفك درساً كبيراً لكل من يقدم سوء الظن على حسن الظن. وللأسف فقد صرنا نرى اليوم أقواماً يرون في إلصاق التهم دليلاً على الفطنة والذكاء!

وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه أخ يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني!، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير!، وقال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه، وقال الغزالي عن حسن الظن في كتاب الإحياء: فكما يجب عليك السكوت بلسانك عن مساوئ أخيك، يجب عليك السكوت بقلبك وذلك بترك إساءة الظن به، فسوء الظن غيبة بالقلب فلا تحمل فعله على وجه فاسد ما أمكنك أن تحمله على وجه حسن!

وحتى النمل يقدم درساً مجانياً لهؤلاء الذين يداهمون النوايا ويخترقون القلوب ويتهمون الضمائر وقد امتهنوا سوء الظن والقذف بالغيب وقد أتى هذا المعنى الجميل في قول نملة سليمان في موقف وادي النمل: {وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} فقد أكملت ما جاء قبله لرفع التوهم وهو ما يسمى عند أهل البلاغة (الاحتراس) وذلك من نسبة الطغيان والظلم لنبي الله سليمان.

وسأتناول بإذن الله في المقال القادم خطوات عملية للتخلص من سوء الظن فكن معي.

ومضة قلم:

من العظماء من يشعر المرء بحضرته أنه صغير ولكن العظيم بحق هو من يُشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء.

khalid1020@gmail.com

 
مقالات أخرى للكاتب