Saturday 12/10/2013 Issue 14989 السبت 07 ذو الحجة 1434 العدد
12-10-2013

حول محور الأندية الأدبية وانتخاباتها

عاتبني بعضُ الأحبة من المتابعين، برسائل إلكترونية وهاتفية، حول رأيي المنشور ضمن تحقيق أعده الأستاذ فتح الرحمن يوسف من صحيفة الشرق الأوسط عنوانه (انتخابات الأندية الأدبيَّة.. نجحت العملية ومات المريض)!

التحقيق نشر في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ السبت 5 أكتوبر 2013 وقد رأى المحرر أن يأخذ العنوان من كلامي حين قلتُ له: (حال الانتخابات في الأندية الأدبيَّة تجسدها مقولة: نجحت العملية وتوفي المريض؛ وأعني أن الانتخابات نجحت كون أنها جاءت بمن صوتت له الأغلبية، ولكن كانت النتيجة فوز عدد ممن ليست لهم أيّ علاقة بالأدب والإبداع..) وهذا الكلام واضح، وإن كان يحتاج مزيدًا من إيضاح فهو يكمن حول الهالة التي نرى (بعض) رؤساء وأعضاء مجالس إدارات الأندية الأدبيَّة يحيطون أنفسهم بها، متقمصين أدوارًا ليست لهم، باعتقادهم أنهّم قد تربعوا على عروش الأدب، وأنّهم قد استحقوا - عن جدارة تكرّسها أصوات الناخبين لهم!- التكريمَ الأدبيَّ في كلِّ مناسبة، فقط بجلوسهم على الكراسيِّ المخصصة لإدارات الأندية الأدبيَّة!

أما ما أودُّ إيضاحه هنا، وهو ما عاتبني عليه بعض المتابعين، فهو في قولي: (الأديب الحقيقي في العادة تجده بعيدًا عن المؤسسات الثقافية.. وأصبحت الأندية الأدبيَّة تمثِّل مكانًا فقط للبراعم من المبدعين وأصحاب الخواطر، غير أنها لا تضيف شيئًا للمبدع الناضج..)

هنا لا بد أن أشير إلى أن الأستاذ المحرر فتح الرحمن يوسف، وهو صحفي عربي نشيط وكثيرًا ما يهاتفني ويراسلني وقد أجرى معي أكثر من حوار وأخذ مني أكثر من رأي وتصريح في محاور مُتعدِّدة كانت في غاية الاحترافية الصحفية والاتقان، وكان آخرها هذا المحور الذي أعطيته رأيي فيه حين اتصل بي هاتفيًّا وكنتُ أقود سيارتي وسط زحام الرياض (!) فصحيح أن ما قلته - على عجَل - كنتُ أعنيه كلّّه، ولكنه ليس كل ما كنتُ أعنيه (!) فهنا حدث اللبس الذي يحتم على الإيضاح في هذه المقالة المستقلة، لأن ذلك التحقيق قد استكمل على ذلك النحو وبدا لا بأس به..

أقول: بقولي إن الأديب الحقيقي تجده بعيدًا عن المؤسسات الثقافية، لم أقصد به أن يكون بعيدًا عن فعالياتها وأنشطتها، كما فهم بعضُ الأحبة ممن عاتبوني وراحوا يعدّدون لي كم مرة شاركتُ بأمسية شعرية وكم مرة أصدرت ديوانًا شعريًّا عبر الأندية الأدبيَّة (!) الواقع أنني استحق العتاب واللوم أيْضًا أن كان قصدي الابتعاد عن كل ذلك وأنا غير مبتعد (!) ولكن المقصود من كلامي محور التحقيق (الانتخابات والفوز بالمناصب الإدارية في مجالس تلك الأندية) وهذا ما أنا مبتعد عنه منذ الأزل، وسأظل مبتعدًا ما حييت، لأنّه (مبدأ) عندي يمثِّل قناعة تامة كثيرًا ما أرددها وأطالب الآخرين بها..

فالأديب الحقيقيّ مكانه مفتوح على الطّبيعة كلّّها، يَرَى ويلمس ويعيش الدنيا بطبيعته التي أرادها الله أن تكون خلاّقة ومنتجة للأدب الناجم عن ذاتٍ يسكنها الإبداع، وله أن يأتي في المكان المهيأ له ليطرح بعض أدبه على الحضور، أو يقدم نتاجه إلى المتلقين، أما تهيئة المكان واستقطاب الأدباء فهو عمل مجالس إدارات الأندية الأدبيَّة وهو دورٌ يحتاج إلى إداريين أكفاء أكثر من حاجته إلى أدباء..!

ومن ناحية أن الأندية الأدبيَّة مكانٌ مناسبٌ للبراعم والموهوبين وأصحاب الخواطر، فهو كذلك تمامًا حين نأخذ المعنى المقصود: هذه الأندية الأدبيَّة لم توجد إلا من أجل الأجيال الجديدة التي تتلمس طريق الأدب وتبحث عمّن يصوّب لها أخطاءها ويقوّم لها انحرافاتها، ففي أول تأسيس للأندية رسم الأدباء الكبارُ الخطوطَ العريضة لمسارات الأندية ورحلوا، فالواجب الآن أن ننظر إلى الهدف منها لا أن نتتبع آليات التأسيس بعد أن أصبح الحلم واقعًا على الأرض. فاللائق بهذه الأندية الأدبيَّة الآن أن يديرها إداريون محترفون في تنظيم اللقاءات والفعاليات والأنشطة والدورات وطباعة الكتب ونشرها وتوزيعها وتسويقها وما إلى ذلك من أدوار تقدم خدمات مزدوجة، فهي من جهة تأخذ من الأدباء المرموقين أوقاتهم وأعمالهم وتنظم لهم الحضور المناسب، ومن جهة تستقطب الأجيال الجديدة وتفتح أمامهم نوافذ وأبوابًا للدخول في فضاءات الأدب وملاقاة رموزه الحيّة..

هذا ما أردتُ قوله بتلك العبارات المقتضبة التي تضمنها التحقيق، وقد لفتت نظري الصورة المنشورة معه، فهي لعدد كبير جدًا من البشر وكتب تحتها (أعضاء جمعية عمومية لأحد الأندية الأدبيَّة).. يا إلهي! كل هؤلاء أعضاء في أحد الأندية الأدبيَّة؟ إنهَّم أكثر عددًا من أعضاء الجمعيات العمومية لكبريات الشركات العالميَّة المساهمة (!) لماذا إذا لم نر أيّ حلٍّ للبؤس الحاصل لدينا في توزيع الكتب الأدبيَّة وتسويقها؟ هل يصعب على الأندية الأدبيَّة، بعد استقطابها لهذه الإعداد الهائلة من المواطنين ليكونوا أعضاء في جمعياتها العمومية أن تنشئ مكتبات تجاريَّة - غير ربحية، أو مدعومة من ميزانياتها - تتولى عرض إصداراتها بشكل دائم ومتاح للجميع؟ وقبل ذلك، هل يصعب عليها إنشاء مطابع خاصة بها ترحم الأدب والأدباء من ابتزاز المطابع التجاريَّة التي ترغمهم على طباعة كميات هائلة تتكدس في المستودعات بحجة أنّه كُلّما ازداد عدد النسخ انخفض سعر الطباعة!

في مصر، وفي عهد الرئيس مبارك، قامت زوجته السيدة سوزان بمشروع (القراءة للجميع) وقد كان مشروعًا يستحقُّ التقدير فعلاً، بغضّ النظر عمَّا يلاحقه الآن؛ كما أن في مصر أكثر من مطبعة رسمية تتولى أمر الكتب الثقافية والأدبيَّة، مثل مطابع قصور الثقافة ومطابع الهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب وغيرهما، فهل نعجز نحن عن مثل ذلك وننجح فقط في تكثيف إعداد العضويات؟!

أشياء كثيرة أراها لن تتحقق إلا بإدارة متمرّسة في الفن الإداريّ، وهذا ليس عمل الأديب إن أردنا الحقيقة، وإن أردنا غير ذلك فأنا متأسفٌ لكل شيء..

أما عن العودة إلى تعيين مجالس إدارات الأندية الأدبيَّة، إن كان قد فُهم من كلامي أنني أنادي به بديلاً عن تكرار الانتخابات، فهو برأيي لن يكون على الوجه المأمول إلا بروافد من مراكز بحوث أنادي بإنشائها دائمًا، لتقوم بأكثر من مهمة في الشأن الثقافيّ والأدبيّ والإبداعيّ وتخدم وزارة الثقافة والإعلام بكافة إداراتها والكيانات التابعة لها من حيث الرصد للمشهد الثقافيّ بعامة (كما أوضحت في مقالة سابقة بعنوان: سلاح الردع الثقافي - الجزيرة الثقافية 28 سبتمبر 2013) ومن ثمَّ التقييم المحايد للمنجزات وأثرها المعترف به محليًّا ودوليًّا بصورة تشكّل اعتزازًا وإنصافًا لنا جميعًا؛ حتَّى لا تذهب الاستحقاقات لغير أهلها، ولا يصيب الإحباط من يستحقُّ التكريم، ولا يهمّش من ينجز أدبًا شاهدًا على العصر من أجل أن يبرز من هو عالة على الأدب وعلّة في المرحلة (!) من كل ذلك يتضح أن الأمور قد تسير بالتعيين المنطقيّ أفضل من سيرها بالانتخابات المناطقية، والاحتكام إلى الشروط أفضل من الاحتكام إلى الأصوات.. فهل يعرف أحد ما معيار التصويت في الانتخابات؟ هل هو أدب الأديب أم إدارة الإداريّ؟ أم هو أدب الإداريّ وإدارةُ الأديب..؟؟

إنها الفئوية والجهوية والشللية والقبلية، لا أقل ولا أكثر!

بينما الهدف الأكثر جدوى وسموًّا أدبيًّا - برأيي - يتحقَّق دائمًا حين يُترك الأدباء هائمين في فضاءاتهم الإبداعية، ينجزون ويحضرون ويهاجرون ويعودون بالدهشة التي تحسب لمواطنهم ومساقط رؤوسهم في نهايات المطاف.. (وأعرف أن ذلك غير وارد الآن، فهو ضدُّ منفعة الأغلبية الغالبة.. وقد ينقلبُ ضدّي وحدي)!

ffnff69@hotmail.com

الرياض

 
مقالات أخرى للكاتب