Saturday 12/10/2013 Issue 14989 السبت 07 ذو الحجة 1434 العدد
سعد البواردي

سعد البواردي

استراحة داخل صومعة الفكر

12-10-2013

الحصاد

الحصاد

عبدالرحمن بن إبراهيم الحقيل

350 صفحة من القطع المتوسط

عنوان بقرائية يتبادل إلى الزمن حصاد الحقل بسنابله وما جاء به من ثمر.. والنخل بما فاء به من تمر. وأيضاً العقل بما أفاض به من تمر.. كلها حقل متعدد المعطيات والمحاصيل.. منها ما يحتاجه الجسد.. ومنها ما يثري الحياة بزاء إنساني هي في أمس الحاجة إليه.. وشاعرنا الراحل الحقيل اختاره زاءا شعريا بأطباقه المختلفة كي نطعمه ونستزيد من مذاق حلوا أو مرا. لأنه حصيلة حقل حياتي تتداخل فيه كل الألوان القزحية.. ما نستطيبها.. وما لا نستطيب!

ديوان بهذا الحجم لا بد وأن نختار من أطباقه ما يسمح لنا سويا بتناوله دون ارباك في محاولة أن نستوعب مائدة طعامه الشعري طبقا طبقا.. بداية مع ثمرة أحلامه:

جدلي شعرك في أخت القمر

وانثري العطر وجودي ب النظر

ولندع أحلامنا في مهدها

ضاعت الأحلام في دنيا السمر

فعريف الجن في كتاباتنا

كعريف الناي أو صوت الوتر

جميل عريف جن شاعرنا.. أنه يعزف على الناي، ويوقع على الوتر لا أحد يخافه لأنه يستلهم الحانه من رمال كثبان وطنه!

ومن وقع معزوفة الجن إلى رنة الخلاخيل كلها ألحان، منها الندى ومنها الشجي:

العين تدمع والآمال محرقة

والناي في عزفه يشكو التفاعيلا

وزامر الحي في انغامه شجن

يكفيه ما فيه لا يحتاج تعليلا

يغدو ويمسي على ليلاه في هلع

انغام ليلاه قد صارت خلاخيلا

فعاش الأمة ينعى مزامره

إن لم يكن لحنه طيرا ابابيلاً

لأنه ابني الحي ولأن زامر الحمي لا يطرق خلق مشدوه.. اختار شجوه قويا يهد أركان التجاهل بمنقار ناري لا يبقى ولا يذر..

حتى البسمة ابت أن تنفرج لها أسارير قلبه.. كانت جامدة كالصخر جاحدة شاحبة كوجه الخريف:

بسمة انت، ولكن

ليس للبسمة معنى

فحياة كممات

هي في الواقع أدنى

أن فرحنا أو طربنا

أو هددناك الممغني

سوف نبكي ثم نبكي

فالجرح ادمى واضنى

خرج شاعرنا من سوداويته.. ابصر طيفاً جميلا يتراقص أمام عينيه.. اشتاق إليه كاشتياقه لسر وجوده:

أنا هدة الصبر فيك الرجاء

وفيك الشفاء وفيض الألم

وفيك رؤى شاعر حالم

يعيش الحياة بروح القيم

لماذا كل هذا الرجاء والشقاء والألم والرؤى الشاعرية الحالمة؟ ومن أجل ماذا؟

فكوني كما أنت ترنيمة

لسر الوجود بأحلى نغم

أخذتنا الأنغام معه حيث نسير.. منها ما يسر.. ومنها ما يسوم.. لا أدري إلى أين ينتهي خط السير عبر جادة الآلام؟

من الإيقاع إلى الواقع.. بين الماضي والحاضر ماذا قال راحلنا عن اصالة الماضي ومعاصرة الحاضرة؟

أمتي أمة الفخار ولكن!

عصرنا عص ذرة وفضاء

عقمت أمة تعيش بماض

دونما حاضر.. ودون عناء

فبعض دحاضر مشرئب

يغمر الكون بالسنها والضياء

مسنهز الوجود حقاً ولكن

بتفاك دهمة واخاء

يريد ان يقول لنا جميعا من لا ماضي لا حضار.. ومن حاضر له مشدود إلى ماضيه لا تاريخ له يريدان أن يقول لنا كما انجز آباؤنا تاريخهم الحافل بالإنجازات لا بد وأن نضيف إلى إنجازاته إنجازات علمية وحضارية تسابق الزمن ولا تتخلف عنه..

يريد أن يذكرنا بصوت مسموع مقولة شاعرنا العربي القديم:

نبني كما يبني أوائلنا

ونفعل فوق ما فعلا..

كي نشرف بشهادة التاريخ لمن سيأيت بعدنا تذكر عصر الطفولة ببراءته فطريته بسجيته.. بأحاجيه.. بل وبشيفته التي كانوا يردعنا ونحن صغار بها: عن الشيفة قال:

تردع الصغار. ترعب الكبار

على التلاع في الوديان في الشجر

تعانق الجبال وتنقلب إلى لهب إلى إعصار

جدته حدثته عنها قائلة:

رأيتها فيما مضى من الزمان

تنام في الوجار وترسل الأشعار

لتطرب السماء في السحر

يا ليتها تعود قرب كوخنا

تراقص العمود في ليلنا الطويل

تسترسل جدته في وصفها للشيفة الأليمة التي كانت مصدر اعجاب للعجائز دون خشية

ومن لهيب شعرها الوفير

تشعل الموقد المهمور

وتطفئ السراج حتى نفيق..

هذا في الليل وقد اطبق الظلام والسكون.. ونامت العيون.. وفي لنهر بعد أن يستيقظ الصغار يرفضون.. وفي الشتاء ينصت السماء إلى شيفتهم وهي ترجع:

انشودة الحانها.. انغامها

شيء جميل..

هكذا تحدث شاعرنا عن شيفة جدته.. أما شيفتنا نحن فإن فراصنا ترتعد لمجرد سماع اسمها.. ناهيك عن رؤيتها.. أو مجرد سماع صوتها.. لأننا ولدنا بهاجس الخوف حتى اللحظة..

التراث.ز عنوان له ما بعده:

اعصفي يا رياح فوق تلك البطاح

غاب نجم الصباح ما له من نبيل

أن هذا الجحود لتراث الجدود

قد ازاع السدود لعدد دخيل

صوت استنهاض أن لا نتخلى عن ثوابتنا.. عن ارثنا التراثي.. عن توحدنا وتوحيدنا في زمن تتكالب عليه فيه قوى الشر:

لتعود المياه في مسار الحياة

فصمود الإعادة رمزنا كل جيد..

هذا ما نتمناه أن نكون أقوياء يحترمنا الأقوياء..

لكل شاعر غربة تضيفه وتؤرقه:

في غربتي عيش في عالم كبير

وعالم صغير يلفه الضباب

قلب شاعرنا يحترق عينه شاخصة ترغب الطريق في خشية وحذر.. افيعقدان لا يبصر القبح:

انشودتي أمنيتي أن لا أرى غير الجمال

وردته رمز جماله ذابلة يخشى عليها زخات المطر كي لا تعيش.. وفي المساء يبقى وحيداً دون نوم

وجوقة من الكلاب ترمقني على الطريق.

لأن لا غيره يراقب الطريق الموحش.. متى ينام؟ ربما بعد أن يصحو النيام..

إليها.. خوفا عليها من همس الوشاة:

كيف انساكم وقلبي معكم

أن هذا القول أدى اضلعي

فزني الطق ولا تلقي به

هكذا دون تردي تسلمي

وابنذي قول أناس همهم

أن يدسوا السم في السمن النقي

لا ينال الشك منا موضعاً

انت حبي. وحياتي ودمي

هكذا وبصوت حازم جازم باح لها بما لا يرقى إليه الشك.. ولا صوت العاذلين.. وما أكثرهم في حياتنا الذي لا يرضيهم العجب ولا الصيام في رجب.

شاعرنا انتصر للزمن الذي نعلق على شماعته كل أوضارنا.. واخطائنا دفاعاً عنه:

ظلموك يا زمن.. يا صامتاً لا من..

يا صابراً على المحن

قالوا رديء: قالوا خؤون

لم ينصفوا.. لو انصفوا لما رموك بالوهن

غذوا منك مشجباً. وقيل افعال الزمن

انت بريء.. وأن هجاك سابقا أو لاحقاً

فالعيب فينا من زمن..

ذكرتني شكواه ودفاعه عن الزمن بشكوى شاعرنا القديم الذي قال:

نعيب زماننا والعيب فينا

وما لزماننا عيب سوانا

وقد نهو الزمان بغير جرم

ولو نطق الزمان بنا هجانا

قد التصنع والترائي

ويأكل بعضنا بعضا عيانا

وعن الكون والحياة جاءت قصيدته الجميلة:

اجتزئ منها هذه الأبيات:

فلا الأفق يحضن بيت الطيور

ولا النحل يلثم الزهور

ولا الشمس تشرق بعد المغيب

ولا البدر يبدو بعيد السحر

ولا البحر تقوى على قهره

جزراً ومداً بكل الصور

هو الفكر يرنو إلى شاطئيه

فيثري الوجود بشتى الفكر

فمهما تعثر في سيره

فلا بد لابد بالمختصر

البيت الأول بين قوسين استعارة من قصيدة إرادة الحياة لأبي القاسم الشيباني.. ما اعطاه لنا شعر مجرد مسلمات لا دخل لكائن حي فيها إنها آيات من آيات الله جل شأنه.. ويكمل قصيدته:

ونحن على الأرض من كوننا

نعيش الحياة بحكم القدر

فنثري الوجود بأفكارنا

حتى ما أردنا حياة البشر

نعم. للإنسان دوره في الحفاظ على حياته بمقدراته وبإنجازاته العلمية التي لا تصطدم مع طبيعة الكون.. ونقائه.. وبقائه.. بعيداً عن عوامل ال؟؟؟ وكوارث الحروب بأسلحتها المحرمة دولياً.. هذا لو تملك الإنسان عقله وحافظه على سلامة كوكبه الأرضي.

أخيراً تحدث شاعرنا الراحل عبدالرحمن بن إبراهيم الحقيل في ديوانه (الحصاد) تحدث عن السراب البقيعة الذي يحسبه الإنسان ماء وما هو بماء.. تحدث عن مشتقاته.. ومثيلاته.. وما هو في حكم المحال:

أنت كالناسج بردا

من خيوط العنبكوت

أو كمن يطلب درا

غائباًُ في جوف حوت

انت من يحرث بحرا

حرثه من أجل قوته

أو كما اللاهث ركضا

يريد أن يقول لمن يطلب المستحيل.. لمن يحلم بما لا يقوى الحصول عليه لأنه فوق طاقته وقدرته.. يريد أن يقول له ما قاله الشاعر:

ما كل ما يتمنى المرء يدركه

تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

يريد أن يقول له:

قف تمهل يا رفيقي

قل لأحلامك موتي

حسنا لو أنه قال:

قل لأوهامك موتي.

هذا ما أمكن المرور عليه في رحلتنا مع شاعرنا الحقيل في حلقتها الأولى من خلال متابعتنا معاً لديوان (الحصاد) حيث الحقل المنبتة بكل ما فيه من اشواق وأشواك.. وتأملات.. وذكريات.. وإلى لقاء متجدد مع حلقته الثانية إن شاء الله.

الرياض ص.ب 231185 - الرمز 11321 - فاكس: 2053338

 
مقالات أخرى للكاتب