Wednesday 16/10/2013 Issue 14993 الاربعاء 11 ذو الحجة 1434 العدد
16-10-2013

فتنة التكفير!

حين يبين سماحة مفتي عام المملكة، -الشيخ- عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، بأن خطر منهج التكفير، وما يجره من الاعتداء على الأنفس المعصومة، إنما نشأ على الشبه، والتأويلات الباطلة؛ استباحة للدماء،

وانتهاكا للأعراض، وسلباً للأموال الخاصة، والعامة، وتفجيراً للمساكن، والمركبات، وتخريباً للمنشآت، فهذا دليل على أن الركض في ميدان التكفير، دون علم متين من أصول، وضوابط في هذا الباب العظيم، هو منهج خطير، لا يجوز لأحد الإقدام عليه إلا ببرهان واضح، ودليل قاطع في دلالته، لا يقبل التأويل. إذ لا يجوز إطلاق أحكام التكفير جزافا، بل وفق ضوابط، وقواعد شرعية.

كتبت مرة، بأن قضية التكفير قضية سياسية شرعية، تعالج بطريقة شرعية علمية منهجية، فهي مضبوطة بضوابط أصول العلم، وقواعده، يمارسها ولاة الأمر بنص القرآن، والسنة.

باعتبار أن التكفير أمر قضائي، موجود على مدار التاريخ الإسلامي، وليس موكولاً لآحاد الناس، وهذا هو موقف السواد الأعظم من المسلمين.

وهي قضية مهمة، وحساسة، أي: التكفير، إذ يجب الاحتياط فيه من خلال كمال التثبت به، وضرورة التريث فيه إلى أقصى مدى؛ لحرمة دم المسلم، وعصمته.

فالأصل في المسلم براءة الذمة، والاعتداء عليه بتكفيره، هو من أعظم ما توعد الله فاعله بوعيده.

-ولذا- فإن الاعتدال في قضية التكفير أمر واجب، ولا يكون ذلك إلا بالالتزام بالضوابط الشرعية، والاقتصار على الحالات التي تتوافر فيها شروط التكفير، وأسبابه، وانتفاء موانعه، دون الاعتماد على تأويلات تعسفية، وروايات ضعيفة، وفتاوى عاطفية، ومواقف نفسية تحكمها اعتبارات عديدة، كالظروف السياسية على سبيل المثال.

إن تكفير المعين، وتفسيقه عند أهل السنة، والجماعة، مبني على أمرين مهمين، أحدهما: دلالة الكتاب، والسنة على أن هذا القول، أو الفعل موجب للكفر، أو الفسق.

والآخر: انطباق هذا الحكم على القائل المعين، أو الفاعل المعين، بحيث تتم شروط التكفير، أو التفسيق في حقه، وتنتفي الموانع، كأن يكون المعين بالغاً عاقلاً، وأن يقع منه الكفر على وجه القصد، والاختيار، وأن تبلغه الحجة التي يكفر بخلافها، وأن لا يكون متأولاً.

وأما موانع التكفير بناء على مدلولات النصوص الشرعية، وما قرره العلماء المحققون لمذهب أهل السنة، والجماعة، فهي أن يكره على المكفر، وأن يغلق عليه فكره، وقصده، وأن يكون له شبهة تأويل في المكفر.

نهاية المقال في تكملة غاية الآمال، تقتضي ضرورة التأكيد على نشر العلم الشرعي في الاستدلال، والاستنباط، والانفتاحية في الخطاب الدعوي على الآخر، وإحياء دور العلماء ممن يتحلون بسعة العلم، واطلاعهم على أحكام الإسلام بشمولية، وسعة الأفق، والتيسير، ورفع الحرج؛ لفهم الإسلام فهماً صحيحاً، كما بلغه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ربه، وفهمه سلف الأمة من أصحاب القرون المفضلة.

drsasq@gmail.com

باحث في السياسة الشرعية

 
مقالات أخرى للكاتب