Wednesday 16/10/2013 Issue 14993 الاربعاء 11 ذو الحجة 1434 العدد
16-10-2013

حجاب الجهل .. التقوقع الاجتماعي كمثال

الناس أعداء ما جهلوا. الجهل حجاب، حجاب كثيف ثقيل، يمنع رؤية الناس والأشياء والأوضاع على حقيقتها، تاركاً تقدير الناس والأشياء والأوضاع للخيال، لكن علاقة الخيال بالواقع علاقة تصور فقط، والحكم على الشيء فرع من تصوره.

إحدى المهمات الرئيسية في علم النفس الحديث محاولة التعرف على منطلقات ومبررات الحكم على الآخرين، وما مقدار الالتزام فيها بالحيادية والأخلاق والعدالة، مقابل الانحياز العاطفي الغريزي الرغبوي ودور ذلك في تعبئة المجتمعات «ضد» أو انفتاحها «على» مكوناتها الداخلية ونظائرها الخارجية.

أحد الاستبيانات العلمية التي طرحت عشوائياً للاستطلاع كان بهذه الطريقة: لو قدر لك أن تنتقل للعيش في مجتمع غريب، كيف تود أن تكون مواصفات هذا المجتمع الذي لم تتعرف عليه سابقا؟

الإجابات كانت متطابقة تقريباً، تتمنى أن يكون المجتمع الجديد منفتحاً على الغريب، ليس فيه أحكام مسبقة على الآخرين، ويتمتع أهله بحب المساواة والحيادية والعدالة في لتعامل مع الجميع، الاستجواب الثاني كان عن احتمال وجود مثل هذا المجتمع فعليا، وهل يعتقد المستجوب أن مجتمعه الأصلي الذي يعيش فيه ويتبنى مفاهيمه وعاداته يحمل هذه المواصفات التي يتمناها في مجتمع آخر قد ينتقل إليه؟

كانت الإجابات شبه متطابقة، وبالنفي ما عدا نسب متفاوتة قليلة الكثافة في المجتمعات المختلفة زكت مجتمعاتها الأصلية على المجتمعات الأخرى.

التحليل العلمي للاستجواب خرج بالاستنتاجات التالية:

أولاً: اشتراط العدالة والحيادية والانفتاح في المجتمعات الظرفية المستجدة ينبع من الخيال والجهل بواقع المجتمعات الأخرى، ويتوخى المصلحة الذاتية الأنانية للمستجوب في الحصول على الحماية وتكافؤ الفرص والحيادية في التعاملات.

ثانيا: نفي مواصفات الكمال عن المجتمع الأصلي الذي يعيش فيه المستجوب ينبع من معرفة بعض الحقيقة أو قدر كبير منها عن شروط التعايش ومواصفات الحياة في مجتمعه، مقابل التصور الخيالي فقط عن المجتمعات الأخرى التي لم يجرب الحياة فيها.

ثالثا: النسب المتفاوتة التي زكت مجتمعاتها مثلت إحصائيا نفس نسب المتعصبين والمنغلقين داخل دوائرهم الاجتماعية الخاصة، بسبب الجهل القائم على الرفض المسبق للتعرف على الآخر.

الاستنتاج النهائي الذي خرجت به الدراسة هو وجود مايسمى في علم النفس «حجاب الجهل» الذي يحجب عن لابسه الرؤية الحقيقية للناس والأشياء والأوضاع عند الآخرين.

هذا الحجاب يتكون من عدة طبقات، عقائدية ومذهبية وطبقية وقبلية ومناطقية، تحتكم في أغلب تصرفاتها تجاه الآخر على التخيل والرغبة والحمائية والخوف، وليس على الأخلاق والحيادية والعدالة والثقة بالقيم السائدة وبالنفس. حجاب الجهل له تفصيلات عديدة، منها ما هو بمقاييس محلية وطنية، وما هو بمقاييس لما يقع خارج الحدود، ولا يكتمل التعايش الوطني والاستقرار ومرونة العلاقات بالآخرين إلا بتمزيق حجب الجهل بالآخر المختلف.

- الرياض

 
مقالات أخرى للكاتب