Friday 18/10/2013 Issue 14995 الجمعة 13 ذو الحجة 1434 العدد

قصة قصيرة

الرائحة
د. هشام السحار

الرائحة

أقلقته تلك الرائحة التي لازمته طوال أيامه الأخيرة .. ألقى باللوم على زوجته لإهمالها متابعة نظافة القصر الذي يسكناه لم تفلح محاولاتها المستمرة في إنكار وجود تلك الرائحة .. أو في نفى تقصيرها في أي واجب من واجباتها المنزلية ..

أرغى وأزبد وهو يتوعد العاملين بالمنزل بالعقاب ثم وهو يطردهم شر طردة ويستبدلهم بسواهم مرة بعد مرة .. بلا جدوى .. لازالت الرائحة منتشرة حوله .. كانت رائحة عفنة لم يستطع أن يتبين مصدرها .. أو حتى أن يدرك كنهها ..

تفاقم الأمر يوما بعد يوم .. ازدادت حدة الرائحة .. والجميع من حوله ينكرون وجودها .. ويحاولون التغلب على ما يدعيه بالمزيد من النظافة .. واستعمال اشد العطور نفاذا .. بلا جدوى .. الرائحة تزداد حدة .. لم تعد لديه القدرة على الذهاب لعمله بعد أن طاردته الرائحة هناك ..

أشار البعض من رفاقه الى أن عليه أن يراجع طبيبا مختصا عله يجد حلا لتلك المشكلة .. وهو ما فعله مرارا .. لكنهم جميعا بعد أن اجروا فحوصات عديدة شملت .. كل شيء يمكن أن يكون له علاقة بالمشكلة اخبروه بأنه لا يعانى من أي مرض عضوي قد يسبب له مثل ذلك الشعور .. أحالوه لمن هو مختص بأمراض النفس .. جلس إليه طويلا .. تحدث معه وأفاض في الحكي .. أجاب عن كل أسئلة الطبيب .. وانتهى الأمر إلى .. لاشيء ..

طرق أبوابا ما كان يؤمن بها من قبل .. قابل سحرة ومشعوذين .. طرق أبواب دور العبادة بعد طول هجر .. جاءته علاجات عدة من بلدان له فيها أصدقاء وعملاء خاطبهم بمشكلته لعله يجد لها حلا .. لكن الأمر لم يتغير.

أوشك أن ينهى حياته بعد أن يأس من إيجاد حل للمشكلة .. ولكن زوجته اقترحت عليه أن يسافر إلى ذلك المقصد السياحي الشهير هناك .. في الطرف الاخر من الكرة الأرضية فقد تنسيه تلك الرحلة ما يعانيه .. وهو ما فعله على الرغم من إحساسه بعدم جدوى ذلك .. وحين دخل إلى الفندق باذخ الثراء حيث اعتاد الإقامة دائما .. لم يجد الترحيب الذي اعتاده .. فقد كان الرجل المكلف باستقبال النزلاء يحدثه وهو يشيح بوجهه .. وأنهى إجراءاته بسرعة .. استنكر ذلك فلم يعتد هذه الطريقة من قبل .. . سارع بالصعود إلى جناحه .. ألقى بجسده على الفراش ليستريح من عناء السفر .. أيقظه طرق على الباب .. قام متكاسلا ليجد حشدا من النزلاء بتقدمهم مدير الفندق يطلبون منه بأصوات صارخة أن يغادر المكان على الفور .. فلم يستطع أحد منهم أن يتحمل تلك الرائحة العفنة التي حلت بالمكان منذ اللحظة التي دخل فيها إليه.