Saturday 19/10/2013 Issue 14996 السبت 14 ذو الحجة 1434 العدد

التراث وعلاقته ببناء الحاضر والمستقبل

د. خالد بن عايش الحافي

د. خالد بن عايش الحافي

ابتدأت النهضة العربية بالاتصال بالتراث وبعث كنوزه ونشرها، وذلك في الآن نفسه الذي كان التَّماس مع الحداثة الغربية مبهراً ومثيراً للتحدي، وظل الاهتمام بالتراث إجمالاً..

..ومنه التراث اللغوي والأدبي، يتعاظم منذ القرن التاسع عشر، فكان التحقيق للمخطوطات ونشرها، مرافقاً لشرح المتون واختصارها، ولتفسير النصوص وتحليلها، وللتاريخ للمعرفة الأدبية واللغوية، واستيعاب اتجاهاتها وتحديد عصورها والوصل بينها وبين محيطها الزماني والمكاني، وكان الانتقاء من هذه الوجهة أو تلك قرين التوجهات المختلفة في الحاضر التي تجد في التراث ما يؤسس لها، وفي حضورها ما يجدد التراث ويبعثه حيًّا نامياً.

لكن التطور المنهجي والعلمي ولَّد مفاهيم نقدية وتحليلية مختلفة تجاه التراث، وتكاثرت من هذا المنظور وجهات القراءة للتراث، واتصلت بتكاثر آخر في قراءة القراءة ونقدها.

ولهذا تغدو قراءة التراث الأدبي واللغوي في الدراسات الحديثة، اكتشافاً للتراث واكتشافاً للحضور المعرفي الحديث وتطلعاته إلى المستقبل، ومجابهةً للاستلاب الذي تفرضه علينا الرؤية الغربية الاستشراقية من جهة، والرؤية التقليدية التي تعتقد أنها تقدم رؤية مطابقة وأمينة لمقاصد التراث ومعانيه من جهة أخرى. ومعنى ذلك أن العلاقة مع التراث تستحيل إلى بؤرة اختلاف وخلاف، وهي بؤرة في الصميم من إشكالية الهوية والحضور العربي الحديث، فنحن لا نستطيع أن ننسلخ من تراثنا لأننا لا نستطيع أن ننسلخ من ذواتنا، ولكننا بالقدر نفسه لا نستطيع أن ننفصل عن عصرنا الذي يحوطنا بما لم يعرفه التراث وبما يجاوزه.

وانطلاقًا من أهمية التراث في بناء الحاضر والمستقبل يعقد قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود الندوة الدولية الثانية تحت عنوان (قراءة التراث الأدبي واللغوي في الدراسات الحديثة)في المدة من 26 إلى 28-2-1453هـ الموافق 29 إلى 31-12-2013م.

وما هذه الندوة إلا ثمرة من ثمرات الندوة الدولية الأولى: (قضايا المنهج في الدراسات اللغوية والأدبية: النظرية والتطبيق)، التي أقيمت قبل ثلاثة أعوام في الجامعة، وإقامة مثل هذه الندوة دليل على وعي القسم بالدور الذي لعبه التراث الأدبي واللغوي في تشكل نهضتنا الأدبية واللغوية.

لذلك كان واجباً علينا إعادة اكتشاف تراثنا وفهمه ضمن المفاهيم النقدية والتحليلية الحديثة، مما يساهم في تسليط الضوء على جوانب غفلنا عنها في تراثنا.

وتطمح هذه الندوة إلى تكييف الحاضر والتأسيس له، من خلال تعميق الوعي بالتراث الأدبي واللغوي، ونقد نظريات قراءته، وتوسيع آفاقها، وتقصي تنوعها واختلافها، وهذا يسلط الضوء على المعرفة التاريخية التي تتيحها القراءة للتراث، بوصفها علاقة بين زمنين (زمن القارئ، وزمن المقروء).

وذلك يسهم في توليد الحس النقدي تجاه الذات المعرفية العربية، مما يجذِّرها ويؤصلها، ويولد الحس النقدي تجاهها.

والجدير بالذكر هنا أنّ عدد المتقدمين للمشاركة بهذه الندوة زاد عن المئتين، وما ذلك إلى لأهمية الفكرة وحيويته بين الباحثين.