Sunday 20/10/2013 Issue 14997 الأحد 15 ذو الحجة 1434 العدد
20-10-2013

لو أني مكانك

في معترك الحياة نُواجه أقواماً ينصِّبون أنفسهم خبراء بدرجة عارف، فهم يمارسون على الآخرين دور المرشد الأعلى الذي بإمكانه إصلاح ما يمكن إصلاحه بعقلية المنقذ، أو قل إن شئت خليفة الله في أرضه.

من السهل الحديث فهو أبسط صورة يمتلكها الإنسان، لكن عند الأفعال تتوقف عقول وتتحجَّر أفكار الطموح نحوَ التكامل، حق مشروع للجميع فهو تاج النفوس الشامخة وحصن العقول النيّرة.

مَنْ يضفي المرونة على طبيعة شخصيته ويجعل الإنجاز سمة بارزة في مشوار حياته، مع التوازن في التفكير واتخاذ القرارات سيكون مُسدِّداً مقارباً.

معظم الناس يميلون إلى أسهل الحلول وأبسطها.. على الإنسان أن يفترض شيئاً غير موجود، ومن أسلم الطرق افتراض المستحيل لذا يكثر عند غالبية الناس:

لو فعلتَ كذا أو لو قلتَ كذا.. أو.. لو أني مكانك كان..كذا ولا قلتُ كذا..!

تذكَّر بأنك خارج الدائرة تصدر أحكاماً وأنت لم تقع في معمعة الأحداث، وبالتالي لم تعان كما يُعاني الآخرون، ولم تذق طعم المرارة والتي تشبَّع منها من وقع تحت الضغط..!

الناصح هو:

ذلك الإنسان الذي يضع نفسه في الموقف، ثم يتقمَّص دور من وقع عليه الإشكال قبل أن يقول كلمته أو نصيحته.

الناصح هو:

ذلك الرائع الذي يهدي كلماته الصادقة للآخرين فتكون بلسماً ناجعاً وحبل نجاة ناجحاً ينقذ به المضطرين.

الناصح هو:

ذلك الشخص الذي يختار الوقت المناسب واللحظة المواتية كي يعرض فكرته في هدوء ووضوح.

لاحظوا معي الأطباء وأخص المشاهير منهم..!

قد ينجح الطبيب في غرفة عمليات، ويبدي نجاحاً مذهلاً.

قد تسافر شهرته إلى الآفاق ويعرفه الملايين حول العالم.

لكن قد يكون في حياته الاجتماعية متعباً مضطرباً تشتكي منه الأسرة لانشغاله، قد لا تكون هناك أسرة أصلاً لأنه خسرهم في طريق شهرته، والنتيجة أنه: مشهور أمام كل الناس متعب من الداخل..!

لاحظوا معي:

مديرة قيادية ناجحة:

قد تنجح مديرة مدرسة في قيادة مدرستها.

لها بصمة في ذاكرة الجميع فنجاحها باهر ومحبتها تغزو القلوب.

الطالبات يحبونها والمعلمات يدركن دورها في انضباطية العمل.

أين بيتها وحياتها الخاصة.. مَنْ فكر في حال تلك الرائدة الرائعة؟

هل هناك بيت.. هل هناك زوج.. هل هناك أولاد.. من الأصل؟

هل اكتملت فرحتها.. وهل استمرت قدراتها في قيادة بيتها؟

أم أن هذا كله كان فقط على صعيد المدرسة والتألق الوظيفي..!

لاحظوا معي:

أحوال الناس:

يحجز معظم أفراد المجتمعات مقاعد وأسرَّة وأدوية بالواسطة.

قد يتفاخر البعض لسرعة حصوله عليها.

حينما تأخذ حاجتك قبل غيرك فقد ظلمت نفسك وظلمت غيرك.

من أخذ دواءً أو حجز سريراً بالواسطة، لم يستشعر أنه تسبب في تزايد معاناة الآخرين.

نعم، الواسطة هي ما جعل المريض الغني ينال عناية خاصة، وجعلت المريض الفقير لا يجد سريراً.

والآن لو ..!

هل تتمنى أن تكون طبيباً مشهوراً ذائع الصيت دون أسرة ودون أولاد؟

هل تتمنين أن تكوني مكان تلك المديرة الرائعة، تختمين حياتك دون أي حنان أمومة ولا رعاية من أبناء؟

عزيزي المريض الغني وأنت تتعافى من أوجاعك.. هل استشعرت آلام ذلك الفقير.. هل فَكَّرْتَ على الأقل أن: تسهم في علاج المحتاجين.. دائماً هناك جانب يحتجب عن تفكيرنا، يختبئ وراء كل حدث.

الموفقون فقط هم من ينتبهون له.

لا لـِ لو!:

لا تقل لو لأي حدث حتى تضع نفسك مكان صاحبه، حتى تعيش معاناته حتى تذوق آلامه، ومن يدري حينها قد تكون اختياراتك مطابقة لاختياراته، أو قراراتك تصب في خانة قراراته.. ومن يدري فالنار لا تحرق إلا أقدام من يمشي عليها.

أسأل الله السلامة للجميع.. والتوفيق في القول والعمل.

- مستشار تربوي

 
مقالات أخرى للكاتب