Monday 21/10/2013 Issue 14998 الأثنين 16 ذو الحجة 1434 العدد
21-10-2013

نصف حل ونصف ابتسامة..

خاض المجتمع السعودي خلال الخمسين سنة الماضية عدداً هائلاً من المتغيرات الكبرى، ولا يزال في طريقه لخوض بقية الجولات في المستقبل، وذلك للوصول إلى حالة الاستقرار الحضاري -إن صح التعبير- والأسباب تكمن في أن أجدادنا عاشوا خارج المجتمعات الحضرية العربية المزدهرة في القرون الوسطى وما تلاها، وذلك لأسباب منها فقر الموارد الطبيعية، لكن انفجار ثروة النفط أعاد ترتيب الأوراق اتجاه الهجرات العربية في اتجاه الجزيرة العربية، وهي سابقة تاريخية نادرة، كانت خلف عدد هائل من المتغيرات في الجزيرة المنسية تاريخياً منذ انتقلت الخلافة العربية الإسلامية من المدينة إلى العراق والشام.

كان اكتشاف النفط نتيجة قرار عقلاني وتاريخي لبدء التنقيب عن الذهب الأسود في فترة زمنية مبكرة من عمر الدولة، وكان الاكتشاف المبكر إنجازاً فريداً في حياة البلاد، لكن الإنجاز توقف اقتصادياً عند زمن الاكتشاف وبيع النفط الخام، ولم يتم استغلال الثروة النفطية لإقامة تنمية مستديمة في الوطن غير معتمدة على بيع النفط الخام في الأسواق العالمية.

لا تزال الصادرات غير النفطية تتراوح حول نسبة 6%، وهو ما يعني أن الاقتصاد الوطني لم يتجاوز مرحلة النفط الخام، ولا يزال ذلك يهدد مستقبل الوطن الاقتصادي إذا لم نصحو من سكرة ثروة النفط. وبكلمات أخرى فشلت خبرات الاقتصاد الوطني المسؤولة عن التنمية في إخراج الوطن من دولة تعتمد كلياً على آبار النفط إلى دولة تتنوع في مواردها وصادراتها الاقتصادية، لكن السؤال: لماذا فشلت الخبرات الوطنية الاقتصادية في تحقيق الإنجاز؟ وهل ذلك له علاقة بالقدرات والكفاءات المحدودة؟ أم أنهم لم يجدوا المناخ ليطلقوا إبداعاتهم في إخراج الوطن من أزمته الاقتصادية.

من أسباب ذلك الفشل غياب العلاقة بين المسؤول والمجتمع، والذي يصل في بعض الأحيان إلى حد القطيعة، من خلال الترفع عن مخاطبة الرأي العام في هذا الشأن وغيره، لذا هو غير مكترث بما يحدث خارج مكتبه الخاص، وتأتي أهم أولوياته في المحافظة على كرسيه أكبر مدة زمنية، وتلك لها معايير وأساليب أصبحت بمثابة مدرسة في فن التعامل مع الناس عند اختياره لمنصب المسؤول، من أهم فصولها الصمت أمام المتغيرات الكبرى، والاكتفاء بنصف حل وبنصف ابتسامة عند إثارة الأسئلة وطرح المخاوف عن ما بعد مرحلة النفط.

لا يقتصر أسلوب اللامبالاة مع المجتمع وفعالياتها، قد اشتكت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد “نزاهة” في تصريح لمصدر في الهيئة عن الأسلوب غير الصحيح الذي تتخذه بعض الوزارات والعديد من الجهات الحكومية لتقارير نزاهة، وذلك بإحالة تقارير الهيئة وملاحظاتها إلى المسؤول المباشر عن موقع الخلل، ليرد ببيان على ملاحظاتها، وأن ذلك لا يقود إلى إصلاح، ولا إلى معالجة القصور والإهمال، وفي ذلك دليل أن المسئول لديه معايير وقياسات أخرى غير الإنتاج ومحاربة الفساد للاستمرار في منصبه لعشرات السنوات.

أيها السادة أخفقت أنصاف الحلول في أن يتجاوز الوطن أزمته مع التنمية، كما لا تنجح أنصاف الابتسامات في تبديد المخاوف من المستقبل، وكما قال جبران لا تعش نصف حياة، ولا تمت نصف موت، ولا تختر نصف حل، ولا تقف في منتصف الحقيقة، ولا تحلم نصف حلم، ولا تتعلق بنصف أمل،..، والنصف الذي ما زلنا نبحث عنه في دفاتر الوطنية، هو ذلك الحلم الذي لم يكتمل، والأمل الذي انقطع وصله، والحل الذي لم نصل إليه، والكلمة التي لم نقلها، وهو نصف الابتسامة الغائبة عن وجوه المسؤولين عند سؤالهم عن مستقبل الوطن بعد مرحلة النفط.

 
مقالات أخرى للكاتب