Monday 21/10/2013 Issue 14998 الأثنين 16 ذو الحجة 1434 العدد
21-10-2013

قبيل انصراف الضيوف

لم يحُزْ موسم الحج من الإعجاب والإبهار كما حازه موسم هذا العام؛ وذلك لتحديات عدة، لعل أهمها مشروع توسعة الحرم المكي التاريخي، وتهديد بعض من يتحين الفرص للتخريب على المسلمين وأمن هذا البلد من حزب الشيطان وأعوانه، والتحديات الصحية كمرض فيروس كورونا وغيره من المحاذير البيئية،

نظير تجمع أكبر حشد بشري في زمان ومكان واحد.. لكنه التحدي الذي تظهر معه الطاقات الكامنة، والامتحان الذي ينجح فيه من يرى به فرص الإنجاز، فسبحان ميسر المقاصد مسير الأفلاك الذي وفق هذا البلد لخدمة ضيوفه عز وجل.

في مقابلة لهذه الصحيفة مع حاج أمريكي يفد لأول مرة إلى الديار المقدسة يقول: “لا تستطيع أي دولة أن تنظم وتفوج الملايين من البشر كما رأيت هنا”. وكما رأينا، كانت البداية بالحزم بمنع الحجاج المخالفين الذين يفدون كل عام أو عامين عبر البحار والمحيطات ليحجوا بيت الله العتيق، مع عدم مراعاة مساحة الحرم بما يشهده من أعمال وبناء، فأسهم هذا الإجراء الحازم في تخفيف أعداد الحجيج إلى النصف تقريباً.

بعد ذلك هذا الحشد للقوات الأمنية الأكبر في تاريخ موسم الحج على الإطلاق، فكانوا - بعد المولى القدير - نِعم العون والحراس لوفود الرحمن.

ثم حشد وزارة الصحة والهلال الأحمر وباقي القطاعات الطبية التابعة لأكثر من جهة حكومية طاقاتها وإمكاناتها، وقاية وعلاجاً، فكانت أيادي بيضاء وبلاسم شفاء برحمة عزيز كريم.

أعلم أن حديثي هذا قد لا يأتي بجديد، لكنها كلمة حق، وشد على أيادي كل من عمل بحب ووفاء لضيوف الرحمن وخدمة لهذا البلد الأمين. أيضاً هي وقفة وتساؤل، لا بد أنه دار في خلد الكثيرين، فما دامت هذه الخدمات الجبارة التي نراها ورأيناها متميزة هذا العام في وجود هذه الحشود البشرية من كل عرق ولون وبلد هكذا ألا يُعتبر هذا الموسم العظيم بمنزلة أعظم دورة تدريبية للقطاعات الخدمية على اختلافها، من صحية ومرورية وبلدية وغيرها؟ فنراها بعد انقضاء الموسم وقد تخففت من ترهلها، وجددت نشاطها، وجوّدت من خدماتها؟! وكما قلت في البداية، إن التحدي هو محك الناجحين، أي أن مختلف القطاعات الحكومية - وأستثني من حديثي هذا القطاع الأمني لأن نجاحه مشهود وليس بالجديد - لديها القدرة للتميز بل الإبداع، والدليل - كما قلت - تميزها في الحج، فليتنا نرى قطاع المرور يتعامل مع مشاكل الزحام وفوضى السلوك المروري بالدرجة نفسها من الإتقان أو قريباً منها.. وليتنا نرى القطاعات الصحية تتعامل مع مشكلة أزمة الأسرة والخدمات العلاجية في المدن الصغيرة بالهمة نفسها والحماس نفسه في الحج أو قريباً منهما؛ فتتحسن الصحة العامة، وتقل الأخطاء الطبية، ولا أقول تنعدم تماماً؛ لأن هذا مستحيل؛ لينصرف الناس للعمل والإنتاج.

ليتنا نرى الخدمات البلدية تنشر عيونها، والنظافة تغدو سمة مدننا وقرانا الغالبة، بهمتها نفسها في منى ومزدلفة ومكة، أو قريباً منها.

هي أمانٍ نابعة من إعجاب ودهشة ملكا الضيوف قبل المواطنين بهذه الخدمات الجبارة. وفي ظني أن من قدم هذه الخدمات قادر على تقديم مثلها على مدار العام في مدننا وقرانا، ولله در المتنبي حين قال:

ولست أرى في عيوب الناس عيباً

كنقص القادرين على التمام.

والله يكلؤكم برعايته.

romanticmind@outlook.com

تويتر @romanticmind

 
مقالات أخرى للكاتب