Wednesday 23/10/2013 Issue 15000 الاربعاء 18 ذو الحجة 1434 العدد
23-10-2013

تأثير مصر

1. بنى محمد علي دولة في مصر أهلتها لأن تكون بعد الحرب العالمية الثانية ثاني دولة في العالم اقتصادياً بعد أمريكا.. وكانت تقرض دول أوروبا وتصدر أفخر الأقطان.. ويتبع العالم بورصتها في العديد من السلع.. وهي أقدم ديمقراطية في أفريقيا وآسيا وكان لديها برلمان فاعل يراقب الحكومات ويسقط بعضها.. كل هذه مزايا أهلتها أن تكون ملجأ العلماء الألمان بعد هروبهم من ألمانيا المهزومة.. ثم قامت ثورة الضباط الأحرار التي قلبت المعادلات وغَيَّرت المسارات وأثرت في التحولات العربية التي تظهر نتائجها اليوم بشكل مدمر في العراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن والسودان والصومال.. الخ.. فكان الخراب الذي تعيشه اليوم تلك الدول هو استجابة كبيرة لنتائج تلك الثورة.

2. إن ثورة الضباط الأحرار إبان الخمسينيات الميلادية رغم بعض الإيجابيات الوطنية التحريرية إلا أن تأثيرها التنموي كان سلبياً جداً.. ولم يقتصر هذا التأثير السلبي على المجتمع المصري وحده بل تجاوزت تبعاته حينها إلى بقية المجتمعات العربية حديثة الاستقلال.. فلو استمرت الملكية في مصر ببرلمانها وفنونها وجامعاتها ومجتمعها المدني المتمدن.. أقول لو استمرت مصر رافعة لواء الديمقراطية رغم كل الاتهامات التي طالتها بالفساد لكانت بلا شك أفضل للمستقبل العربي وبمراحل عما أنتجته وأثرت به ثورة الضباط الأحرار.. فقد كان النظام الملكي في مصر دستورياً وهذه مرحلة تراجعت عنها مصر نهائياً بعد الثورة.. وظهر الاستبداد والتدخل في شؤون الآخرين ومحاولة تحويل أنظمة الحكم في الدول العربية إلى أنظمة شبيهة.. فكان لا بد لكل الانقلابات التي نجحت أن تقتدي بالاستبداد الذي تبناه ثوار مصر.. فصار وبالاً على المجتمع العربي وبدلاً من أن يكون الحكم البرلماني في مصر هو القدوة صار الحكم الانقلابي المستبد باسم القومية ثم باسم فلسطين ثم الدين ثم الحماية من المعتدين هو القدوة لكل المستبدين.

3. القدوات هم الفنار الذي تهتدي بهم الشعوب.. وكان نظام الحكم الدستوري في مصر جديراً إبان فترة الاستقلال لدول العالم العربي الاثنتين والعشرين أن يكون قدوة.. ثم أتى انقلاب العراق عام (1958م) ولم يكن المجتمع العراقي آنذاك أقل من المجتمع المصري تنظيماً وتمدناً.. فسار ضباط العراق على خُطى ضباط مصر في الاستبداد حذو القذة بالقذة.. ثم تتالت الانقلابات في سوريا والجزائر وليبيا واليمن والسودان.. ولم تكن ثورات شعوب بل انقلابات عسكرية قام بها مغامرون اختطفوا الحكم وجروا مجتمعاتهم إلى الهاوية.

4. واليوم ونحن في انتظار أن يتسنم الفريق السيسي عرش مصر نثق أن تجربة مصر معه لن تكون تكراراً لتجربتها مع انقلاب الضباط الأحرار في الخمسينيات.. وأن هدفه هو بناء دولة مؤسسات بكوادرها وأنظمتها وتنظيماتها لا تمكن أي مستبد أن يستبد ولا معتد أن يعتدي على تنمية مصر.. فالتنمية أساس وبدونها لا ترقى أمة ولا تستقر ولا تزدهر.

مقالات أخرى للكاتب