Thursday 24/10/2013 Issue 15001 الخميس 19 ذو الحجة 1434 العدد
24-10-2013

الحمام يطير في بريدة وعنيزة

وإن شئت في عنيزة وبريدة لا فرق. مدينتان شامختان في جبين القصيم، وعلامتان بارزتان في مداد التاريخ السعودي. الحديث عنهما لمن لا يدرك جذورهما التاريخية ضرب من القصور في الطرح بسبب النظر من زوايا ضيقة لا تمنح المشاهد رؤية الصورة بكل أبعادها. عادة من يطرح دون علم ومعايشة أنه ينزع إلى الاستشهاد بالهوامش ويركز على أحداث فردية ليصدر حكماً هوائياً بعيداً عن الواقع فيعمم دون أدلة مقنعة.

أحدهم كتب عن بريدة وعنيزة من زاوية ضيقة جداً تعبر عن فقر معلوماتي لديه، فأعاد عبارة عنيزة المدينة المتحررة والتي يطير فيها الحمام فارداً جناحيه بأريحية بينما لا يطير في جارتها بريدة المدينة المتشددة والمنغلقة بحسب رواية زميلنا الأثير يوسف المحيميد “الحمام لا يطير في بريدة”، وهي الرواية التي مر على أحداثها أكثر من ثلاثين عاماً تغيرت فيها معالم المدينتين وأفكار الناس بصور تدعو للدهشة وتجعل التعميم ضرباً من المستحيل.

الكاتب حاول أن يثبت لنا واقعاً يعرفه الجميع وهو أن بريدة وعنيزة قد تحولتا إلى مدينتين أكثر انفتاحاً وخصوصاً بريدة ولا أدري ما هو سقف الانفتاح الذي رسمه في خياله الخصب! كنت أتمنى لو أجهد نفسه قليلاً ليقدم للقراء تحليلاً شاملاً للقفزات النوعية للمدينتين لا أن يحصر التنافس بينهما في الإطار الفكري الضيق، إذ هو إطار يبتسر المسائل في استنتاجات غير قابلة للتعميم.

بإمكان الحمام أن يطير في بريدة وعنيزة مثلما يطير في سائر مدن وقرى وهجر مملكتنا الغالية في عصر يسوده الاعتدال بعد تواري المنحرفين والمتشددين في هوامش الواقع. ما يجب أن يعرفه الكثيرون أن التنافس بين المدينتين العريقتين قد دفعهما للتطور، فالأهالي في بريدة وعنيزة ينظرون للإنسان فيهما بوصفه ساعداً قوياً لدفع عجلة التنمية دون أن يقفوا عند المظاهر الخارجية، فالأهم الفكر ثم السلوك الذي يترجم الفكر إلى منجزات حضارية. المدينتان القصيميتان تجاوزتا اليوم الهوامش الاجتماعية من فروق فكرية تحدث في مجتمع واحد فما بالك في مجتمعين متجاورين، ونعرات وتحزبات وضغائن قد تدور رحاها حتى على مستوى العائلة الواحدة والحي الواحد. تعدت بريدة ومعها شقيقتها عنيزة حمى المنافسات التقليدية المحدودة منذ زمن طويل على الأقل على مستوى النخب لسلوك كل سبيل يقود إلى التطوير والتجديد والتغيير وفي سباق حضاري مشروع لهما لاستكمال المنظومات الخدمية، وتشييد الصروح العلمية والثقافية والمؤسسات الإنسانية.

رغم أن الدولة لم تقصر في ضخ ميزانيات سخية إلا أن لأهالي بريدة وعنيزة أيادي بيضاء في تشييد مشروعات أغلبها خيرية لا يبتغون من ورائها الربح المادي. قبل أيام شهدنا فعاليات مهرجانات التمور وملتقى شباب بريدة، والأسبوع القادم تدشن عنيزة مهرجانها السنوي الثقافي الرابع في تظاهرة إثرائية قلَّ أن تجد مثلها.

الحراك في المدينتين يستحق أن يحظى بالاهتمام من كافة الشرائح الاجتماعية وفي جميع المسارات، والعمل الخيري يأخذ حيزاً كبيراً من دعم الأهالي بمشاريع تصرف لمساعدة الأسر المحتاجة لمواجهة أعباء الحياة. المقال لن يتسع لعرض المزيد من صور العمل المنتج والذي حوَّل القصيم إلى منطقة جاذبة تملك كل المقومات المحفزة للناس لزيارتها أو الإقامة فيها بشرط أن ينزعوا من أذهانهم كل الأفكار السلبية عنهما.

Shlash2010@hotmail.com

تويتر @abdulrahman_15

مقالات أخرى للكاتب