Friday 25/10/2013 Issue 15002 الجمعة 20 ذو الحجة 1434 العدد

أستاذ الفقه في جامعة القصيم د. فهد اليحيى لـ(الجزيرة):

التكييف الفقهي للقضايا المعاصرة يستلزم فهم الواقع ودراسته

بريدة - خاص بـ«الجزيرة»:

أكد الدكتور فهد بن عبدالرحمن اليحيى أستاذ الفقه بجامعة القصيم على ضرورة التكييف الفقهي في دراسة القضايا المعاصرة وأن يتم ذلك عن طريق دراسة الواقع، وحذر اليحيى من بعض الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الدعاة في تناول المسائل المعاصرة، جاء ذلك في حوار خاص بقضايا النوازل، وكيفية تناول المسائل المعاصرة.. وفيما يلي نص الحوار:

* ما المقصود بالقضايا المعاصرة أو المسائل المعاصرة أو النوازل؟

- القضايا جمع قضية، وهي من قضى أي حكم ،والقَضايا: الأَحكام، وهي مرادفة لمصطلح (المسائل)، والمعاصرة من العصر وهو الزمن ومعنى معاصرة أي معاصرة لنا أي في زمننا، وهو مصطلح يعني الشيء الجديد الذي هو من اختصاص هذا الزمن لم يكن معهودا ومعروفا قبل ذلك، وحيث إن تحديد ذلك نسبي، وقد يعسر وضع حد لما هو من هذا الزمن أو من الزمن السابق، فإن هذا المصطلح (المعاصر) أصبح علما ًعلى كل ما جد بعد الثورة الصناعية والتي تلاها مباشرة اكتشاف النفط ومن ثم تطوّرت الحياة تطوّراً مختلفا لم يكن له نظير قبل ذلك.

وعلى هذا تكون القضايا أو المسائل المعاصرة هي الأحكام والمقصود بها الوقائع التي حدثت منذ عصر النهضة أو الثورة الصناعية وهي جديدة في صورها وأشكالها.

وثم ألفاظ مرادفة للفظ (المعاصرة) هو (المستجدة) أو (الحادثة).

ويطلق البعض على هذا النوع من المسائل مصطلح النوازل، والنوازل في أصل اللغة جمع نازلة، قال في لسان العرب: النازِلة: «الشَّدِيدَةُ تنزِل بِالْقَوْمِ، وَجَمْعُهَا النَّوَازِل، والنَّازِلَة الشدَّة مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ تَنْزِلُ بِالنَّاسِ».

وقد استعمل الفقهاء هذا المعنى في قنوت النوازل، ويقصدون به مشروعية القنوت عند حدوث نازلة بالمسلمين وهي ما تقدم في اللغة.

ووجدنا استعمالاً لمصطلح (النوازل) لدى الفقهاء أيضاً مرادفاً لمصطلح (الفتاوى)، وأكثر من شاع عندهم المالكية حيث نجد طائفة من المؤلفات تحمل هذا المصطلح، منها على سبيل المثال :مذاهب الحكام في نوازل الأحكام للقاضي عياض، نوازل العلمي لعلي العلمي، الدرة المكنونة في النوازل المظنونة ليحيى المغيلي، وغيرها.

* إذن يطلق عليها القضايا المعاصرة - المسائل المعاصرة - النوازل ؟

- نعم ولا مشاحة في الاصطلاح، وإن كنت أميل إليه استعمال مصطلح (المسائل المعاصرة)

لثلاثة أسباب:

الأول: ما أشرت إليه من استعمال الفقهاء هذا المعنى في قنوت النوازل، فقد يقع اللبس عند استعماله في (المسائل المعاصرة).

الثاني: الالتباس بمصطلح المالكية الذين جعلوه مرادفاً للفتاوى، وهذا غير مقصود لمن يستعمل مصطلح (النوازل) حيث لا يجعله عاما في كل فتوى.

الثالث أن لفظة (نوازل) لها دلالة على قضية كبيرة كما هو الأصل اللغوي كما تقدم بأن معنى النوازل: الشدائد، مع أن هذا المصطلح لا يخصه به مستعملوه في القضايا والمسائل الكبار فحسب؛ بل كل مسألة حادثة تندرج عندهم في مصطلح (النوازل) وإن كانت يسيرة جدا؛ فلأجل أن يشمل المصطلح جميع المسائل الحادثة (أو المعاصرة أو المستجدة) صغيرها وكبيرها فمن الأفضل - في نظري- هو مصطلح (المسائل المعاصرة).

* هل المسائل الفقهية المعاصرة قسم واحد أم أقسام؟

- بدأ مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة في جامعة الإمام قبل حوالي سنتين في مشروع الموسوعة الميسرة في فقه القضايا المعاصرة.، وقد قسمها إلى سبعة أقسام: العبادات، وفقه الأسرة, المعاملات المالية، والمسائل الطبية، والأطعمة واللباس والزينة والآداب، وفقه الأقليات المسلمة, والجنايات والقضاء والعلاقات الدولية.

كما أن جامعة الإمام أيضاً اقترحت مشروعا ًلطلاب الدراسات العليا في المسائل المعاصرة من جميع أبواب الفقه المعروفة بحيث تتناول الرسائل الجامعية (الماجستير والدكتوراه) المسائل المعاصرة في كل باب من أبواب الفقه. وثم مشروعات وتقسيمات مشابهة هنا وهناك..

* كيف يمكن تصّور المسألة المعاصرة والحكم عليها ؟

- يعتبر مثل هذا الحديث حديثاً عن منهج البحث والفتوى في المسائل المعاصرة، وقد كتب

فيه باحثون أكفاء، وعقدت له ندوات ولقاءات.

* هل من مثال يوضح ذلك؟

- نعم يمكن التمثيل بأمثلة كثيرة منها ما يسمى بالشركات أو الأسهم المختلطة (وهي ما كان أصل نشاطه مباحاً وله تعاملات محرمة كالربا) فقد ذهب بعض الفقهاء المعاصرين إلى الإباحة، وليس ذلك هو وجه النقد فهي مسألة اجتهادية ولكنه في مأخذ الإباحة لدى بعضهم وذلك اعتباراً بالضرورة أي الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة أي إنهم لا يخالفون في وجود الربا في الشركات محل البحث، ولكنهم احتملوا هذا -كما يرون- من أجل مبررات واقعية كحاجة الناس إلى استثمار أموالهم بطرق مأمونة وميسَّرة، كما أن الشركات ولا سيما الخدمات العامة مما تحتاج إليها الدول فإذا حرمنا تداول أسهمها لاشتمالها على شيء من الربا تنهار ويلحق الضرر العام.

هنا لو نظرنا إلى تصوّر المسألة لتبين لنا ما يلي (وهنا الحديث عن التصوّر وليس الحكم) :

أولاً : أن الاستثمار عن طريق الأسهم لون من ألوان الاستثمار له إيجابيات وسلبيات كغيره من ألوان الاستثمار؛ بل مخاطره أعلى بكثير من غيره كما لا يخفى، ولاسيما أن الاستثمار بالأسهم لا يحسنه كثير من الناس ولذا يلجأون إلى دفع أموالهم إلى من يضارب بها إما عن طريق الصناديق الاستثمارية في البنوك أو عن طريق أشخاص لهم عناية ودراية في هذا المجال، وعلى هذا فيتحول الاستثمار بالأسهم إلى كونه استثماراً بجزء من المال في مضاربة، وحينئذ يستوي هذا النوع مع أية مضاربة أخرى سواء في العقارات أو المقاولات أو المواد الغذائية أو غيرها.

أي إن القول بأن الاستثمار عن طريق الأسهم هو الأسهل لا يتحقق في مثل هذه الصورة لأن الشخص لا يباشر الاستثمار بنفسه.

ثانياً: لا يلزم من تحريم تداول أسهم الشركات المختلطة التضييق على الناس في الاستثمار في الأسهم كما في تعليل الإباحة لأننا إنما حرمنا تداول نوع من الأسهم لا جميع الأسهم. صحيح أن هذا النوع هو الأكثر والله المستعان، ولكن هناك شركات ولله الحمد تجتنب المحرم (قدر الاستطاعة) وما زالت عدة هذه الشركات تزداد بفضل الله؛ لكن نحتاج إلى عدم التنازل منا في قبول المحرم من أجل أن تضطر الشركات لإصلاح شأنها إما بدافع الرغبة الصادقة في التصحيح والتخلص من المحرم (من ربا وغيره) أو بدافع المحافظة على مكانتها في سوق الأسهم وكسب السمعة والعملاء.

ثالثاً: أما التعليل بالحاجة إلى شركات الخدمات وأنها إذا كانت شركات مختلطة وحرمنا تداول أسهمها تنهار فهذا غير مسلّم إطلاقاً، لأن تداول أسهم الشركة ليس شرطاً لقيامها فكم من شركة قائمة الآن من كبريات الشركات ولم تطرح أسهمها للتداول.

ولأن تلك الشركات ما الذي يمنعها من التخلص من الربا قليله وكثيره، وحينئذٍ يرتفع الحرج من المساهمة فيها بالاتفاق.

ولأن أن هذا التعليل يمكن أن يُتذرع به لتداول أسهم البنوك الربوية لأن كثيراً منها ما زال من أعمدة اقتصاد البلد الذي هو فيه.

ثم إن هذا التعليل لم يأخذ به أحد ممن يرى إباحة أسهم الشركات المختلطة حين كانت البنوك الربوية هي الوحيدة في الميدان مع أنه متحقق فيها في ذلك الزمن فلم نسمع عن أحدٍ منهم إباحة أسهم البنوك الربوية بناءً على هذا التعليل.

إنني أضرب المثل دائماً بوقفة العلماء ضد البنوك الربوية وإصرارهم على أن ما تفعله ربا محرم ولم نقل بالضرورة والحاجة العامة مع وجود الحاجة في ذلك الزمن، وهذا الإصرار هو الذي أنتج لنا البنوك والمصارف والشركات الإسلامية... ولذا فعلينا الإصرار دائماً على مبادئنا وسيفتح الله لنا قلوباً وأبواباً...

ففي هذا المثال - في نظري - تصوّر للواقع والواقعة غير دقيق أنتج حكماً مغايراً.

* ما المرحلة الثانية ؟

- المرحلة الثانية التكييف والتنظير فالتصوّر الصحيح للمسألة مرتبط بالتكييف الفقهي لها، كما أن التكييف شرط للحكم فيها وهو مقدمة للحكم.

ويُقصد بالتكييف أي كيف حقيقة المسألة مقارنة بما يشبهها، والتكييف من حيث اللغة مشتق من اسم الاستفهام (كيف؟) أي حقيقة الشيء وصورته، ومصطلح (التكييف) لم أجده مستعملاً لدى الفقهاء المتقدمين؛ ولكنه شائع في كتب العقيدة، وهو مصطلح معروف في صفات الله تعالى حيث لا يجوز تكييفها أي ذكر كيفية الصفة بما يؤدي للتشبيه.

ولهذا فالمعاصرون استعاروه من كتب العقيدة، ومن الغريب أن كتب اللغة لم تشر لهذا اللفظ (التكييف)، ولكنه اشتقاق ظاهر واستعمال كتب العقيدة له ومنها المتقدمة ككتاب أبي سعيد عثمان بن سعيد الدارمي المتوفى عام 280 هـ في رده على المريسي، وكتب أبي الحسن الأشعري المتوفى: 324هـ، وغيرها دليل على أنه استعمال صحيح.

وقد عرّف التكييف مؤلفو معجم لغة الفقهاء فقالوا :التكييف الفقهي للمسألة: تحريرها وبيان انتمائها إلى أصل معين معتبر.

* لماذا لم يستعمل الفقهاء المتقدمون مصطلح (التكييف)؟

- يظهر لي أن عدم استعمال مصطلح (التكييف) لدى الفقهاء المتقدمين سببه اكتفاؤهم بالتعريف للباب أو المسألة والتمثيل لها، وإذا احتاجوا الإلحاق بمسألة أو باب مشابه ألحقوه دون تخصيص ذلك بعنوان (التكييف) ونحوه، كما أن التكييف صورة من صور القياس فهم يستعملونه استعمال القياس، وثم مصطلح شبيه بالتكييف هو التخريج الفقهي، وقد ألف المتقدمون كتباً في تخريج الفروع كالأسنوي والزنجاني وغيرهم.

وأما المعاصرون فلأن المستجدات قد كثرت لما تقدم من اختلاف العصر الحاضر عن غيره، ولما اشتملت عليه صورها ولاسيما العقود منها على شيء من التعقيد واللبس ناسب ذلك أن يُفرد عند دراستها عنوان مستقل في تكييفها.

* هل ثم حاجة للتكييف الفقهي للمسائل المعاصرة ؟

- في بعض المؤتمرات والندوات كنا نسمع أحياناً من يرى ألا حاجة للتكييف، وأن مجرد الحكم على المسألة كاف فيها.

تأملت ذلك حيث التخفف منه إن أمكن مطلوب؛ ولكن تبيّن لي أن التكييف شرط للحكم لأنه شرط لتصوّر المسألة أو جزء من التصوّر والماهية والحكم لا يتم إلا بعد تصوّر المسألة، فحين يطرح الباحث عدة تكييفات للمسألة فكأنه يقلبها ليتبين وجهها ومن ثم يحكم عليها، فهي عملية مرتبطة بالحكم لا أظن أحداً يستطيع الحكم بمعزل عنها سواء سماها تكييفاً أم لا، وهذا قد يكون أيضاً جواباً للسؤال السابق حول عدم استعمال الفقهاء المتقدمين لمصطلح (التكييف) لأنهم يتناولونه تلقائياً أثناء حكمهم على المسألة.

مثلاً عقد الاستصناع حين تناوله المتقدمون، منهم من اعتبره صورة من صور السلم فطبق عليه شروط السلم، ومنهم من اعتبره عقداً مستقلاً فلم يطبق عليه شروطه ، وهذا الصنيع منهم هو التكييف الذي نقصده الآن.

والتكييف لم يختص به الفقهاء؛ بل نجده لدى الباحثين في القانون والاقتصاد، ومن طالع كتبهم أدرك ذلك كاختلافهم في تكييف عقد التحكيم، واختلافهم أيضاً في تكييف بعض العقود المعاصرة كالإيجار المنتهي بالتمليك وغيرها.

ومما يوضح أهمية التكييف والحاجة إليه وأنه لا يمكن الاستغناء عنه أن الفقهاء المعاصرين حين بحثوا النقود الورقية إبان ظهورها كان اختلافهم ناشئاً من تكييفها فمن كيّفها سلعاً أجرى حكم السلع عليها ،ومن كيّفها فلوساً أجرى حكم الفلوس عليها ،ومن كيّفها نقداً قائماً بذاته - وهو الذي استقر عليه الفقهاء الآن وصدرت به قرارات المجامع - أجرى الحكم عليها وفق هذا التكييف.

فهل لفقيه أو باحث أن يحكم فيها - وهي مثال فقط- من دون تكييف ؟! وقد لا نعبر بالتكييف فلا يضر كما لو قلنا : من اعتبرها سلعاً أو إن اعتبرناها سلعاً فحكمها كذا، ومن اعتبرها فلوساً فحكمها كذا.. الخ فالمؤدى واحد.

* ذكرتم مصطلح (التنظير) فما معنى التنظير؟

- التنظير من النظير وهو الشبيه، ونعني به البحث عن نظير المسألة المعاصرة لدى المتقدمين، والتنظير مصطلح معروف مستعمل لدى المتقدمين، تكفي الإشارة لكتب الأشباه والنظائر ككتاب كل من السبكي والسيوطي وابن نجيم.

ومن وجهة نظري فإن التنظير فرع عن التكييف وليس العكس، ومن هنا فبعض المسائل المعاصرة يكفي فيها التنظير كما سيأتي، وبعضها لابد فيه من التكييف وهو مشتمل على التنظير أو على نوع من التنظير.

* وماذا تقصدون بتكرار النظر في الواقعة وإن كانت للمفتي فتوى سابقة؟

- تكلم الفقهاء والأصوليون عن تكرار حدوث الواقعة وهل يستوجب إعادة النظر والاجتهاد؟

وخلاصة ما يظهر لي هنا أن يقال:

إن نسي فتياه السابقة أو دليلها وجب عليه إعادة النظر والاجتهاد فيها, وكذلك إن استجد في الواقعة ما تتغير به الفتوى.

وأما إذا خلا الحال من ذلك أي لم ينس فتياه ولا دليله ولم يستجد في الواقعة من جديد فإن إعادة النظر والاجتهاد ليست واجبة عليه، ولكنها مندوبة ووجه الندب ما يدركه المفتي من تمام الملكة الفقهية بتكرار النظر والاجتهاد وما يضيف في المسألة من مزيد التأمل والنظر والاستدلال والاستنباط, وهذا أمر مشاهد.

وما قررته سابقاً وهو مما استفدته من مجموع كلام الفقهاء والنظر الصحيح هو القاعدة في عموم المسائل؛ ولكن حينما تختص الفتوى بمسألة معاصرة فلا شك أن تكرار النظر يتأكدّ جداً لخصوصية المسائل المعاصرة من حيث تجدد صورها وما يحتف بها في كل مرة من ملابسات جديدة قد تتغير بسببها الفتوى.

فعلى سبيل المثال لو كانت الفتوى في واقعة تتعلق بالإيجار المنتهي بالتمليك أو المرابحة للآمر بالشراء وكان مضى عليها سنوات فإن المفتي ينبغي أن يعيد النظر في المسألة وإن كانت في الظاهر هي ذات المسألة التي أفتى فيها منذ سنوات وذلك لأن المقصود بالإيجار المنتهي بالتمليك أو المرابحة للآمر بالشراء قد لا يكون هو ذاته الذي كان موجوداً في زمن الفتوى السابقة فالمستفتي يسأل عن معاملة مسماها مرتبط بما هو شائع في وقت الاستفتاء, ولا يخفى على من له عناية بالمسائل المعاصرة ولاسيما المالية منها أنها تتغير صورتها من وقت لآخر وهو تغير ملحوظ تتميز به أكثر من غيرها من المسائل.

ويتضح ذلك بأمثلة أخرى أيضاً كالصكوك أو أسهم شركة معينة قد تكون محرمة في السابق ثم طرأ ما يبيحها أو العكس.

لهذا كله فإن المسائل المعاصرة ينبغي ألا يستصحب فيها ما قاله الفقهاء في تكرار النظر إذا تكرر حدوث الواقعة بل هي أخص بكثير حتى قد يقال بوجوب إعادة النظر في كثير من المسائل المعاصرة ولو بالتأكد من عدم تغيرها وما يطرأ عليها.

* هل من تنبيه على بعض الأخطاء أو الخلل في تناول المسائل المعاصرة أو النوازل ؟

- نعم يمكن الإشارة إلى شيء من ذلك أنبه به نفسي أولاً إذ لست في مقام الحكم على غيري، وكثير منهم بلا شك أعلم مني في هذا الباب، فمن هذه الأخطاء (وكثير منها قد يشمل المسائل المعاصرة وغيرها) :

1) تخريج المسألة المعاصرة على أي قول فقهي سابق.

2) تفسير القول المخرج عليه بغير مقتضاه، فالخطأ ليس في اختيار القول؛ بل في تفسيره أو تضمينه لوازم ليست من القول في شيء ولا يقول بها قائله، ومنشأ الخطأ اعتبار هذا القول هو ذاك القول أما لو أنشأ الباحث القول من تلقاء نفسه فلا حجر على أحد ويبقى النظر في القول الذي أنشأه من حيث قواعد قبول قولٍ جديد.

3) التكييف الفقهي الناقص، حيث قد لا يستوعب حقيقة القضية المعاصرة، وقد لا يتبين ذلك الخطأ إلا بعد حين، أو قد يتجدد في القضية المعاصرة ما يقتضي إعادة النظر في ذلك التكييف، وبينت أن أحداً لا يخالف في خطأ التكييف الناقص؛ ولكن سنختلف في اعتبار هذا التكييف ناقصاً أو ذاك، وفي تقديري أن الخطأ قد ينشأ من عدم ما يمكن تسميته بالاختبار الموسع والمتعدد لهذا التكييف الذي توصلنا إليه كي نتحقق صحة التكييف وملاءمته أو يظهر لنا ما فيه من نقص فنتممه.

4) التكييف الفقهي المقتضي لوازم فاسدة، فمن المهم في منهج دراسة القضايا المعاصرة ألا ينقطع الاتصال بالواقع في جميع مراحل دراسة القضية المعينة، بمعنى أن نستصحب التكييف أو الحكم الذي قررناه في هذه القضية في جميع أحوالها وصورها وأن نمنح وقتاً كافياً للتأمل في آثار هذا التكييف أو الحكم وتمحيص ثمرة الخلاف وأن نعترف باللوازم على القول الذي اخترناه كيلا نقع في التناقض، ثم بعد ذلك نختار : إما المضي في هذا القول والتزام جميع لوازمه، وإما إعادة النظر فيه ما دام يلزم عليه ذلك.

5) تخريج المسألة المعاصرة على قول مركب من عدة أقوال، وقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي على خطأ التلفيق لاسيما إذا أدى إلى الأخذ بالرخص لمجرد الهوى، أو إلى مخالفة الإجماع أو ما يستلزمه، أو أدى إلى حالة مركّبة لا يقرها أحد من المجتهدين.

6) ومن الأخطاء : تفريق المسألة المعاصرة والحكم على أجزائها، وقد بينت سابقاً أن تركيب العقود أو تجميعها ليس بذاته خطأً؛ ولكن الخطأ في إسقاط حكم أجزاء العقد (أو المسألة عموماً) على الصورة الناشئة من المجموع؛ والأصوب في نظر الباحث منهجياً هو إعادة النظر في الصورة الجديدة نظراً مستقلاً لا يتأثر بالنظر في أجزاء المسألة.

7) عدم اطّراد الأصل، حيث ينبغي للباحث والمفتي أن يتأمل المسائل ليتثبت من الأصل والعلة التي اعتمد عليها وأن تحظى من التأمل والدراسة ما يكفي لاعتبارها محررة فذاك أقرب إلى الاطراد وعدم الغفلة عن الأصل عند النظر في مسائل أخرى.