Saturday 26/10/2013 Issue 15003 السبت 21 ذو الحجة 1434 العدد
26-10-2013

معازف الرحيل وأغنية الوجع

في رثاء والدي سُليم بن أحمد الرشيد، «رحمه الله»، المتوفى يوم السبت 15-11-1434هـ:

أوَ هكذا يُطوى جلالُك يا أبي؟

ما زلتُ بين مصدِّقٍ ومكذّبِ

أودعتُ في عينِ المتاهة سَلوتي

ولفَفْتُ إشراقي بوحشةِ مغربي

ورجعتُ محمومَ اليقينِ، مفَزَّعًا

أستاقُ في يَبَسِ المسافةِ موكبي

وتركتُ بعضيَ خلفَ بعضيَ سادرًا

ونسيتُ في الشُّرُفاتِ أنفاسَ الصبي

من غربتي آوي إليك فينطوي

جزعي على وجعٍ سخيٍّ أعجبِ

ما كدتُ أضحك للضحى حتى دَهتْ

وجَناتِه البيضاءَ لطمةُ غيهبِ

ولقد كففْتُ مدامعي وأنا بها

شَرِقٌ تُطلُّ من الحِداقِ وتختبي

وظننتها- والظنُّ ولّادُ المنى-

ستغيضُ إثْرَ الموسمِ المتذبذبِ

فإذا بها بعد الرحيلِ غمامةٌ

ثكلى تهيِّئُ ألفَ حزنٍ صَيِّبِ

فجثوتُ في كهفِ الذهولِ معذّبا

وتواتُرُ الأشجانِ شرُّ معذِّبِ

يا مقلتي هذا أوانُك فاخضبي

بِيضَ الشجونِ فأنتِ خيرُ مخضِّبِ

لن أردعَ العينين عما اختارتا

فالدمعُ أوجعُه الذي لم يُسكَبِ

الذكرياتُ الناثراتُ أريجَها

يروينَ سيرةَ طيّبٍ من طيّبِ

والكُتْبُ والركنُ الحليمُ ودفترٌ

ريّانُ بالكلمِ الرفيق الأحدبِ

فقدتْك فارتعشتْ على أوصابِها

وبِها ذهولٌ من فجيعتِها، وبي

لولا مخالطتي القوافيَ برهةً

وتقلّبي في روضها المتقلِّبِ

لرضيتُ من شعري بأسنحِ بادهٍ

لو كان من أرثيه غيرَك يا أبي

طوَّقتَني شوقَ النخيلِ إلى الذُّرا

وعقدتَ ناصيتي بأضوأ كوكبِ

وسَنَدتَ ضعفي يومَ قلَّ مُساندي

ورفعتَ ما بين المناكبِ منكبي

ففقأتُ عينَ المستحيلِ وصُغتُ من

ذهَبٍ تقطِّرهُ الكواكبُ مذهبي

وسريتُ في الغسقِ المماطلِ مُقمِرًا

وصددتُ عن رهَقِ المدار الأجربِ

واليوم أوحدني الضنى في بحرِه

غِرًّا وأنكرتِ الشواطئُ مركبي

وحُرِمتُ وجهَك قبل فقدِك، ناشَني

وجعانِ يصطليانِ جمرَ تلهُّبِي

فأنا على عتباتِ فقدِك ساهدٌ

لي وجهُ مقرورٍ وزفرةُ متعبِ

ووددتُ لو أشري بقاءَك، موقِنًا

أني أعلّقُ بالمجرّةِ مطلبي

إن المُعَوَّقَ -لو أطاق- لمُشترٍ

بنفيسِ ما يحويه حظَّ الأحدبِ

للموتِ يا أبتي فحيحٌ غامضٌ

كعُواءِ ريحٍ، كالتِماعةِ سبسبِ

أبدًا يحدِّثُ خاطرٌ عن خاطرٍ

عنه، ويُفصحُ مسهِبٌ عن مُسهِبِ

يتهافتون على مفالي سرِّه

ويَفِيءُ أعلمُهم بجهلٍ مخصِبِ

من جرّبوه تواطؤوا ألا يشُوا

بحقيقةٍ عنه لغيرِ مجَرِّبِ

ضمرتْ قلوبُ الناسِ عند طروقِه

فتفازعوا منه لأدنى مهربِ

فعساه رَوحٌ يصطفيك وراحةٌ

تسليكَ عن لغبِ الطريقِ الأشهبِ

يا ربِّ، عبدُك جاء صَديانَ المنى

وبقلبِه شغَفٌ بأعذبِ مشربِ

حملَ اليقينَ ولم يزلْ متأهِّبًا

ولديك خيرُ ضيافةِ المتأهِّبِ

فامنُنْ، وأورثْه العرائشَ جنةً

خضراءَ تحتضنُ الخلودَ وتستبي

سامرتُ ألوانَ الأُسى فوجدتُها

أُنسًا، وأعظمُ أسوةٍ موتُ النبي

مقالات أخرى للكاتب