Sunday 27/10/2013 Issue 15004 الأحد 22 ذو الحجة 1434 العدد
27-10-2013

من (باريس نجد)..؟!

أكتب إليكم اليوم من (باريس نجد). من مدينة (عُنيزة) في منطقة القصيم. هذه أول زيارة لي إلى هذه المنطقة وإلى عنيزة تحديداً، والفضل في ذلك يعود لمعالي الشيخ (عبدالله بن علي النعيم)، رئيس مجلس إدارة الجمعية الخيرية الصالحية في عنيزة، الذي هاتفني وكاتبني فدعاني

لحضور حفل افتتاح مركز الأميرة (نورة بنت عبدالرحمن الفيصل) الاجتماعي، وفعاليات مهرجان عنيزة الثقافي في دورته الرابعة، وإلى أمين عام الجمعية الأستاذ صالح الغذامي وزملائه الكرام.

* عنيزة .. بصيغة التصغير، نسبة إلى (العُنْز)، التي تعني الأكمة السوداء، يؤيد ذلك ما رواه الأزهري عن الأعرابي من أن العُنْز القارة أو الأكمة السوداء، وقال ياقوت الحموي في معجمه: أن من معاني العُنْز ما فيه حزنه من أكمة أو تل أو حجارة، والتاء فيه لتأنيث البقعة. قال المؤرخ الشيخ محمد بن ناصر العبودي: يعتقد البعض أنها الأكمة الواقعة على الشارع التجاري الآن عند مدخل سوق السدرة، وقيل الأكمة الواقعة شرق مسجد الضليعة على بعد 300 متر، وقال آخرون: إنها الأكمة التي بني عليها مستشفى عنيزة العام، كما تعرف عُنيزة باسم (الفيحاء)، ومعناها الواسعة من قولهم: مكان أفيح.

* عن المؤرخ محمد بن ناصر العبودي نفسه في كتابه معجم بلاد القصيم الجزء الرابع: (عنيزة هي المدينة الثانية في القصيم، وكانت في وقت من الأوقات السالفة، أكثر مدن القصيم سكاناً، وأقواها تجارة، وأرقاها مدنية، حتى سماها بعض السياح من غير أهل نجد: (باريس نجد)، وذلك لما يتمتع أهلها من لطف المعشر، ولين الجانب للأصدقاء والغرباء المسالمين، إلى جانب ما عرف عنهم من حماية العرين، والصبر في الذود عن الدار، والذب عن الجار. وعُنيزة هي مدينة الأدب والتاريخ في القصيم).

* تذكر كتب تاريخ عنيزة؛ أنها أقدم مدينة في القصيم، وثاني أقدم محافظة في المملكة بعد الدرعية، وأنها تأسست قبل بريدة بأكثر من 200 عام.

* ما علاقة عُنيزة بباريس..؟ ينسب إلى أمين الريحاني؛ صاحب كتاب: (ملوك العرب)، الكتاب الشهير، وهو أديب عربي كبير أميركي الجنسية، أنه عندما زار عُنيزة إبان رحلته إلى نجد عام 1341هـ قال: (عُنيزة قطب الذوق والأدب، باريس نجد. وهي أجمل من باريس إذا أشرقت عليها الصفراء، لأن ليس في باريس نخيل، وليس لباريس منطقة من ذهب النفود، بل هي أجمل من باريس حين إشراقك).

* ظهرت عُنيزة كبئر ماء وواحة ثم قرية مسكونة في وقت مبكر قبل الإسلام، يدل على هذا ما يروى من أشعار قديمة لشعراء جاهليين منهم امرؤ القيس، وقد برزت في تاريخها الحديث في العهد السعودي الزاهر، بأن أصبحت منجبة لعدد كبير من العلماء والفقهاء والشعراء والأدباء وأرباب التجارة والمال، وحازت رضا المعجبين بها من مؤرخين وأدباء وأمراء، حتى أعطوها الكثير من الألقاب والأسماء، فهي الفيحاء، وملكة القصيم، وحصن الحرية، وقطب الذوق والأدب، والنور والأنوار، والرائدة، ومملكة التمور.. إلى غير ذلك مما يجسد مكانة عنيزة في الوجدان العام حتى عند غير أبنائها، كما مر بنا مع الأديب الكبير أمين الريحاني الذي أطلق عليها (باريس نجد)، وهو يعرف باريس الإفرنج قبل رؤية عنيزة.

* إلى جانب الكثير من الاهتمامات والمبادرات التي يبديها أهالي عنيزة- وهي كثيرة ودالة على وفائهم لمدينتهم وخدمتهم لأهلها- عنايتهم بالجوانب الإنسانية والثقافية بشكل عام، فجمعية الصالحية الخيرية، عنوان خيري كبير، يلتقي عنده أبناء عنيزة لتقديم خدمات مبتكرة، ربما لا تتكرر في مكان آخر، خيرية وإنسانية وأسرية وثقافية، فعنيزة تشهد مساء اليوم، افتتاح مركز الأميرة نورة بنت عبدالرحمن الفيصل، الذي يخدم المرأة والطفل بشكل خاص، ومعالي الشيخ عبدالله بن علي النعيم رئيس مجلس إدارة الجمعية، يشرح دور المركز قائلاً: بأنه يعمل على مد يد العون لأبناء المجتمع، عن طريق تنمية المهارات، وصقل القدرات لدى أفراده، وخاصة النساء، وتدريبهن وتأهيلهن لاستغلال أوقاتهن بما هو مفيد، وذلك من خلال تعليم العلوم التي يحتاج إليها سوق العمل مثل: اللغة الإنجليزية، والحاسب الآلي. أو اكتساب الحرف التي تعود عليهن بمردود معنوي ومادي يفيدهن وأسرهن، مثل: الخياطة، وأعمال السف، والسدو، إضافة إلى تقديم الدورات التأهيلية في مجال الإدارة وتطوير الذات، والإرشاد الاجتماعي.

* كما تشهد عنيزة مساء غد، انطلاق مهرجانها الثقافي في دورته الرابعة، حيث يلتقي نخبة كبيرة من الأدباء والمثقفين والباحثين.

أمين عام الجمعية الخيرية الصالحية بمحافظة عنيزة الأستاذ صالح الغذامي قال عن هذا المهرجان: إنه يهدف إلى تحقيق التواصل الثقافي مع المجتمع، بما يكمل مسيرة السياحة الممتدة طوال العام في عنيزة، كما يعمل على تأصيل المعطيات الثقافية المتجددة في بناء الأمة وتراثها وثوابتها، من خلال إبراز دور مدينة عنيزة الحضاري والثقافي على الساحة العامة، عن طريق مناقشة بعض القضايا الثقافية، إضافة إلى رعاية وتنمية المواهب الأدبية والفنية، وتلبية احتياجات المجتمع، من البرامج الاجتماعية والثقافية.

) جهود كبيرة حقيقة تبذل هنا من قبل أبناء عنيزة لصالح المجتمع في هذه المدينة والمحافظة، وهم يقدمون المثل الجيد والقدوة الحسنة، في طريقة توجيه وتوظيف القدرات الخاصة للأفراد، واستثمار القدرات المالية والإدارية والثقافية، لبناء وإدارة مؤسسات مدنية تنطلق من المجتمع وإليه.

H.salmi@al-jazirah.com.sa

alsalmih@ymail.com

مقالات أخرى للكاتب