Sunday 27/10/2013 Issue 15004 الأحد 22 ذو الحجة 1434 العدد
27-10-2013

شهِّروا بهم .. يحفظكم الله ..!

مر وقت طويل ونحن نختبئ خلف عبارات وجمل رنانة، يقدم فيها مجتمعنا كمجتمع فاضل، منزه عن الخطيئة، وكل سلبية توصف بأنها أخطاء أو تجاوزات فردية!

قضايا “التحرش” في المملكة بلغت خلال العام الحالي 2797 قضية. احتل فيها المواطنون المرتبة الأولى، وتنقسم قضايا التحرش إلى “استدراج حدث” أو “مضايقة النساء”.

طبعاً لك أن تضرب الرقم في 100 على الأقل، لأن هذا العدد فقط للحوادث التي بلغ عنها أو تم ضبطها.

المغطى أكثر من المكشوف، والمسكوت عنه أكثر مما يظهر للعلن، والحقيقة ليست دائماً ما نريد أو نرغب أن نرى، كانت الصورة الباقية أننا مجتمع ممتلئ بالوعاظ والدعاة والصحويين، مجتمع ترعرع في مراكز وتجمعات التوعية الإسلامية ومكاتبها، لم يكن للحزبية ملامح ظاهرة، كما أنه لم يكن للتربية تقييم أو مراقبة.

مجتمع طيب شبه ملائكي، أو كان هذا هو التوقع، مع كم الخطب والمحاضرات والإرشاد والتجمعات الوحيدة المتاحة والمشروعة، تجمعات المراكز الصيفية والمكتبات وحلقات الدروس بالمساجد والوعظ، وطبعاً نشاطاتها الجانبية المعلنة والسرية!، ثم هناك هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الجهاز المخصص لرعاية “الفضيلة”..!.

أضف إلى ذلك كله مناهج تعليم تشمل من مواد الثقافة الإسلامية والمناهج الدينية ما يكفي لتربية سكان الأرض - كما نعتقد -، إضافة إلى جامعات وكليات إسلامية... الخ..

في مجتمع فاضل - على ما يبدو - كهذا من يجرؤ على التجريم، والتفكير - مجرد التفكير - في سن قوانين تحمي النساء والأطفال من أي تحرش لفظي أو معنوي أو عملي؟! فالدعوة لسن مثل هذه القوانين قد تعد تهمة لهذه المنظومة التربوية - الإسلامية الاجتماعية - فضلاً عن أن كلمة القانون غير مريحة للبعض..!

ليصبح التحرش وكأنه وجد فجأة، وأضيف لقاموسنا، كان التجاوز الأخلاقي المعروف أمام كائن يدعى “المرأة”، هو “المعاكسات”.. وهي مشكلة تتسبب فيها المرأة المتبرجة، ومثل ما هي دائماً المرأة عدوة نفسها والمجتمع وسبب كل أخطائه وخطاياه - هذا ما تم ترسيخه بإصرار بالغ.

التحرش ليس ظاهرة أيضاً، بل سلوك فردي وطارئ على المجتمع، والسبب ما يسمى قنوات الفسق والفجور، ودعوات التغريب، وتبرج المرأة، والمعنى أنه لا يمكن لكل تلك التربية والبيئة أن تنتج مثل هؤلاء، يمرر البعض.

لا اعتبار للحياة والتطورات والتحولات المدنية والاجتماعية، وإعلان فشل الواعظ والمدرس والمحدث والمنزل، في إيصال رسالته الأخلاقية وتهذيب أخلاقيات المجتمع كما كان يتبنى، فالمتهم دائماً جهة أخرى، بما فيه الضحية، المرأة!

لكن قليل من التدقيق سيثبت أن المشكلة عكسية، تطور المجتمعات وتوسعها ووسائل الإعلام والاتصال أمر عام للبشرية وليس خاصا بنا، لنركز في مكان آخر، حيث يعجز التعليم العام عن مواكبة المتغيرات، وضيق وإخفاق ما يسمى الخطاب الديني للدعاة الجدد الذين يستخدمون لغة متجاوزة، أو أولئك الذين تفرغوا في حلقاتهم ونشاطاتهم لتجنيد وتحزيب الشباب لمصالحهم الحركية بغض النظر عن المستوى الأخلاقي اللفظي والمعنوي للحد من التغريب كما يتوهمون.

إذاً هي إشكالية اجتماعية ثقافية عميقة، إصلاحها يحتاج إلى برامج تتطلب وقتاً طويلاً. إلا أن مشكلة التحرش الحالية في المجتمع، تحتاج فوراً إلى قانون صارم يعاقب المتحرش دون تبرير، ويشهر باسمه كاملاً وصورته في صحيفة منطقته المحلية.

أكثر العقوبات تأثيراً وقوة في المجتمعات كافة، وبشكل أكثر فاعلية في المجتمعات التي تربطها علاقات اجتماعية متينة لحد ما، هي التشهير.

لو تم ذلك ستجد الخط المستقيم المرسوم كما لو أنه قانون حاد، تجاوزه يسبب الخوف للمتحرش والمعاكس، والمخرب للحريات العامة.

شهّروا بهم، وسترون كيف تنكسر أرقام التحرش على مواد القانون بعقوبات حازمة.. لنحفظ للنساء والأطفال بعض كرامتهم وحريتهم في التنقل والحياة.

@AlsaramiNasser

مقالات أخرى للكاتب