Monday 28/10/2013 Issue 15005 الأثنين 23 ذو الحجة 1434 العدد
28-10-2013

في الشمال .. المبدعون الجدد حوَّلوا الأمكنة إلى تخيلات ورؤى!

الإبداع بوصفه نتاج التجربة الجماليَّة يتصف بالحسِّية والانفعالية والمجازية الصورية والمنظرية وهو نتيجة ثنائية الخلق والتشكيل، حيث يقتحم عوالم مفعمة بالرؤى، فيغدو خلقًا وتوليدًا لمتخيلات من جهة ورؤى ومواقف من جهة أخرى،

إِذْ فيه يتجاوز العمل فيعبّر عن مساحات جماليَّة يتجلَّى فيها الإبداع، كون العمل الإبداعي محفزًا عقلانيًّا للغوص في أعماق الروح الإنسانيَّة ومعالجة اليومي من خلال العمل الجمالي، الذي هو جواز عبور المبدع صوب المستحيل بتجاوز الواقع وإعادة خلقه إبداعيًا من خلال الانزياحات الدلالية التي تسمح بالابتعاد عن الاستعمال المألوف للعمل وخوض غمار الأسئلة من أجل إيقاد شرارة الفكر، وشحذ الذاكرة الجمعية لتحقيق الوعي الذي يعني الموقف الفكري الملتصق بالإنسان عبر منظور واعٍ للتجربة التي هي مغامرة المبدع لحظة أمتلاكه الوعي واتقاد وجدانه من أجل اختراق الآفاق الزمانية والمكانية بصيغة دينامية متجاوزة للمألوف ومستنطقة للقيم الجماليَّة التي تحقق فعلها الوجودي، والمبدعون الجدد في الشمال أنجزوا الإبداع المقترن بحركة التطوّر الذي تشهده البلاد بشطور مطرد، وأسهموا في حركة التجديد الإبداعي عملاً دؤوبًا وفعلاً واقعًا وإنجازًا رائعًا حسب الإمكانات المتاهة وتحت تأثير الأفكار النيِّرة التي سادت روح الشباب الشمالي الواعد المعطاء المتسربل بوطنيَّة عالية وطموح لا حدود له، كون هؤلاء الشباب يستنطقون الفعل الإبداعي الذي ينتهي نحو الجمال الأخاذ، وفق أعمال خالقة لصورها التي تشكّل قدرة التوصيل باختزال الوجود ونسجه في بناء تخييلي من أجل تحفيز الذاكرة والبصر على التشكيل البنائي المؤثِّر بايحاءاته وانزياحاته وطاقته التصويرية والدلالية التي تشكّل الوظيفة الجماليَّة للتجربة العملية الإبداعية، فـ(الشعبة) العطرة الحسنة البهية (طلعة التمياط) و(العويقيلة) و(الهباس) وغيرها من الهجر العديدة الممتدة بمحاذاة طريق الشمال الدولي، زهرات شماليَّة عابقة أوجدت جمالها العقول الوطنيَّة الفاعلة التي لا تعرف اليأس ولا تضاجع الكسل، فالإبداع عندهم كونه يتلبد أفقه بإشارات مكثفة رامزة ترتكز على انزياحات الصورة المنفتحة على فضاءاتها الهندسية فتؤثث مساحتها ببنية تتكئ على مشاهد بصرية تنساب برقة في وجودها الذاتي والموضوعي، ففاعلية الرؤية عند هؤلاء الشباب فاعلة في إدراك الذات والأشياء ومستوى البناء العملي الفني، لذا خرجت أعمالهم مازجة ما بين المشهدية والحدث من خلال توظيف الطّبيعة الساكنة وانسنتها في بناء متسم بالعفوية المعمقة التي مكنتهم من النفاذ إلى الذاكرة واعتماد التركيز والتأملية المكتنزة بالايحاءات والرموز التي هي خيار جمالي وتقنية فيَّة تنطلق من الواقع وتتجاوزه فتقدم مشاهد مبهرة تميّزت بكثافتها ودقة تراكيبها الدالة، أن هؤلاء المبدعين الجدد استعانوا بنوع من التكثيف والاقتصاد الإبداعي واللحظات المتسارعة المشحونة بالحسن والجمال مع درامية دينامية تميّزت بدقتها الشعورية التي تقوم على فكرة حدثية وبناء شكلي يتسم بالاختزال الفعلي الذي يحمل العمق الدلالي الكامن من أجل تقديم عالم مكتمل في تنسيقه الجمالي نتيجة اكتنازه الدلالي وعمقه الفني واتسام صورته بالتكثيف وصولاً إلى أقصر أشكال الإبداع التي تنقل عملاً جمالياُ بعاطفة متدفقة كي تخلق تكوينا محققًا لإثارة التحفيز الجمالي في البناء العملي وتحريك الذاكرة، لقد حوَّلوا التراب الأصفر والبيئة الصحراوية والرمل إلى لوحة بهية تأخذ لون الأرض ونظرات الشمس وخيوط القمر، لقد حول هؤلاء الشباب والمبدعون الجدد في الشمال الأعمال الإنجازية إلى رؤى فكرية عبر انزياحية محتفظة بعمق الموجودات والأشياء التي ترمز للأشياء وفق عمل استدلالي شفيف مع صدق الدلالة التي تتمحور العمل المنتج، إذ بنى هؤلاء أعمالاً ومسطحات تعتمد الذاكرة بانزياح فكري بعد أن هيأوا للعمل الإبداعي كي يبعث النشوة المنبعثة من أمكنة ملتهبة بالحسن، في الشمال وظف هؤلاء المبدعون حسب إمكاناتهم كل تضاريس الأرض ووعورة المكان وقسوة المناخ من أجل إيجاد لوحة جماليَّة تمنح المقيم والمسافر مساحة من النشوة والطمأنينة والاسترخاء الناعم، وكي يثبتوا لهم مقدرة الإنسان حينما يتجلَّى عنده الإبداع، وبذلك قدم هؤلاء أعمالاً إبداعية جماليَّة معبرة عن صدق التجربة الإبداعية التي مكنتهم من استقصاء الجوانب البنائية والتعبيرية، فكانت أعمالاً متوجة لتجربة اختزنتها ذواتهم الراقية وبثتها على فضاءات الأرض بوصفها نتاج التجربة الجماليَّة المنبثقة من موقف حسي بهي يتعامل مع الواقع بكلِّ ظروفة، وينقل المشاهد صوب بؤر العمل المتمثل في القيمة الجماليَّة للظواهر الطبيعيَّة التي ابتدعوها بكلِّ انسيابية تامة.

ramadanalanezi@hotmail.com

ramadanjready @

مقالات أخرى للكاتب