Monday 28/10/2013 Issue 15005 الأثنين 23 ذو الحجة 1434 العدد
28-10-2013

ولا تقربوا الصلاة!!

من وقت لآخر، يخرج علينا بعض مسؤولينا الاقتصاديين ببعض المواعظ الاقتصادية، ولكن قبل الحديث عنها سأقدم خلفية تاريخية تخدم الموضوع:-

oفي عام 1776م، ألَّـف آدم سميث كتابه The wealth of Nations، وهو الكتاب الأهم للرأسمالية. وباختصار هو يؤكد على دور عوامل السوق من عرض وطلب، ويرى أنها كفيلة بتنظيم الحركة الاقتصادية، وسمى تلك الآلية بـ»اليد الخفية»، وهو ما يقود إلى استنتاج أنه لا حاجة لتدخل الحكومة؛ فالأمور ستنظِّم نفسها بنفسها.

oفي عام 1848م، نشر كارل ماركس وفريدريك انجلز البيان الشيوعي، وكانت أوروبا الصناعية تغلي في ذلك الوقت؛ بسبب معاناة الطبقات العاملة، وفشل رأسمالية سميث في تقديم النموذج الاقتصادي الناجح؛ إذ إن الاحتكارات الاقتصادية وفشل شرائح كبيرة من المجتمع في تحسين أوضاعها خلقا من الفكر الاشتراكي والشيوعي منافساً للفكر الرأسمالي، وكانت كل المؤشرات تدل على قرب سقوط إنجلترا وفرنسا وألمانيا في أحضان الفكر الشيوعي، ولكن الفكر الشيوعي تأخر حتى عام 1917م، عندما نجح في الثورة البولشيفية الروسية بقيادة لينين، وفي مجتمع زراعي، وليس صناعياً، كما كان متوقعاً.

oفي ثلاثينيات القرن العشرين، جاء الاقتصادي الإنجليزي جون مينارد كينز، وهو الذي أنقذ الرأسمالية، من خلال إجرائه تعديلات واقتراحات عـدة، من أهمها إقناعه للآخرين بأنه لا يمكن أن تترك عوامل السوق فقط لتنظم العمل، وإنما لا بد من تدخل ما للحكومة، وخصوصاً في دعم الطبقات الفقيرة، ومن هنا جاءت فكرة نظام الضمان الاجتماعي.

تلك المقدمة التاريخية كانت ضرورية للحديث عن المواعظ الاقتصادية المحلية، التي يلقيها البعض كرؤوس أقلام، دون أن يعطوا الموضوع حقه، أو كما ذكرت في العنوان عدم إكمال آية {ولا تقربوا الصلاة}!! وسأعطي مثالين فقط:-

1 - الإعانات تشوّه الاقتصاد الوطني: هذا كلام صحيح، ولكن لماذا لا يكون الحديث عن كل التشوهات، ومنها الإعانات؟ بل سأدعي أن التشوه الذي سببه ويسببه أسلوب منح الأراضي والاحتكارات، ورفض فكرة تطبيق الزكاة، أو الرسوم عليها، كلها تتسبب في تشوهات، تزيد أضعاف أضعاف الضرر الذي تمثله الإعانات.

ثانياً: الإعانات وُجدت لحاجة ما، وفي ظرف ما؛ ولذلك إن كانت الموعظة تقود إلى التوصية بإنهاء نظام الإعانات فما هو البديل المقترح؟؟ ولماذا لا نتحدث عنه في سياق الحديث عن الموضوع، بدلاً من الحديث العام؟؟

2 - موعظة اقتصادية أخرى تنتقد إنتاجية الموظف الحكومي، وكلنا نعلم ونعايش ذلك الوضع، ولكن السؤال: ما الحلول المقترحة؟ وخصوصاً أن أعداد الموظفين في تزايد، طالما أن سياسة التعليم والعلاج الطبي مستمرة في وضعها الحالي المجاني، ولكن غير الكفء، لتوفير التعليم أو المعالجة الطبية!! لماذا لا تطرح الحلول الجذرية الآن، بدلاً من الحديث في العموميات؟! وأعني ضرورة البحث الجـدّي في تخصيص قطاعَي التعليم والصحة؟!

تلك المواعظ بتركيزها على العموميات ذكَّرتني بقصة من تاريخنا الحديث، لا يعرفها الكثيرون، هي أنه عندما ارتفعت أسعار البترول في بداية السبعينيات الميلادية، تقاطر على المملكة رؤساء دول كثيرون، وقبل زيارة أي رئيس دولة كان يُعقد اجتماع وزاري برئاسة سمو الأمير مساعد بن عبد الرحمن - رحمه الله - لبحث جدول الأعمال المتوقع، وعندما سأل الأمير مساعد عما يريده الضيف القادم قيل إنه يرغب في التزام المملكة لدولته بعدد محدد من براميل النفط يومياً، وعندها سأل الأمير عما نريد نحن؟ كانت الأجوبة عامة، ومرتبكة، حول الحصول على «تقنية متقدمة»!! عندها أغلق الأمير ملفه، وطلب من الحاضرين الاستمرار في اجتماعهم؛ حتى يعرفوا ما يريدون، وبالأرقام، ثم يدعونه للاجتماع!! رحم الله الجميع.

mandeel@siig.com.sa

مقالات أخرى للكاتب