Tuesday 29/10/2013 Issue 15006 الثلاثاء 24 ذو الحجة 1434 العدد
29-10-2013

(قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ)!

حينما خرج موسى عليه السلام هارباً من مصر بسبب قضية جنائية وتوجّه إلى مدين؛ وجد جمعاً غفيراً من الناس يسقون غنمهم من البئر وعلى بُعد منهم تقف فتاتان تنتظران انحسار الرعاة، ولم يكن من المألوف آنذاك ورود الفتيات للسقيا فهو عمل مناط بالرجال، لذا توجّه موسى نحوهما مستغرباً من تواجدهما ملقياً سؤالاً مندهشاً: ما خطبكما؟ وما الخطب سوى غير المعهود!

أوضحت الفتاتان ببساطة أنّ والدهما كبير السن وأنه فوّضهما بكلِّ ثقة واستئمان، أن تقوما بدلاً منه بالسّقي حتى ترتوي الغنم وتجلبا ما تيسّر من الماء لتسير عجلة الحياة، ولم يقل إنهما جوهرتان مكنونتان، فلتمت الغنم ولا تخرج البنات ويزاحمن الرعاة!

وحين عادت الفتاتان لأبيهما أبلغتاه بفعل الرجل الشهم، ولم تتفقا على إخفاء الأمر؛ لتأصُّل الثقة ولرسوخ الصِّدق والشفافية بينهما ووالدهما، وليقينهما المطلق أنه لن تساوره الظنون ولن يخطر بباله بوادر شك بتصرُّفهما أو إشارات تحرّش!

ولم تكتفِ إحدى الفتاتين بالتصريح بإعجابها بالفتى؛ بل إنها طلبت بجرأة وشجاعة وثقة بنفسها وبأبيها، أن يوظفه لديهم لوجود ميزتين (القوة والأمانة)، وهاتان الصِّفتان أفضل ما يتحلّى بهما الرجل. ولم يسفـِّه الأب ابنته أو يقاوم رغبتها الملحّة، بدعوى أنها قاصر ومحدودة الفكر ولا تعرف الرجال ولا تدرك شيئاً من شؤون الحياة؛ بل إنه وافقها على الفور وطلب منها استدعاءه، فنهضت مسرعة لوحدها متجهة نحو الفتى النَّبيل الذي لم يخطر ببالها أنّ الله سيقدر لها وله الزواج بعد عدّة سنوات!

وعندما وصلت إليه ووقفت أمامه بخجل، قالت له بلغة مهذّبة {إنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا}، وبرغم أنه أوضح للأب أبعاد قضيته الجنائية وهروبه؛ إلاّ أنّ الشيخ اعتمد على مقابلته الشخصية ورأي ابنته الحكيم، وبعدها تم الاتفاق بينهما على أن يرعى الغنم بأجر، يكون في النهاية مهراً لزواجه من ابنته الصغرى، التي نبّهت لفضله وأشادت بأمانته، ولم يزوِّجه الأخرى التي اكتفت بالمشاهدة والصّمت! وهو ما يشير إلى إكبار الأب لعقل ابنته وتقدير مشاعرها، وتثمين إعجابها العفيف بسلوك الفتى وأمانته، وكان زواجها منه مكافأة لجرأتها وتعبيرها عن رأيها السديد ونظرتها المتّزنة. ولم تكن تعلم أنّ هذا الفتى يؤهله ربه ليكون نبياً مرسلاً للأمة اليهودية التي كانت ترسف بأغلال الجهل والعبودية، حيث يسيطر عليها ديكتاتور متجبِّر هو فرعون الذي خاض معه موسى جولات بين الحق والباطل، وقد ظهرت بجلاء قوة موسى عليه السلام مع فرعون، وأمانته مع أمته!

rogaia143@hotmail.com

Twitter @rogaia_hwoiriny

مقالات أخرى للكاتب