Saturday 02/11/2013 Issue 15010 السبت 28 ذو الحجة 1434 العدد

مكتسبات الطبيعة في خطر

معاول التدمير بدأت في إتلاف (واحات الباسقات)

بالرغم من حرارة الجو الشديدة إلا أنني أحببت قضاء إجازة العيد في أرجاء الوطن، تحديداً في محافظة الأحساء، التي يجذبني لها حسن تعامل أهلها. فعلاً عندما تكون بين أهل الأحساء ينتابك شعور بأنك بين أهلك وأقاربك لحسن تعاملهم وكرم ضيافتهم. والأحساء أو كما تسمى (هجر) تُعتبر أكبر واحة للنخيل في العالم، وزيادة على ذلك فمحافظة الأحساء تقع على مساحة خمسمائة ألف م2، أي ربع مساحة المملكة العربية السعودية، وتصل حدودها إلى سلطنة عمان والربع الخالي. وقد لفت نظري منظر غير مألوف، تألمت كثيراً عندما رأيته، وشعرت بالأسى.. وذلك المنظر هو بداية التصحر المفتعل؛ لأن بعض أهالي الأحساء من الذين يملكون واحات النخيل قد باعوا بعضها لتجار العقار، وجُرفت بالجرافات لكي يؤمن مواقع للمخططات السكنية. والأحساء التي كانت ولا تزال سلة غذاء الخليج العربي عرفت بتلك الثروة الغالية التي تشكل مصدراً مهماً من مصادر الأغذية. الباسقات، تلك الشجرة الجميلة المنظر الكثيرة الفائدة؛ لأن أجدادنا وآباءنا - رحمهم الله - كانوا يجنون منها فوائد متعددة، مثل استخدام العسف في صنع الأحصرة، ومفردها حصير، لغرض الافتراش، وصنع المراوح اليدوية (المهفة)، ويستفيدون من الليف في تنقية منتوجات الألبان والقهوة، كما أن كرب النخيل كانت توقد به نار الطبخ، ويستفيدون من الدبس كمادة غذائية أساسية.

أما جذوع النخيل فتستخدم في صنع الأبواب الكبيرة ومصدات للسيول الجارفة، ويستفيدون من عسبان النخل (الجريد) في صنع السواتر الطبيعية وتغطية أسقف المنازل.

وقد كرمت الدولة شجرة النخلة بأن وضعت صورتها بين السيفين كشعار محبب للنفس.

والشيء المؤسف حقاً أن ظاهرة اقتلاع النخيل بدأت أيضاً في طيبة الطيبة (المدينة المنورة)؛ لأن بعضاً من تجار العقار في جدة والرياض قد اشتروا بعض بساتين النخيل في المدينة، واقتلعوا نخيلها، وحوّلوها إلى مخططات سكنية بمساعدة الأمانات والبلديات. وأشجار النخيل يجب ألا تمتد إليها يد الدمار، تلك الشجرة تعمر نحو مائتي عام، وتعطي ثمراً كل عام.

من خلال هذا الطرح أوجّه نداء إلى كل مسؤول بأنه من المعروف أن بلادنا المملكة العربية السعودية ثاني أكبر دولة عربية بعد تقسيم السودان تشكّل فيها الصحاري الجرداء قسماً كبيراً، ولا يوجد بها أنهار ولا بحيرات، وتكثر بها العوادم الصناعية، فهل من حاجة إلى استئصال رئة الطبيعة (الغطاء النباتي) سواء كان شجر نخيل أو أي أشجار أخرى؟ هناك مثل في نجد يقول «ضاقت الوسيعة»، بمعنى هل نحن في شح من الأراضي لكي نقضي على مكتسبات الطبيعة، التي تسهم في الأمن الغذائي مساهمة فعالة؟

فمما لا شك فيه أن الأمانات والبلديات في جميع المحافظات قد عمدوا إلى غرس أشجار النخيل (أقصد الأعجاز منها) في الجزر الوسطية للطرق والميادين كلمسات من لمسات الجمال، وبالرغم من أن أعدادها يتعدى مئات الألوف إلا أن ثمرتها غير مفيدة، ولا تصلح إلا علفاً للبهائم بسبب تأثرها بحرارة الأسفلت الذي يحيط بها، وكثرة عوادم السيارات، وقلة العناية السنوية والسقيا الضعيفة.

نداء أزفه إلى صاحب السمو الملكي وزير الشؤون البلدية والقروية بأن يأمر بتفعيل قرار الملك فيصل - طيب الله ثراه - الذي أمر بعدم جواز قطع الأشجار مهما كانت الأسباب إيماناً من جلالته بأن الغطاء النباتي والأشجار من العناصر الأساسية للمملكة.

أخيراً، كل مسؤول من ذوي أصحاب القرار من أمراء المناطق والأمناء ورؤساء البلديات مدعوون جميعاً للوقوف صفاً واحداً في وجه كل الإجراءات التي تبيح التصحر الذي فُرض علينا من الصحاري والمدن على حد سواء.

باختصار شديد: من حق الأمانات والبلديات أن تمنع تحويل الأراضي الزراعية إلى أراضٍ سكنية؛ لكي تقطع الطريق أمام الجشع الذي مُسحت به الوطنية.

إبراهيم بن محمد السياري - الرياض