Sunday 03/11/2013 Issue 15011 الأحد 29 ذو الحجة 1434 العدد
03-11-2013

المواطنة والثقافة الأممية

ثقافتنا السياسية مرت خلال الخمسين سنة الماضية بحقبتين أولاهما مرحلة تفشي الثقافة القومية (الأممية) التي تؤمن بالعرب كأمة، وتعتبر الأوطان مجرّد (أقطار) لا بد أن نسعى إلى تذويبها في الدولة الوحدوية (العربية) الواحدة، والممتدة من الخليج شرقاً وحتى الأطلسي غرباً، ومن بحر العرب جنوباً إلى لواء الأسكندرونة شمالاً. ولأنّ الثقافة القومية هي الثقافة المنتشرة بشكل كاسح عند العرب في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فقد نشأت استجابة لهذه الثقافة عام 1958 (الجمهورية العربية المتحدة) من دولتين عربيتين هما مصر وسوريا، عاصمتها القاهرة، ورئيسها «جمال عبدالناصر». غير أنّ هذه الوحدة العاطفية (المفبركة) لم تلبث إلاّ أن سقطت بانقلاب عسكري سوري عام 1961، وانهارت بانهيارها التجربة الوحدوية الأولى والأخيرة للدولة التي قامت شرعيتها على أساس قومي محض. وبحثاً عن زعامة (الأمة العربية) تحدّى عبدالناصر إسرائيل، وقال إنه سيرمي بها وبأهلها في البحر، ويُحرر فلسطين؛ فشنّت إسرائيل عام 1967 على العرب حرباً عاصفة وخاطفة لم تلبث سوى ستة أيام، احتلت فيها سيناء بكاملها مع قطاع غزة، والجولان السورية، والضفة الغربية من الأردن.

فشلت تجربة الوحدة بين مصر وسوريا، ومُنيَ العرب القوميون بهزيمة نكراء كاسحة ومهينة في 67 من عدوّهم الأول إسرائيل، فاكتشفت الشعوب العربية أنّ الشعارات، والعنتريات، والخطب العصماء، والوحدة التي يزايد عليها القوميون، لا تعدو أن تكون جعجعة فارغة ليس وراءها إلاّ الهزائم ناهيك عن التخلُّف التنموي في كل المجالات، إضافة إلى زوّار الفجر الذين كانوا يعتقلون كل من همس همساً لا يُرضي السلطة؛ فانصرف العرب عن الثقافة القومية شيئاً فشيئاً، لتحل محلها الثقافة السياسية (المتأسلمة)، خاصة بعد نجاح ثورة الخميني في إيران في نهاية السبعينيات من القرن الماضي وإسقاط الشاه؛ فسقط القوميون، وابتدأت مرحلة الثقافة المتأسلمة.

الإخوان المسلمون كحركة سياسية متأسلمة كانت أكثر الحركات جاهزية، وتنظيماً، وانتشاراً في العالم العربي بحكم قدم تاريخ إنشائها. هذه الحركة استبدلت (دولة الوحدة العربية) بطرح آخر استقته من النصوص والموروث الديني هو (دولة الخلافة)، واعتبرت أنّ الدول الإسلامية ليست إلاّ (أقطاراً) مشتتة، لا بد أن تنضوي في دولة وحدوية واحدة هي (دولة الخلافة) التي بشّرت بها النصوص؛ حتى أنّ منشوراً لجماعة الإخوان حين كانوا يحكمون مصر، تم توزيعه عندما خطب محمد العريفي في مسجد عمرو بن العاص في القاهرة مُبشراً بقرب تحقق حلم (دولة الخلافة)؛ جاء فيه بالنص : (إقامة الخلافة فرض على المسلمين والقيام بهذا الفرض هو كالقيام بأي فرض من الفروض التي فرضها الله على المسلمين، وهو أمر محتم لا تخيير فيه، ولا هوادة في شأنه، والتقصير فيه معصية). وهذا يعني أنّ (الوطن) عند الإخوان هو كيان طارئ ومؤقت، وبالتالي زائل، وليس أصيلاً؛ فالأصيل الذي يجب أن تنتهي إليه الآمال، وتشرئب نحوه الأعناق، ويكتمل به الإسلام، هو حلم (دولة الخلافة)، وإقامة هذه الدولة مثل إقامة الصلاة، فريضة يفرضها الدين؛ وبالتالي فمن أنكر إقامتها فقد أنكر معلوماً من الدين بالضرورة؛ والمنشور المذكور على هذا الرابط:

http://www.youtube.com/watch?v=hNPYOaz9iGo

ومن المقولات المشهورة التي انتشرت لـ «سيد قطب» منظر الإخوان الأكبر : (وما الوطن إلا حفنة من تراب وما العلم إلا وثن) !

لذلك يمكن القول إنّ هاتين الثقافتين، (الثقافة القومية) ومن ثم (الثقافة المتأسلمة) اللتين تلغيان الوطن وتُذوبانه في كيان أكبر، هما السبب الرئيس، والعائق الأقوى، الذي وقف (كثقافة) في سبيل ترسيخ المواطنة والانتماء للأوطان.

والسؤال الذي تطرحه المرحلة : هل فشل جماعة الإخوان الذريع في مصر على كافة المستويات، سيكون مشابهاً لفشل مرحلة القومية العربية، وبالتالي ممهداً لسقوط الثقافة السياسية المتأسلمة، وقيام مرحلة (الثقافة الوطنية)، التي ترتكز على أنّ الوطن هو الكيان الدائم و(النهائي) الذي لا نقبل بنقصانه، ولا نطمح لزيادته؛ وهو الانتماء الأول الذي لا يعلو عليه أي انتماء آخر، والأولوية لتنميته وقضاياه لا قضايا العرب والمسلمين؟

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب