Monday 04/11/2013 Issue 15012 الأثنين 01 محرم 1435 العدد

لا تلوموا التفاحة وتعفوا عن الشجرة

بقلم - ستيفن مانديس:

تفيد تقارير بأن «جاي بي مورغان تشايس بنك» يتعرّض لضغوط؛ كي يدفع غرامات وتعويضات، تزيد قيمتها على 11 مليار دولار، في سياق تسويته لتكلفة استقصاءات فيدرالية وحكومية حول ممارسات مرتبطة بمنح قروض رهن عقاري خلال طفرة الإسكان. ويأتي ذلك في أعقاب اتفاق بقيمة مليار دولار تقريباً، أُبرِم في وقت لا يتعدى الشهر الماضي، لإنهاء التحقيقات المدنية في عدد من المسائل، بما يشمل خسائر تداول بمليارات الدولارات، تكبَّدها المصرف في قضية «حوت لندن»، إلى جانب مسألة موظّفَيْن سابقين في المصرف تحاول السلطات اعتقالهما (وقد نجحت في إيقاف أحدهما)؛ على خلفية الدور الذي أدّياه في أحداث «حوت لندن».

وفي حالات من هذا القبيل، تطول العقوبات عادةً إمّا عدداً قليلاً من الأفراد الذين لا يحتلون عادة مناصب عالية جداً، أو المؤسسة كلها، بمعنى أن التأثيرات تشمل مساهميها. وما يتعذر عليهم فهمه هو ما يقع بين الاثنين، أي التركيبة المؤسسية، والثقافة التي أدّت في الأساس إلى نشوب المشكلة. ومن الضروري أن نطرح أسئلة حول مزيج الظروف، والقيود، والضغوط، والتوقّعات التي أثّرت في الثقافة والمؤسسة؛ لتسمح بتسجيل سلوك سيّئ أو بإنتاجه. علماً بأنّ مواجهة هذه المسائل لها طابع بالغ الأهمية إن كنا نصبو نحو تغيُّر فعليّ في السلوك.

وأثناء عملي على إعداد كتابي الجديد عن الثقافة المتبدّلة في «غولدمان ساكس»، قابلت شريكاً متقاعداً في «غولدمان»، تساءل عن السبب الذي يؤدّي، في حال صدر سوء تصرُّف عن شخص، أو عن عدد من الأشخاص، إلى نشوء تكاليف يتكبَّدها المساهمون، مع احتمال تعرُّض العموم للخطر، إلى جانب إقالة الشخص المسؤول، أو مجموعة صغيرة من الأشخاص المسؤولين، في حين أنّ المديرين الإداريين في الشركة كلها لا يلحظون تغيُّراً يُذكر في تعويضهم.

وفي حالة «جاي بي مورغان تشايس» زاد مجلس إدارة الشركة أجر الرئيس التنفيذي جيمي ديمون بأكثر من النصف، من 11.5 مليون دولار إلى 23 مليون دولار، بعد خسائر قضية «حوت لندن». والأمر مهم، إلا أن أهمّ الخسائر كانت طبعاً تلك التي تكبّدها المساهمون. وما الذي حلّ بتعويض مدير إداري معتاد في «جاي بي مورغان»؟ وفقاً لأشخاص أُجريت معهم مقابلة، لم يحصل الكثير (ولم تتعدّ الخسائر تلك التي تكبّدتها أرصدة أسهم «جاي بي مورغان»، التي لا تمثّل في أحيان كثيرة إلا جزءاً من مجمل قيمتها الصافية). لماذا؟ قيل لي إن السبب الرئيسي هو أن مصرف «جاي بي مورغان» مضطر لتسديد الرواتب بطريقة تنافسية، وإلا فسيخسر أكثر الأشخاص موهبة لديه. وقيل لي إن السبب الثاني هو أن المديرين التنفيذيين في معظمهم ليسوا على صلة مباشرة بالخسائر.

بيد أنّهم يشكّلون عناصر مهمّة في مؤسسة عاثت الفوضى. وأشار مسؤول مصرفي قابلته إلى أنّه لو اضطر المديرون الإداريون في «جاي بي مورغان» معاً إلى تسديد قسم كبير من المستحقّات أو الخسائر المرتبطة بسوء التصرّف، باستعمال المبالغ المخصصة لعلاواتهم، لأقدمت هذه المجموعة على إجراءات داخلية أكثر نفوذاً لمنع سلوك من هذا القبيل، ولكافأت الأشخاص الذين تصرّفوا بطريقة مسؤولة ومتماشية مع القيم المعلنة، وأقالت الأشخاص الذين لم يفعلوا. ولعلّهم كانوا ليُخضِعوا قادتهم لمعايير أعلى وليُجروا مساءلة حول أنشطة بعضهم بعضاً.

والواقع أنها الطريقة التي كانت تجري فيها الأمور عادةً في «غولدمان ساكس» وغيرها من شركات وول ستريت، عندما كانت عبارة عن شراكات، بدلاً من أن تكون مؤسسات تتداول أسهمها في البورصة. وكان كل مدير إداري متصل بجميع المديرين الآخرين. وفي العادة، كان كل مدير يحصل على نسبة مئوية ثابتة من العلاوة السنوية الشاملة، وكان مسؤولاً بصورة شخصية عن تصرفات المديرين الإداريين الآخرين. وكان التنظيم المؤسسي الذي أنشأته هذه التركيبة بالغ الأهمية لإدارة المخاطر.

ولا ألمح إلى ضرورة عودة المصارف إلى صيغة الشراكات الخاصة، لكنني أشير إلى ضرورة ابتعادها عن المعيار القائم حالياً، الذي يقضي بمنح علاوات سنوية استنسابية للمديرين التنفيذيين، والانتقال - ولو بالنسبة - إلى مجموعة مختارة من أبرز الموظفين، إلى علاوات مشتركة تشمل نسباً مئوية ثابتة، تسمح بتسديد جزء كبير من المبالغ المستحقّة أو الخسائر المرتبطة بسوء التصرف، وتكون علاوات تقع عليها قيود أكبر عند بيع الأسهم.

- (ستيفن مانديس أستاذ مشارك في كلية كولومبيا للأعمال، ومصرفي استثماري سابق في «غولدمان ساكس»، ووسيط تعاملات خاصة وعميل. وهو مؤلف كتاب بعنوان «ما حصل لغولدمان ساكس» What Happened to Goldman Sachs).

موضوعات أخرى