Monday 04/11/2013 Issue 15012 الأثنين 01 محرم 1435 العدد
04-11-2013

الإساءة كميزان الوعي

علماء الأنثروبولجي أدركوا أن الحاجة هي الباعث الرئيسي لكل سلوكيات الإنسان، حتى الشريرة منها، تلك التي تؤدي لإيذاء أو قتل الآخرين قد يقدم عليها الإنسان دفاعاً عن النفس أو منعاً لوقوع الأذى والضرر. وإذا انتفت الدوافع الملّحة لفعلٍ ما فإن الفعل بحد ذاته ينتقض تماماً لأن سلوكيات الإنسان مرتبطة بالجدوى الإيجابية دائما.

وكلما خرج الإنسان من محوريته وأدرك كونه رقماً واحداً في مصفوفة البشر، وأن أهدافه وحاجاته مرتبطة دائما بحاجة مجتمعه أو جيرانه أو شركائه في الحياة على الأرض، كلما رتب أولوياته بمسؤولية أكبر تجاه هذه المركبة العملاقة المسماة بالحياة! لهذا يعلم الأسوياء أن التعاضد والتعاون والتآزر أكثر جدوى من التفرّق والأنانية والمصالحية. الوعي هو الجبل الكبير الذي إذا تأملنا الوجود من فوقه نرى أنه مثل فسيفساء جميلة ومتراصة ومشتركة من الإنسان والحيوان والنبات والهواء والماء وغيرها لصناعة مكنة الحياة الذكية التي يتعمد كل جزء فيها على جزء آخر لتتحرك وتنتج وتستمر. يعتقد أفلاطون أن طرق الشر وفيرة أكثر من طرق الخير، وأراه محقاً لأن الشر مثل حريق قد تضطرم لأسباب تافهة وسهلة لكن إطفاءها يكون عسيراً ومجهداً. لهذا يدرك الأسوياء قيمة الإنماء والدعم والغفران والمساعدة في علاقاتهم بالآخرين، فيما يتهور المرضى بالإساءة وإيلام الآخرين دون وجود حاجة حقيقة لتلك السلوكيات، بسبب خلل نفسي وأخلاقي، كما يؤكد علماء الاجتماع والنفس أن تبلد الحس تجاه أوجاع الآخرين، وتعطل الشعور بالندم الطبيعي الناتج بعد التسبب بالضرر للآخرين هو أحد الأعراض الدالة على مشكلة نفسية قائمة وبحاجة للتصحيح.

هؤلاء المرضى يشكلون عبئاً ثقيلاً على ظهر العلاقات الاجتماعية ومنظومات العمل وكل أنواع التواصل الإنساني. لأن نظرتهم قاصرة عن إدراك المصالح الكبرى والروابط الخفية بين الناس التي تقودهم نحو تطوير مجتمعاتهم ومحيطهم. فتكون متعة الإساءة المريضة وحدها حاضرة مع غياب المسؤولية والمصلحة العامة.

في الجنوب الأمريكي وفي زمن استعباد السود كان تجار العبيد يربطونهم بسلاسل ثقيلة حينما يسافرون من مدينة إلى أخرى سيراً على الأقدام ودون ما يكفي من الطعام والشراب، ذلك حتى يضطر الجميع لحمل العبد الذي يمرض أو يوقفه الإعياء عن المسير. هكذا نحن في مسيرة هذه الحياة مقيدين في بعضنا البعض بسلاسل المصير المشترك ومضطرين لأن نحمل أعباء بعضنا كي لا تتوقف عجلة الحياة. لكن محدودية النظرة تجعل صاحبها لا يبصر أبعد من أرنبة أنفه ولا يركز إلا على مشاعره وآرائه ومصالحه، لهذا إن خالفته في الرأي أنت عدوه، وإن تفوقت عليه فأنت عدوه. وهكذا.. تنمو أسباب العداء مقابل ذبول أسباب الصداقة والتآخي. وهذا يعيدنا لأفلاطون وطرق الشرور الوفيرة، والنار التي يسهل إشعالها ويصعب إخمادها، والمرضى الذين يهدمون في الوقت الذي تكون حاجتنا للبناء ملحة وصارخة.

kowther.ma.arbash@gmail.com

kowthermusa@ تويتر

مقالات أخرى للكاتب