Wednesday 06/11/2013 Issue 15014 الاربعاء 03 محرم 1435 العدد
06-11-2013

لقطات من المحطة الثانية لرحلتي العلمية طالبات وطلاب الشمال الغربي بأمريكا

لا أدري ما الذي كان يجذب الطلبة السعوديين بعدد كبير والطالبات السعوديات بعدد أكبر إلى ولاية أوريجن بين ولايتي واشنطن وكالفورنيا. كانت مدينة بورتلاند ويوجين وكورفالس على التوالي نقطة جذب للطلبة مع عدد أقل في سيليم عاصمة ولاية اوريجن.

هل كان حنان المناخ الذي يجمع بين الهتان الدائم والنهارات المشمسة معاً معظم أيام العام, هل كانت ليونة الطبيعة والطبع في الأوريجونيين بما جعل الولاية مزيجا خفيفا لا تكاد تبين فيه اختلافات اجتماعية عميقة على خلاف ولايات أخرى يحتد فيها الاحتكاك، فتتجاور في بورتلاند مثلا بحسب ملاحظتي بالمعايشة العديد من الأعراق بكثير من الألفة والسلام من الأمريكان الأصليين الهنود الحمر ومن الأعراق الأنجلو سكسونية والأفريقية ومن التشيكانو والمكسيك والعرب وأرومات أخرى, هل كان عدم وجود ضرائب على المشتروات في تلك الولاية هو عامل الجذب لطلابنا وأنا منهم أو أنها جودة الجامعات والطموح في بيئات تعليمية بعيدة عن ملوثات المناطق الصاخبة؟ هل كان حس الأمن العام في تلك الربوع وانخفاض معدلات الجريمة بأنواعها مقارنة بولايات أخرى؟؟

اعتقدت في الفصل الأول من دراستي بأمريكا أن كلية لويس اند كلارك الواقعة في الجنوب الغربي لمدينة بورتلاند على رابية بالاتيين بجوارها الغابوي من لايك أسويجو إلى تلال بيفرلي فيما لايبعد إلا ما يقارب 10 أميال عن وسط مدينة الورود بورتلاند هي أكبر نقاط الجذب للمبتعثين السعوديين. كانت المرة الأولى التي أسمع باسم تلك المؤسسة من مؤسسات التعليم الجامعي الخاصة بأمريكا من فم الشيخ حمد الجاسر- يرحمه الله-. فقد أخبرني بزهو إبان ولعي بزيارته والإصغاء الطويل إليه في مكتبه بالعازرية ببيروت, وكأنه يشحذ أحلامي على أفق بعيد صقيل بأن ابنته مي الجاسر قد تخرجت من تلك الكلية. علمت فيما بعد أن عدداً من رعيل البعثات الأولى قد مر من الحرم الجامعي لتلك الكلية، ومنهم د. سعد الطخيص الذي حظيت بمزاملته وزوجته الصديقة د. لطيفة العبداللطيف بقسم الدراسات الاجتماعية لجامعة الملك سعود بالرياض على مدار ما يزيد الآن على عشرين عاما.

شعرت أن لويس اند كلارك في بداية إقامتي بمبنى “أوديل” لسكنها الداخلي، حفية بتنوع طلابها وخمنت أن ذلك ربما من أسباب تواجد ذلك العدد الكبير نسبياً من المبتعثين السعوديين الذين وجدت أنهم سبقوني إليها أو تزامن مجيئهم مع مجيئي. وقد كان ممن زاملت منهم من المبتعثات على الأقل عشر طالبات إلى جانب عدد من الطلاب. كان منهم ليلى الضليمي، نبيلة التونسي، نوال المنقور، ليلى المشاري، حياة الماضي، نوال القبلان، محمد الماضي، مهندس طارق فدعق، زهير مازي، سلطان السديري وسمو أمير المنطقة الشرقية الآن سعود بن نايف، وعلى ما في ذلك اللقاء في رحاب الجامعة بشباب الوطن من التعرف على شهامات وأًخوات لم نكن لنعرفها عنهم، فقد كانت بالنسبة لي المرة الاولى التي أعرف أن لزمالات ولصداقات أبناء وبنات الوطن الواحد معنى آخر حين تجمعهم الغربة والشغف المعرفي معاً.

لم يعن ذلك الانكفاء في شلل سعودية منعزلة أو الوقوع في “متلازمة التوحد”، كان من الواضح على ما يجمعنا من حنين وطني أن كلا منا مشغولة بشغفها المعرفي الخاص وبمشاغلها الاستكشافية للذات وللآخرين وللمحيط برمته. وربما أعرف ذلك عن البنات أكثر بحكم قدراتنا كأناث على الاهتمام بالتفاصيل وتمتعنا بشجاعة البوح وتبادل الأفراح والجروح والأسرار.

وبهذا الإيقاع السريع سرعان ما أصبحت تربطني روابط زمالات وصداقات تتبرعم مع عدد من الطالبات والطلاب الأمريكيين والأجانب والعرب والإيرانيين والأتراك. ومنهم من حافظ معي على اتصال وإن متقطعا إلى اليوم، ومنهم من جدد لنا الإنترنيت والإيميل زمالات وصداقات خلتها اختفت مع انتهاء تلك الفترة. ومن تلك الشلة الشابة التي تشعبت بها المفارق اليوم، سوزن ثامسون، ارك نييومان، اليسن توني روبرت ماثيو, خوسيه أرخاندو, سالينا أتنوناليا, فرقان علي, بروين أكبر, سارة تنكر, إيفلين زخاري.

ومع ذلك بقي الحرم الجامعي للويس اند كلارك عالمي الوحيد لفصل دراسي كامل إلى أن شدني الفضول وتعلم قيادة السيارة من أجنحتي، لأمد رأسي خارج أسوار الكلية إلى قلب مدينة بورتلاند لأمشي عبر شقها المحروق (البرن سايد), وعلى واجهتها النهرية (ووتر فرونت) وأضيع على ضفاف بحيراتها ومتاحفها وبوتيكاتها وأسواقها الأحدية وأغرق في مكتبة اوول. فحين بدأت آخذ مقررات اختيارية في جامعات أخرى لفصل الصيف تأكد لدي حس أن ساحل الشمال الغربي البسفيكي برائحة المحيط الجارفة من جهة شاطىء كانون (كانونبيتش) ليس إلا خلية معلقة بغواية على أغصان الفضاء وبه تملك سحر خفي لتوليف عشاق الرحيق من أنى أتوا, كما تأكد لي أن ملكات النحل الصحراويات يحدسن مصاب الماء ومناطق الديم فتهفو أقدارهن بهن إلى مدينة الورود.

فعلى الرغم أنني ما زلت لا أدري بالضبط سبب وجود أكبر تجمع للطالبات السعوديات في الشمال الغربي بالذات وقتها المنتصف الثاني من السبعينيات، إلا أن جمال المفاجأة الذي لايزال عسله عالقاً بأطياف تلك الأيام، أنني بعد أن صرت كلما توغلت في التلفت للتعرف على معالم ولاية أوريجن وجوارها، اكتشفت أنني بالصدفة البحتة قد حللت وسط غديرالبنات. لعله كان للملحق الثقافي أ. عبدالعزيز المنقور يد في تقريب شقة الغربة على الفتيات بتوزيعهن على جامعات الشمال الغربي في جامعات متقاربة أو لعلها كمياء المكان أولعلها حبال الحبر السري الذي يقرب البجعات المتوحشات على حد تعبير كل من ميديافاير, وجانج تشانج بالتجمعات الأقل ضراوة.

Fowziyaat@hotmail.com

Twitter: F@abukhalid

مقالات أخرى للكاتب