Thursday 07/11/2013 Issue 15015 الخميس 03 محرم 1435 العدد
07-11-2013

وجدة: الصغيرة التي حلمت بأن تقود دراجتها في الرياض

يحكي فيلم وجدة السعودي حكاية بسيطة لفتاة صغيرة اسمها وجدة تحلم بركوب دراجة (وهذه أحد الرمزيات في الفيلم) حيث لا يسمح للفتيات بركوب الدراجات!!(؟؟) وتبدأ الصغيرة في جمع المال للحصول على الدراجة عبر طرق متعددة ومنها الاشتراك في مسابقة تحفيظ القرآن أو بيع بعض الأشياء الصغيرة؟ في

خلال ذلك تدخل بنا المخرجة إلى عالم ساحر من خلال ما يحدث في مدارس البنات ومن خلال أنواع القوانين المنظمة لهذه المدارس ومن خلال علاقة الأب بالأم القلقة من زواج زوجها بأخرى والذي تم فعلا في نهاية الفيلم والصراع مع السائق الباكستاني.. هذا وغيره من إسقاطات توضح بجلاء التعقيدات الهائلة التي تعيشها المرأة السعودية ضمن حياتها اليومية المعتادة.

ورغم أن المخرجة صرحت أكثر من مرة أن فيلمها لا علاقة له بكل الجدل الدائر حول أوضاع المرأة السعودية أو قيادة السيارة إلا أن الفيلم وبامتياز ومهما حاولت المخرجة (تضييع) ذلك فهو قلبا وقالبا يشرح بوضوح وجلاء أوضاع يومية لفتاة سعودية تعانيها مئات آلاف من النساء في معاشهن اليومي بسبب القيود الاجتماعية والرسمية الموضوعة على تنقلاتهن وتبعيتهن القانونية للرجل وضياع روح العائلة واضطراب العلاقة بين المرأة وزوجها وسط مخاوف الزوجة الثانية وغيره من التفاصيل التي شرحت من خلال أحداث يومية اعتيادية.

نجح الفيلم نجاحا منقطع النظير في كل أنحاء العالم وصنفت مخرجته الذكية هيفاء المنصور على أنها من أكثر عشر نساء مخرجات الأكثر تأثيرا في العالم الذي أدهشه أن لا توجد دار عرض سينمائية واحدة داخل البلاد ومع ذلك تمكنت المخرجة من تصوير الفيلم كاملا في الرياض وقد فعلت ذلك مستعينة فيما يبدو بقدرتها الغريزية على تجاوز الصعوبات وبذكاء نسائي شديد فقد أعدت إستوديو كاملا داخل عربة ووضعت فيها كاميرات وجلست بداخلها ومن خلال الميكرفونات تمكنت من إدارة الفريق الرجالي والفني المكون من 40 مهندسا ومصورا ألمانيا وخلال ثلاثين يوما وبواقع عشر ساعات تصوير تمكنت من إنجاز هذا الفيلم التحفة الذي دعمته وبلا حدود ألمانيا من خلال طاقمها ودعمها المالي والفني للمخرجة وكلف الفيلم مليوني دولار وهذا لا شيء بالنسبة لحجم الجوائز التي حصل عليها وحجم التوزيع والإيرادات التي غطت أوروبا وأمريكا الشمالية حتى أن صحيفة الجارديان اللندنية وبعد عرض الفيلم في مهرجان لندن السينمائي صنفته ضمن الخمسة الأوائل لذلك العام وذكرت الصحيفة أن هذا الفيلم يقدم لمحات نادرة من حياة مجهولة بالنسبة لمعظم الناس حول العالم وبعد عرضه دارت مناقشات حول المرأة السعودية وأوضاعها وعبر الكثيرون عن دهشتهم مما يرونه فقد حملوا معلومات مغلوطة كثيرة حول المرأة السعودية حاول الفيلم تصحيحها وكان وجود المخرجة بلحمها ودمها في العروض أكبر نموذج على العزيمة والإصرار الذي تحمله أمرأة سعودية بزت الرجال في بيئة لا توجد فيها صناعة سينمائية! ألم نقل إن هذه المرأة ساحرة؟؟!

ولم يقتصر دهاء هذه المرأة الفطرية على ذلك فقد تمكنت من تجاوز كل العقبات ولعل أبرزها كان أن الفيلم (أي فيلم) لا يمكن أن يسمح بدخوله ضمن مهرجانات عالمية لترشيحه إلا إذا تم عرضه تجاريا في البلد المنشأ! فكيف سيكون ذلك وليس هناك دار عرض واحدة؟؟ بشكل أو بآخر تم عرضه في عدد من الأماكن في مدن متعددة داخل المملكة وتم بيع تذاكر له ولو بشكل رمزي وحقق نجاحا واسعا في الداخل رغم عدم تسويقه بالشكل المطلوب تجاريا لعدم وجود صناعة سينمائية للأسف، وهو ما مكن فيلم (وجدة) من دخول الترشح لجوائز عالمية!

الرسالة التي تصلنا من الفيلم الجميل هو أن المرأة السعودية وكما توقع لها كثيرون تمضي قدما وبخطى ثابتة في كل المجالات من عالمة ذرة إلى نائبة وزير إلى عضوة في مجلس الشوري إلى عاملة في متجر نسائي وإلى صحفية ومخرجة سينمائية بخلاف المهن التي برعت فيها المرأة تاريخيا كالطب والتعليم والإدارة وأن المرأة السعودية قادمة حقا وهي ستتمكن من التخلص من أصفاد كثيرة كالنظام والولاية حتى لو كانت بالغة وعاقلة. ووضع أنظمة للحماية من الإيذاء مثل التي صدرت مؤخرا وستتمكن المرأة من القفز على عقبات مثل قيادة السيارة وستصل إلى أعمال لم يكن من الممكن أن نحلم بها قبل عقد من الزمان.

ورغم أننا كمجتمع نرتكز على ثوابت لا يختلف عليها اثنان مستمدة من شريعتنا السمحاء إلا أننا نعرف أن هذه التغيرات في موقع المرأة وأوضاعها المهنية والقانونية لن تنال رضا الجميع وسيختلف عليها كما يحدث مع كل ما يخص المرأة وهذا شيء طبيعي إذ إن التغيير ليس بالضرورة للجميع فهناك من يفضل العيش ضمن قناعاته التقليدية وهذا شأن خاص به وبعائلته؛ كأن تقود زوجته أو ابنته السيارة أو لا تقود لكن حقوقا أساسية كفلتها الشرعية ونظمتها القوانين الدنيوية يجب أن تكون حقا مكتسبا للجميع رجالا ونساء مهما تعددت بهم طرق العيش أو اختلفت مستوياتهم الاقتصادية أو الاجتماعية، كحق التنقل الحر والحصول على تعليم جيد وخدمات طبية والحصول على عمل والقدرة على الإنتاج ضمن بيئة تشريعية تحقق المساواة في القيمة الإنسانية والقانونية حتى لو اختلفت واجبات كل منا بحسب جنسه وموقعه وقدراته. شكرا لك ياهيفاء لقد وصلت الرسالة.

مقالات أخرى للكاتب