Monday 11/11/2013 Issue 15019 الأثنين 07 محرم 1435 العدد
11-11-2013

الاكتئاب والإرهاب

العمليات الإرهابية لم تنجح في إسقاط أية دولة في العالم مهما كانت هذه الدولة هشة، بل ربما تحفِّز صلابة الجهاز الأمني للدولة، لكنها يمكن أن تنجح في التأثير النفسي على الجماهير، فالإرهاب هو حرب نفسية لكسر المعنويات. ذلك ما تؤكده الدراسات.

حسب كافة الدراسات التي تناولت العلاقة بين الإرهاب والحالة النفسية للذين تعرضوا له بشكل مباشر أو غير مباشر أو حتى بعيدين عنه فإن ثمة أعراض لحالات نفسية سلبية مختلفة، لكن أكثرها شيوعاً كان الاكتئاب. ورغم أن نتائج الدراسات النفسية أوضحت بشكل جلي أهمية إدراج الاضطرابات الاكتئابية كأولوية صحية عالمية، لكن أغلب الثقافات الصحية لدى الشعوب لم تول هذه المسألة ما تستحق لأسباب علمية أو ثقافية. فمن الناحية العلمية لا يزال الموضوع في حاجة للتشخيص بطريقة عملية أفضل، ومن الناحية الثقافية، فثمة شعوب لا تزال غافلة عنه أو تعتبره بفعل شياطين الجن وليس شياطين الإنس!

قبل عرض العلاقة بين الاكتئاب والإرهاب سيتناول المقال مختصراً لدراسة شاملة عن الاكتئاب ظهرت قبل أيام. هذه الدراسة قامت بها الباحثة أليز فيراري وزملاؤها، من جامعة كوينزلاند ومركز كوينزلاند لأبحاث الصحة العقلية، في أستراليا، متناولة جميع الدراسات البحثية المنشورة حول الاضطراب الاكتئابي الرئيس والمعتدل والمزمن، والجزئي. وقد تمت مقارنة الاكتئاب السريري مع أكثر من مئتي مرض وإصابة أخرى كأسباب لحدوث الإعاقة، وأكدت نتائجها أن مرض الاكتئاب هو السبب الرئيس الثاني للإعاقة على المستوى العالمي، وهو مساهم رئيس في زيادة الانتحار وأمراض القلب.

ورغم أن مرض الاكتئاب حالة نفسية معروفة إلا أن نسبته تزايدت خلال العشرين سنة الأخيرة. فقد كانت مرتبة هذا المرض هي الرابعة عام 1990 باعتباره السبب الرئيس الرابع للأمراض على مستوى العالم بعد التهابات الجهاز التنفسي، وأمراض الإسهال، والظروف التي تنشأ أثناء الفترة المحيطة بالولادة. لكن هذا المرض تقدم عالمياً وصار بعد عقد من الزمن في المرتبة الثالثة عام 2000؛ ثم بعد عقد آخر نال المرتبة الثانية عام 2010!! وزاد العبء العالمي للاضطرابات الاكتئابية بنسبة 37.5% بين عامي 1990 و2010.

وسبق أن ذكرت مجلة مد سكب الطبية، أن نتائج دراسة العبء العالمي للأمراض عام 2010 وجدت أن الاضطرابات النفسية واستخدام المخدرات هي الأسباب الرئيسة للعلل غير المميتة في جميع أنحاء العالم، وهي مرشحة أن تتفوق على الأمراض العالمية كفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، والسل، ومرض السكري، وإصابات النقل.

وتقدم دراسة فيراري وزملائها آخر التقديرات الشاملة لدرجة الوفاة والعجز التي تعزى إلى الاضطرابات الاكتئابية في جميع أنحاء العالم وفي كل بلد على حدة وكل منطقة. وقد استخدم الباحثون مقياس سنوات العمر المعدلة باحتساب مدد العجز (سنوات العمر الضائعة) لحساب العبء العالمي المسبب للاضطرابات الاكتئابية، وذلك بإضافة سنوات العيش مع الإعاقة والسنوات المفقودة بسبب الوفاة المبكرة بأمراض محددة.

بالمقارنة مع الأمراض والإصابات الأخرى، شكل مرض الاضطراب الاكتئابي نسبة 8.2% من النسبة العالمية لسنوات العمر المعدلة باحتساب مدد العجز العالمية في عام 2010، مما يجعلها ثاني سبب رئيس للعجز العالمي والسبب الرئيس الحادي عشر من العبء العالمي (أو سنوات العمر الضائعة) في عام 2010. فيما شكل الاكتئاب الجزئي نسبة 1.4%. وقد شكل الاضطراب الاكتئابي أحد أخطر العوامل المؤدية إلى الانتحار ومرض القلب الإقفاري مما ساهم في زيادة العبء الإجمالي للاضطرابات الاكتئابية إلى 3.8% من سنوات العمر الضائعة العالمية، بحسب الدراسة.

وإذا كان مرض الاكتئاب يحتل المرتبة الثانية عالمياً بين أكثر المسببات لحدوث الإعاقة، فإن ترتيبه كمرض يختلف باختلاف الدول والمناطق. الاختلاف بين الدول كان غير واضح إحصائياً باستثناء عدد قليل من البلدان والأقاليم، فقد كانت الأعلى في أفغانستان ودول شمال أفريقيا، بينما كانت الأدنى في اليابان وتلاها بعض دول المحيط الهادئ كالصين وأستراليا. وفي دول مجلس التعاون الخليجي كان معدل مرض الاكتئاب متوسطاً مقارنة مع المعدل العالمي، فيما ارتفع عن المعدل العالمي في اليمن والأردن وسوريا وإيران وتركيا.

“يتفاوت هذا العبء [الاكتئاب] بالاختلاف بين الدول. ففي الدول الفقيرة ومتوسطة الدخل، يكون ذلك العبء أكبر بكثير من الدول ذات الدخول المرتفعة”. حسبما قالت فيراري التي أردفت قائلة: “قد تختلف نظرة الأفراد بل وحتى الدول إزاء فكرة الإعاقة، فهناك العديد من الإشارات والتفسيرات الثقافية حيال تلك الفكرة. وذلك هو ما يؤكد أهمية زيادة الإدراك لحجم المشكلة وطريقة التحقق منها”. (بي بي سي).

وإذا انتقلنا للعلاقة بين الاكتئاب والإرهاب فثمة دراسة شاملة ألقت نظرة عامة على كل الأبحاث العلمية المنشورة التي تناولت هذه العلاقة، قامت بها الباحثة آن فان أورسو. وخلصت هذه الدراسة إلى أن التأثيرات النفسية ما بعد الهجمات الإرهابية متنوعة ومتفاوتة، إلا أن الاضطراب النفسي الأكثر شيوعاً هو الاكتئاب. وهناك عوامل مختلفة تؤثر في درجة هذا الاكتئاب زيادة أو نقصاناً. هذه العوامل جمعتها الباحثة في أربع مجموعات: التعرض المباشر وغير المباشر؛ نوع الجنس والمجموعة الإثنية؛ الحالة النفسية؛ التأقلم والاستعداد الوراثي.

كما أوضحت الدراسة أن العمليات الإرهابية بالفعل هي حرب نفسية في المقام الأول. وأن التقارير الإعلامية (خاصة التلفزة) التي تبالغ في الإثارة والتركيز على أخبار الهجمات الإرهابية يمكن أن تزيد حدة الاكتئاب بين الناس حتى في البلدان التي لم تتعرض لها، والذي بالطبع يزيد بين الناس القريبين من الهجمات. وذلك يوجب أن تبحث الدراسات النفسية والاجتماعية عن طريقة إعلامية مناسبة أو طريقة أفضل لعرض أخبار تلك الهجمات. وتتساءل الباحثة في نهاية بحثها: هل من الضروري أن تُعرض التفاصيل الصادمة لكل هجوم إرهابي؟ هل من الممكن عرض الخبر عن الهجوم بلا إثارة ذات تأثير مدمر على الصحة النفسية للإنسان؟

“نتائج هذه الدراسة تعزز أهمية علاج اضطرابات الاكتئاب باعتباره أولوية في مجال الصحة العامة وتنفيذ البرامج الفعالة من حيث التكلفة للحد من أعبائها في كل مكان”، بحسب توصية دراسة فيراري. وفي هذا الصدد دقت منظمة الصحة العالمية ناقوس الخطر محذرة بأنه وعلى المستوى العالمي، لا يحصل على العلاج النفسي للاكتئاب سوى نسبة ضئيلة من المرضى.

alhebib@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب