Tuesday 12/11/2013 Issue 15020 الثلاثاء 08 محرم 1435 العدد
12-11-2013

إياب القوافل

لعلَّ من حسنات تُذكر، ولا تُنكر لهذه الأمكنة الصغيرة الكبيرة، الخاصة العامة، في الوسيلة السريعة ذات القدرة على جمع الشتات، وتقريب الأبعد، وإيصال الفوري ذات السمة «مواقع التواصل» على أي خصيصة لها، هو أنها تُفاجئ في كل لحظة بنبأ، وتأتي بخبر في كل عبور بجديد...

ولا تقف عند ذلك بالحروف، بل بالصور، والأصوات، والحركة، والمثول.. على أوسع نطاق مساحة، وأقصر مسافة قرب...

ولا تقف عند هذا... بل تتجاوزه بعيداً...

هي تعيد للذاكرة أسماء، وتحضر شخوصاً، وتوصل أصواتاً، وتبسط سِيَراً ذاتية لمن غاب، ونسيته في دولبة الحياة تحضره فتذكرك... بمن فيهم من جمعتك به طاولة عمل لم يدم... أو موقف سفرقد عبر... أو كان ممن جاورته، أو علَّمته، أو عالجك، أو التقيت به مرحلة ومرت... فتقدم لك ما لم تتوقع من مفاجآت أعادته لمجرى الذاكرة...

عنها تستعيد أسماء قد بهتت، وصوراً قد تلاشت...

تحضر لك المبتدئين الذين كانوا، وقد تقدموا...

ترى فيها الصغار وقد كبروا...

يعود لك زميلُ عملٍ ضللت عنوانه... وجارُ كفاحٍ وقد طافت به التيارات، قد رسم الزمن عليه خريطته...

والأجمل أنها تعيد لك قوافل كانت قد غادرت من صحبك مع دواليب الزمن، فإذا بها تؤوب إليك بها...

أجمل ما أمتعتني به هو أن أعادت لي زميلات غبن في دوامة الحياة عقدين وأكثر، فإذا بهن في صدر داري يؤنسنني حواراً، ويسعدنني حضوراً... وأولئك أبناء وبنات صديقات كانت أقدامهم اللدنة تعبث في حوض الماء جوار السنديانة فإذا بهم شبابٌ يضجون عطاءً، وبروزاً...

وجيران طفولة كنا نركض في براءة حول مقاعد أمهاتنا صغاراً، ونتضاحك فإذا بنا نلتقي وقد أنكر كل منا وجه الآخر...

ومن أجمل ما سرتني به عددٌ لا أحصيه ممن مررن بي في قاعة درس، أو موقف تعليم، أو عمل...

وقد جئن يتبعنني، ويوقظن ذاكرتي ومشاعري، وعرفتني أقرباء بعيدين لم تجمعنا الأيام، أحضرتهم لي بأسمائهم...

كل من بعثتهم عن بُعد هذه الوسيلة فاجأتني بهم، هم الصغير الذي كبر، والبعيد الذي نأى أطباء، ومهندسون نابغون، وفيهم البطل في السبق يحمل أوسمة دولية، وفيهم المسؤولون والمسؤولات، والأكاديميون والشاعرات، تباهت بهم النفس، وقد سجلوا جوار أسمائهم كشفاً يليق بأن أفخر بهم...

ولأن لكل وسيلة ما يضر، وما يسر...

فإن مما يسر في هذه الوسيلة إعادتها لقوافل الغائبين، كما سرني منها كل هؤلاء الذين كانوا صغاراً أو مبتدئين وقد تفتقت ورودهم عن أكمامها... فتعبّقت ذاكرتي، وحاضري بهذا الجيل الذي يزيد في النفس مسرتها، وهم يتسابقون لأن تكون لهم بصماتهم التي لن تنطفئ بها قناديل الأمل في مستقبل يتنامى بهم، ويتفاعلون عطاء فيه.

ومما يسر منها يليق بنا أن نقدم له الشكر، فلهذه المواقع مني جميل الشكر..!

عنوان المراسلة: الرياض 11683 **** ص.ب 93855

مقالات أخرى للكاتب