Wednesday 13/11/2013 Issue 15021 الاربعاء 09 محرم 1435 العدد
13-11-2013

التكفير الوطني

إلى وقتٍ قريب، والتكفير أمرٌ دارج وسهل في المجتمع السعودي، وعلى مستوى السياق الاجتماعي العام فإن لفظ “كافر” قد يطول أي شخص مسلم وغير مسلم في حالات عدة، وعلى مستوى التعليم نجد الطفل يتعلم ويردد كلمتين هما (مسلم - كافر)، فصارت الكلمة دارجة في المجتمع دون وعي، وبلا تمييز!

دبَّ الوعي قليلاً في السنوات الأخيرة بعد أن اكتوينا بنار التكفير ومصائبه، وما أتى إلينا بتبعات العمليات الإرهابية التي تبيَّن أنها حصيلة هذا الفكر الإرهابي، الذي لا يرى المجتمع سوى بعينٍ واحدة، إما مسلماً يعتنق أفكاره، أو كافراً لا يؤمن أو لا يقبل بتطرفه. أضف إلى هذا أن تجريم التكفير جعل المجتمع يعي تبعاته ولا يتهاون به.

وعلى وزن التكفير ألاحظ أن داءً ليس بالجديد، إنما نتائجه بدأت تدب وتظهر بصور عديدة بين أفراد المجتمع، ألا وهو التكفير الوطني، فصار بعضهم ما إن يختلف معك بفكرة أو أطروحة إلا ويقوم بإقصائك وطنيًا، وبشكل فوري، وكأن الوطنية هي مجموعة من الأفكار الواحدة، التي ما إن يختلف الشخص حول إحداها إلا ويوصم بعدو الوطن، أو كاره الوطن، أو صاحب الولاء الخارجي.. وهذا الأمر مرده لأمور كثيرة، من بينها أيضاً ما اكتوينا بجراحه من خيانات أتت من بني جلدتنا، إلا أن هذا لا ينبغي أن يُعمم ضمن سياق (إن لم تكن معي فأنت ضد وطني!).

محبة الوطن غريزة لدى كل إنسان، وفطرته تسوقه إلى حب هذا الوطن، أما مَن يكره وطنه فهو مريض شاذ، لا يُقاس عليه، بالضبط مثل من يعق والديه، فهو يشذ بعقوقه عن الفطرة السليمة، لكن أن يتم تعميم هذا الشذوذ بين أفراد المجتمع، ويعم في هذا التساهل والتكفير الوطني، فهذا يسوقنا إلى نتائج مستقبلية وخيمة، قد لا نشعر بتبعاتها في الفترة الحالية، لكننا سنتوجّع بأخطارها في المستقبل القريب، إن لم يتم تجريم التكفير الوطني بأنظمة وقوانين تكافحه، وتساهم في نشر الوعي بين الناس؛ حتى لا نراه سلوكًا دارجًا يتساهل فيه الناس، فأول من يتضرر بهذه السلوكيات هو الوطن نفسه.

إن هذه الأفعال الموجعة بين أبناء الوطن الواحد هي نتيجة طبيعية لجهل ثقافة الاختلاف، وما ينتج من هذا الجهل من إقصاء سريع لمن يختلف معك.. أنا شخصيًا مررت بكثير من مثل هذه التجارب، إذ أجد بعض القراء من يمدح بشكل مبالغ فيه فيما أكتب؛ لأن كتاباتي وافقت هواه، وبمجرد أن أطرح فكرة لا تتوافق معه إذا به يبدأ بكيل من الشتائم والتجريح، ولم يعد يقبل أي فكرة أخرى، وهذه ثقافة سائدة، ثقافة تنظر إلى الأشخاص لا إلى الأطروحات، فطالما كنت معي فسأصفق لك، وما إن تأتي بفكرة لا توافقني فسأفْجُر في خصومتك. وهذا الأمر لا يخص فئة معينة من المجتمع، أو تياراً فكرياً بعينه، بل هو سلوك عام وشائع، يبدأ في السلم من الأعلى (النخبة) مرورًا بفئات المجتمع كافة.. لذا فالتوعية صعبة في هذا السياق؛ لأنها تستهدف الجميع!

www.salmogren.net

مقالات أخرى للكاتب