Sunday 17/11/2013 Issue 15025 الأحد 13 محرم 1435 العدد
17-11-2013

الجحيم على الأرض

حينما فشل إعلامنا المحلي، في إيضاح الصورة، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 كنا نعزِّي أنفسنا بأنّ الخصم دولة عظمى، تمتلك آلة إعلامية رهيبة، ونحن بإعلامنا المتواضع لا نشكّل سوى قطرة صغيرة في بحرها المتلاطم، فضلاً عن موقفنا الضعيف آنذاك، خصوصاً ونحن أمام دولة تصنع من الكذب حقيقة دامغة، وتحوِّل العالم بأكمله إلى فيلم متقن من أفلام هوليود الشهيرة!

أما أن نفشل إعلامياً، ونحن في موقف قوي ومبرّر لقضية عادلة، وأمام دولة متواضعة اقتصادياً وإعلامياً، مثل إثيوبيا، فهذه فضيحة لا يمكن تجاوزها، أو الصمت حيالها، فهل يعقل أن يفشل الإعلام المحلي في إيضاح الصورة الكاملة لعملية تصحيح مخالفي نظام الإقامة في السعودية؟ في مقابل تقديم الإعلام في إثيوبيا صورة المخالفين كضحايا ومضطهدين، رغم مخالفتهم أنظمة الإقامة، ودخولهم تهريباً عبر الحدود الجنوبية للبلاد، ورغم الجرائم التي قامت بها عاملات منزليات إثيوبيات، هزَّت المجتمع والإعلام وقت حدوثها، ثم نسيها تماماً.

وبالرغم من منح هؤلاء المخالفين، من إثيوبيين وغيرهم، المهلة تلو المهلة، لأشهر متتالية، من أجل تصحيح أوضاعهم، سواء بتجديد بطاقات إقاماتهم، أو العمل لدى كفلائهم، أو البحث عن كفلاء جدد، أو العودة إلى بلادهم، إلاّ أنّ البعض تعامل مع التحذيرات والإعلانات باستخفاف، معتقدين أنها ترهيب فحسب، ومع ذلك ظل البعض يقاوم بالهرب والتخفي، والمقاومة والتعدّي على المارة والسيارات، والأمن أيضاً.

أما من يتم القبض عليه منهم، فيتم إيداعه في مراكز إيواء لحين ترحيله، هذه المراكز التي تسميها صحيفة الـ»واشنطن بوست» معتقلات، يقدم لهم فيها الغذاء والخدمات الضرورية، في مقابل التعامل السلبي من قِبل سفارات هؤلاء المخالفين!

وأمام كل ذلك، يتم إنتاج فيلم قصير، يزعم أنه فيلم وثائقي، وبمختلف اللغات، تحت عنوان «جحيم على الأرض» يعرض فيه مقاطع لأشخاص مقيّدين، يتم ضربهم، ومقطع لامرأة سوداء يتم التأكد من نبضها، وما إذا كانت قد فارقت الحياة، على أنّ هؤلاء إثيوبيين يتعرّضون للضرب والقتل في السعودية!

هذا الفيلم المتواضع الإمكانات، ومن موقف ضعيف، استطاع الانتشار عالمياً مع وسائل الإعلام الجديد، في مقابل تجاهل عشرات المقاطع التي تظهر جرائم العاملات الإثيوبيات البشعة ضد أطفال سعوديين، فضلاً عن المقاطع الجديد لعمليات الشغب والتخريب والتكسير التي نفّذها إثيوبيون مؤخراً في حي منفوحة جنوب الرياض.

أين الإعلام السعودي أمام كل ذلك؟ أين السياسة الإعلامية الخارجية؟ أين وكالة الوزارة للإعلام الخارجي؟ أين القناة السعودية الثانية التي تبث باللغة الإنجليزية؟ لماذا لا تكثف هذه الجهات جهدها، وتستيقظ لأيام فقط، خاصة مع الإمكانات المالية المتاحة لديها، ومع الكوادر المتوفرة، لماذا لا تبادر بصناعة أفلام وثائقية احترافية، تبيّن فيها ما يحدث في البلاد مع المخالفين، والجرائم التي يقوم هؤلاء بها، لماذا لا تقدم مثل هذه الأفلام إلى العالم بلغاته الحية؟ بل وتقوم بإهداء هذه الأفلام مجاناً لمختلف القنوات، وتمنحها حق البث بلا مقابل؟.

وأمام شعورنا بالإحباط في أن تبادر وكالة الإعلام الخارجي بمثل ذلك، فأين هؤلاء الشباب الذين صنعوا فيلماً غنائياً عن قيادة المرأة للسيارة، وباللغة الإنجليزية، حظي بمشاهدة تسعة ملايين شخص خلال بضعة أيام؟ لماذا لا يبادرون في صنع فيلم، أو أغنية، أو مجرّد تجميع مواد لفيلم وثائقي مما حدث في بلادنا من هؤلاء، وما يحدث الآن؟ ربما ثقتنا بهؤلاء الشباب، بقدرتهم وعزيمتهم على فعل ذلك أكثر من ثقتنا ببعض المؤسسات الرسمية!.

مقالات أخرى للكاتب