Tuesday 19/11/2013 Issue 15027 الثلاثاء 15 محرم 1435 العدد
19-11-2013

التخلف والإنسانية

أيام قليلة مضت كالحلم، فجأة شاهدنا ما كنا نشاهده على شاشات التلفاز عن دول بعيدة واعتقدنا أنه بعيد عنا يحدث لدينا.

تجمهر، وتخريب، وترويع للآمنين تقوم به فئة من المتخلفين من جنسية واحدة سبق وأن مارست هذه الأعمال ولجأت لأعالي الجبال في مرتفعاتنا الجنوبية والغربية.

وسبق ذلك حوادث متعددة لقتل أطفال أبرياء من قبل عاملات منزليات من الجنسية ذاتها.

أمور غريبة عنا وعن ثقافتنا، بل إنها بعيدة جداً عن ثقافة التخلف لدينا، والمقصود تخلف العمالة لا الناس.

وتعاملت السلطات لدينا مع الموضوع بأسلوب غاية في التطور والإنسانية.

الإثيوبيون عموما شعب متحضر ولا شك في ذلك، وقد عاشوا بيننا لسنوات طويلة، بل ولدينا سعوديون صالحون من أصول إثيوبية، ونحن ولله الحمد شعب طيب ومؤمن على الفطرة لا نفرق بين الناس من حيث العرق أو اللون، ولو كانت هناك تفرقة فهي ذات طابع اجتماعي لا عرقي فنحن لا نعمم عن الجنسيات الأخرى ولا نصنفها لا وظيفياً ولا تعاملاً.

والذين درسوا في الخارج، وعلى وجه الخصوص في الولايات المتحدة الأمريكية لا بد وأن سبق وتعرفوا على إثيوبيين، وهم شعب سامٍ، ولغتهم سامية ويجمعنا معهم تاريخ طويل، فقد سبق واحتلوا شواطئ شبه الجزيرة العربية الجنوبية، وقصة غزو أبرهة لمكة ومحاولة هدم الكعبة كان بدافع المنافسة للقضاء على مكانة قريش القبلية والتجارية في الجزيرة العربية.

ولم يكن لجوء المصطفى عليه أشرف الصلاة والسلام في هجرته الأولى للحبشة محض صدفة، بل بني على اعتبارات حضارية، وتاريخية، فهو اختار اللجوء للنجاشي، وهو مسيحي لأنه متسامح، وشعبه مضياف.

ويقال أن السبائيين من جنوب جزيرة العرب هم من أقدم مكونات الشعب الإثيوبي، وإثيوبيا أقدم دولة إفريقية وبها منابع النيل الأزرق الذي يغذي السودان.

وإثيوبيا من أكثر البلاد الإفريقية تنوعاً أثنياً إذ أن بها ما يزيد عن الثمانين قومية منهم عرب ونوبيون، واللغة العربية هي اللغة الثالثة في إثيوبيا بعد الأمهرية والإنجليزية، وجزء كبير من شعب إثيوبيا مسلم.

وقسا التاريخ الحديث أيما قسوة على الإثيوبيين، “فالربيع الإثيوبي” بدأ عندهم مبكراً عندما تخلصوا من الإمبراطور هيلاسي لاسي، الذي اعتبر نفسه إمبراطوراً وإلهاً للشعب الإثيوبي، ثم خاضت إثيوبيا حرباً طويلة مع الأريتيريين أتت على الأخضر واليابس، وتلا ذلك حرب إقليمية أخرى في إقليم تيجري، وسلسلة انقلابات كانت خلاصتها ديكتاتوراً عسكرياً جاهلاً اسمه “منجستو هيلا مريام” حكم البلاد حكمًا شيوعيًا في منتهى القساوة استمر لما يقارب عقداً ونصف، وترك البلاد بانقلاب آخر لعسكري آخر هو الرئيس الحالي بعد أن أصبحت البلاد الغنية أصلاً أرض مجاعة وعوز.

إثر هذه التقلبات والانقلابات السياسية المتتالية هجر إثيوبيا معظم كوادرها المتعلمة، و ذهبت لأمريكا وشمال أوروبا وهناك جالية كبيرة واضحة تسكن العاصمة الأمريكية واشنطن وتقدر بمئات الآلاف.

زبدة هذا الكلام هي أن الأجيال من الشباب التي نشاهدها تعبر جبالاً وتنشر العنف في أحيائنا، هي تلك الأجيال التي نشأت وترعرعت أوقات الحروب في إثيوبيا، وهب من إثنيات متعددة هي الأفقر من مكونات الشعب الإثيوبي والأقل تعليماً.

أبناء قبائل وأسر فقيرة حرمت من التعليم وتعلمت العنف والقتل والسرق والنهب الذي كان وسيلتها الوحيدة للبقاء على قيد الحياة في ظل الظروف القاسية جداً التي خلقتها الحروب والانقلابات المتتابعة.

فهناك نزوح وهجرة شبه جماعية من إثيوبيا: المتعلم بحث عن طريقه للغرب بوسيلة أو أخرى، والجهلة والبدائيون أتونا نحن واليمن زحفاً على الأقدام وهم يعيشون الحياة كما لو كانت قبل مائة عام.

وكان الأحرى بنا أن ندرس ونبحث في ماهية وأسباب استهداف هذه الفئة من الإثيوبيين لبلادنا، ولماذا تصرفوا بالطريقة التي تصرفوا بها، لأنه بدون فهم جيد لهذه القضية لن نستطيع تقديم حلول ناجعة لها، وبالإمكان الاستعانة ببعض الإثيوبيين المقيمين في المملكة من أجل ذلك.

لأن من سمات الجهل الأولى إقدام الفرد على تكرار الفعل ذاته، أو علاج مشكلة ما بخلق مشكلة أكبر منها قد تضعنا في مطاردة أبدية معهم.

وبهذا الخصوص ليتنا نبدأ بمركز لدراسة الهجرة غير الشرعية لبلادنا بشكل عام، فما نسميه نحن الإقامة غير النظامية يسميه غيرنا الهجرة غير الشرعية.

وهنا يجب ألا ننسى أن ننوه مرة أخرى بموقف رجال الأمن المنضبط والإنساني في التعامل مع تجاوزات هذه الفئة، وكذلك جهود المسؤولين في إمارة منطقة الرياض وعلى رأسها سمو أمير منطقة الرياض ونائبه، اللذان أبديا حرصاً ومتابعة شخصية لهذه القضية، وجهودهما الدؤوبة لمتابعة قضايا المنطقة مكان تقدير الجميع.

ونأمل ألا يتغير أسلوب التعامل الإنساني مع هذه القضية الإنسانية وهذا بالطبع لا يعني التخلي عن الحزم عند الحاجة ولكن بدون تجاوزات، فنحن أمة متحضرة متعلمة ويجب ألا نبادل هذه الفئة أسلوبها في التعامل.

ومرة أخرى يجب أن نؤكد أن هؤلاء لا يمثلون الأمة الإثيوبية، وأنهم يجب ألا يتسببوا في تشويه علاقتنا التاريخية معها، بل على العكس من ذلك يجب أن نحول هذه القضية إلى عامل دعم للعلاقات السعودية الإثيوبية، فإثيوبيا من أهم وأعرق الدول الإفريقية، وأديس أبابا هي بروكسل الاتحاد الإفريقي.

وقد يكون الدرس الأول المستفاد من هذه الأحداث هو السعي الجاد لدراسة موضوع استقدام العمالة، والإشراف على الحدود بشكل جاد لضمان وقف التسلل المحرج للوافدين، وكذلك تنظيم أمور القدوم للعمرة والحج وعدم الاكتفاء بفرض الغرامة المادية فقط.

وكذلك التخلص من تكدس العمالة من جنسية واحدة في أحياء معينة تشكل ما يسمى في الغرب “قيتو”، أو المدن داخل المدن.

ويجب أخذ الوقت اللازم للتنظيم وعدم الاندفاع في الترحيل في وقت قصير ثم التوقف.

فتنظيم العمالة كما ذكرت في مقال سابق يتطلب إجراءات وتنظيمات تتجاوز بكثير موضوع تنظيم التأشيرات، والإقامات، وفرض غرامات.

فالأمر أكثر تعقيداً ولا بد من تشكيل فرق لدراسته وتحديد أفضل السبل للتعامل معه.

latifmohammed@hotmail.com

Twitter @drmalabdullatif- أستاذ في جامعة الملك سعود

مقالات أخرى للكاتب