Wednesday 27/11/2013 Issue 15035 الاربعاء 23 محرم 1435 العدد
27-11-2013

دراسة غير مدروسة!

لا أتصور نفسي أن أخرج إلى مجمع تجاري للتسوق في الساعة السادسة صباحًا، قادني هذا الخيال بعد أن قرأت عن الدراسة التي أعدتها ست جهات حكومية لتحديد مواعيد العمل في محلات التجزئة من السادسة صباحًا ولغاية التاسعة مساءً.

هذه الدراسة لا أظنها تتوافق مع النمط المعيشي السعودي، ولا مع الأجواء المناخية، ولا العادات الأسرية، ولا حتى جداولنا اليومية. أضف إلى هذا أن لدينا أربعة فروض صلوات تُغلق المحلات في أوقاتها بمعدل ساعة في اليوم.

في الدول الأوروبية لا تفتح الأسواق قبل العاشرة صباحًا، وتُغلق باكرًا، لأن أصحاب هذه المحلات والبائعين لديهم أوقات لا يتنازلون عنها بالخروج يوميًا إلى أماكن السهر، أما نحن ودول عربية كثير مثلنا لا نتفق مع هذه الثقافة، لذا نجد أن معظم الدول العربية لا تُغلق محلاتها وأسواقها قبل العاشرة مساءً، ونحن نزيد عليهم بساعة نظرًا لتوقفنا ما يقارب أربع ساعات للصلاة.

الدراسة بحسب ما قرأت بعض ما نشر حولها، أنها تحاول مساعدة التوطين وسعودة الوظائف بتقنين ساعات العمل، مع أنني لم أرَ أي تقنين طالما أنه بدلا من فتح المحلات في العاشرة تتقدم إلى السادسة، فهل يُعقل أن نستيقظ في هذا الوقت للتسوق، وهو وقت الذهاب إلى الأعمال والمكاتب؟! لا أظن أن هذا الوقت المطروح يتناسب مع كل المعطيات المحيطة، ولا في أوضاع مناخية قاسية صيفًا شتاءً، ولا مع عاداتنا اليومية، وما هي إلا مجرد استنساخ غير مدروس وغير قابل للتطبيق في بلادنا! هناك أفكار كثيرة لسعودة الوظائف، وتقنين ساعات العمل، بطريقة واقعية قابلة للتطبيق في مجتمع أغلب من فيه يذهب لقضاء حوائجه بعد صلاة العشاء، فأي وقت هذا الذي سيُمكننا من تقضية كل احتياجاتنا ولوازمنا وهو لا يتعدى ساعة، والمعروف أن الطريق للوصول إلى المجمعات والمناطق التجارية يقارب ساعة أو يزيد في مدينة مثل جدة أو الرياض، في ظل الزحام المتزايد والشوارع المغلقة بالتحويلات والحفريات، وباقي عراقيل الطريق.

الوقت من بعد صلاة العشاء، هو الوقت التي اعتادت فيه المرأة السعودية أن تقضي لوازمها خارج المنزل بعد أن تفرغ منها في داخله، وتنتهي من عملية متابعة البيت والأبناء، وتنويمهم والاطمئنان عليهم، لتبدأ في عملية الخروج إلى هذه المحلات، فهل بعد تنفيذ ما ورد في هذه الدراسة ستتمكن من تنظيم وقتها بهذه الطريقة؟ وهل هذه الدراسة بحثت أوضاع الشوارع وزحامها لتوصي بهذه الأوقات فيتضاعف الزحام بسبب خروج الناس جميعهم في وقت واحد، فيما يتزامن مع خروج الموظفين والطلاب وغيرهم.

لا أظن أن فكرة هذه الدراسة ناجحة في مجتمعنا، وأرى أنها بعيدة كل البعد عن أوضاعنا واحتياجاتنا، وكما ذكرت فإن تنظيم الأوضاع العمالية له ألف طريقة وطريقة، غير تحديد وقت المحلات بهذه الطريقة غير المناسبة.

أيضًا وقت المساء أين يُمكن للناس أن تقضيه، هل تريد الدراسة المشتركة بين ست جهات حكومية أن تضطرنا للذهاب إلى المطاعم ذات الفواتير النارية، أم المقاهي ذات الحواجز المغلقة؟! أم تتوقع أن الناس ستقضي مساءاتها في صالات السينما والمسارح الثقافية التي ما زالت في ذهن السعودي مجرد حلم بعيد المدى؟ أم هو نوع من إجبار الناس على البقاء في منازلهم والتضييق عليهم حتى في المكان الوحيد الذي يُعتبر متنفسًا لهم وهو الأسواق والمحلات التجارية، فماذا سيتبقى إن أغلقتموها باكرًا؟! للأسف، لا أرى في مثل هذه الدراسة سوى نظرة ضيقة من زاوية واحدة، ولم تنظر لبقية أركان المنظومة المتضررة إن تم تفعيل مثل هذا القرار، الذي أتمنى إعادة دراسته والخروج بحلول منطقية تناسب أوضاعنا!

www.salmogren.net

مقالات أخرى للكاتب