Wednesday 27/11/2013 Issue 15035 الاربعاء 23 محرم 1435 العدد
27-11-2013

ليتنا نقلِّد الصينيين

تقول العرب «من رأى ليس كمن سمع»، كنت أسمع عن الصين كثيراً، كثرة أهلها، وجدهم في العمل، ورخص بضائعهم التي غزوا بها العالم، والتراث الصيني الضارب في أعماق التاريخ، كل هذا كنت أسمعه أو أقرأه، ولكن منذ أيام دعتني حاجة العمل للذهاب للصين، ولعلمي بضعف انتشار استعمال اللغة الإنجليزية بين الصينيين، فقد عمدت للبحث في الانترنت وعثرت على شخص توفرت فيه شروطي الثلاثة، أن يكريني سيارته ويسوقها بي ويترجم لي، وهكذا بدأت أيامي في الصين مع السائق (او يان) وتوطدت العلاقة معه فأصبحنا أصدقاء وحصلت على منفعة منه تفوق ما توقعت، فهو شاب في بداية الثلاثينات، اقتحم مجال العمل بعدما أكمل الثانوية العامة، وعلم نفسه كل ما يجعله مفيد، فهو مطلع على الصناعة الإلكترونية ويعمل وسيطا وفاحصا لجودة منتجات أنظمة الحراسة وكميراتها، وهو يتكلم الإنجليزية بلكنة أمريكية يحاول إتقانها بجهد كبير، ويقول عن نفسه إنه يتعلم كل يوم ويدرك أن ما يتعلمه هو وسيلته للمنافسة في مجتمع لا ترى فيه مشردا واحدا في الشوارع من بين مئات الملايين، كلهم يتنافسون في سبيل عيش كريم.

(أو يان) ذلك الشاب الصيني لا يشتكي من تفوق غيره عليه في الدخل وربما المعرفة، فهو يقول «في الصين عمل لكل إنسان يريد العمل، والناجح من يحاول أن يتقن دوره الذي اختاره لنفسه، فالفلاح، إن لم يتقن فلاحته، فلن يجد الزبائن في منتجاته ما يفضلها على غيرها، وكذلك أنا، أهتم بعملائي وأسعى لاكتساب رضاهم، وهذا ما يجعلني مميزا لهم بين ملايين الصينيين»، أسمع (أو يان) وهو يتحدث وأتمنى أن أستنسخ قناعاته وأزرعها في رؤوس معظم شبابنا، فالشاب الذي يركن للشكوى من ضياع الفرص، ويتذمر من كثرة الأجانب في البلاد وكونهم يأخذون الفرصة التي يجب أن تتاح له، ويلقي باللوم على (الواسطة) التي تحرمه الفرص الذهبية، مثل هذا الشاب لم يدرك ما هو دوره في المجتمع وماذا يريد، فهو يتذمر فقط دون أن يفعل ما يجب، ويهدر طاقته في الشكوى، ولو فكر قليلاً لوجد لنفسه دورا في الحياة سواء كان بائعا أو فنيا أو طباخا أو مهندسا، ثم يجتهد ليبرز في دوره وينافس أقرانه ويكتسب التميز بينهم، هذا هو سبيل النجاح، في الصين لا يملك الصينيون وقتا للشكوى، فهم مشغولون بالإنجاز والإنتاج، وعندما تسألهم عن فساد موظفي الدولة أو استبداد قيادات الحزب، تجدهم يضحكون بصورة اعتذارية تنم عن علم وعدم اكتراث، ولكنهم لا يجعلون الحديث عن ذلك هو ثمرة يومهم.

التنافس حاضر في حياة كل الشعوب، ولكن هناك نوعين من التنافس، الأول هو التنافس الإيجابي والذي يكون محوره العمل والإنجاز والتحسين المستمر للمعرفة والمهارة الذاتية ورعاية المنتج والإصرار على الأفضلية، والتنافس الثاني هو التنافس السلبي والذي يكون محوره محاولة سلب الآخرين قدرتهم على الإنتاج والتميز حسدهم على ذلك والحقد عليهم وتمني زوال نعمتهم، المتنافس الإيجابي، يتعامل مع منافسيه كند ويهتم في التفاعل معهم من أجل تطوير النشاط المشترك أما المتنافس السلبي فهو حاقد متأمر يهدف لعرقلة جهد الآخرين دون أن يضيف منتجا ذا قيمة، ويهدر طاقته ووقته في الشكوى والحسد والعمل على إفساد كل جهد مشترك، في الصين معظم الصينيين متنافسين إيجابيين، لذا تطورت بلادهم بسرعة وباتوا على مقربة من المرتبة الاقتصادية الأولى في العالم، في بلادنا نتمنى أن لا يكون بيننا متنافس سلبي، نريد أن نقلد الصينيين في فهمهم للحياة واكتساب مهارة التنافس الإيجابي.

mindsbeat@mail.com

Twitter @mmabalkhail

مقالات أخرى للكاتب