Friday 29/11/2013 Issue 15037 الجمعة 25 محرم 1435 العدد

من ذاكرة الرياضة - عام 1351 أحداث رياضيّة .. ومشاهد تاريخية:

حكمة ووعي (المؤسس) .. أنهت أزمة الرياضة..!!

- في ذاكرة الرياضة السعوديَّة أحداث رياضيَّة.. ومشاهدات تاريخية.. ومواقف راسخة.. تبقى محفوظة في سجلات وأوعية وبطون تاريخنا الرياضي.

- فقبل مجيء حركة تصنيف وتسجيل الأندية.. كانت لعبة كرة القدم غير مقبولة اجتماعيًّا وثقافيًّا في مجتمعنا، واعتبرت سلوكًا دخيلاً على المجتمع تدعو للهو والعبث والضياع..

ففي أوائل عام 1351هـ صدر قرار بإيقاف الرياضة في مدينة (جدة) التي شهدت تأسيس أول نادٍ هو (الاتحاد) عام 1347هـ وذلك بعد حادثة وفاة لاعب في مباراة كانت تقام في جدة على مستوى الحواري بعد احتكاكه مع لاعب آخر، وقد شكَّلت هذه الحادثة الأليمة دافعًا لإيقاف الرياضة بعد أن هب المعارضون للرياضة وطلبوا من الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه- إيقافها، وكان رئيس البلدية من المعارضين للرياضة آنذاك..

يقول المؤرخ الرياضي الأستاذ (محمد القدادي) عن تلك الحادثة وإرهاصاتها: إن بعض الأهالي المعارضين رفعوا برقية إلى الديوان الملكي في مكة المكرمة وطالبوا بإيقاف الرياضه، كانوا ينتظرون ماذا سيصدر «المؤسس» من قرار بعد شكوى حادثة الوفاة؟، وخصوصًا أن الأمر ليس سهلاً وقد توفي شابٌ بسببها..!!

وكان أولياء أمور بعض اللاعبين منعوا أبناءهم من اللعب خوفًا من تكرار حادثة الوفاة.. غير أن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وكعادته في التعامل مع المواقف بحكمة وكياسة ووعي.. كان لا يتصرف في أمر إلا بعد أن يستشير، و(الاستشارة عين الهداية)، ولقد رفض -طيَّب الله ثراه- اتِّخاذ القرار.. وطلب من رئيس ديوانه أن تتحوّل معاملة رئيس بلدية جدة المُتضمِّنة (طلب منع ممارسة لعبة كرة القدم) إلى مجلس الشورى - فأهل مكة أدرى بشعابها- لينظروا في هذه القضية ويقرِّروا الأنسب والأصحّ وكان هذا التوجُّه يمثِّل قمة الشورى والعدل من إمام المسلمين الملك عبدالعزيز -رحمه الله- بعد أن تعاطف مع الشباب وحن عليهم ولم يتّسرع في إصدار قرار المنع والإيقاف..!!

وأضاف المؤرخ القدادي قائلاً: تداول مجلس الشورى في جلسته، يوم 17-4-1351هـ بحضور أعضائه محمد شرف رضا، عبد الله الفضل، محمد مغيربي، عبد الله الجفالي، أحمد الغزاوي، حسين باسلامة، عبد الله الشيبي، عبدالوهاب العطار، محمد علي كتبي.. أوراق المعاملة الواردة من «رئيس بلدية جدة» المحالة من ديوان الملك إليهم وملخص طلب رئيس البلدية كما هو مسجل في المعاملة (المطالبة بوقف كرة القدم، حرصًا على عدم فساد أخلاق الناشئة في اختلاطهم بالبيئات والأوساط العامَّة)..!!!

- وبعد أن درس مجلس الشوري بنظرة حيادية عميقة تدل على حرص الأعضاء على اتِّخاذ القرار الصحيح، الذي يخدم المجتمع دون النظر إلى حالة فردية.. اتفقوا على وجوب عدم الإسراع في اتِّخاذه، ولأهمية استكمال جوانب الموضوع أرسل مجلس الشورى خطابًا في 24-4-1351هـ إلى مديرية الشرطة العامَّة في جدة، التي كان يرأسها (محمد العطيشان) لإبداء مرئياتهم وتَمَّ إعادة المعاملة بعد حوالي شهرين وتحديدًا في 19-6-1351هـ وكان المجتمع يترقب بشأن ما سيصدر من قرار.. وجاءات إفادة مديرية الشرطة أنها لا ترى بأسًا في ممارسة هذه اللعبة وأن الذين يمارسونها لم يؤثِّروا على الأمن الداخلي وبناء على الرد... خرج المجلس بقرار صوّت عليه الأغلبية الساحقة بما ياتي:

1 - جميع الألعاب الرياضيَّة مباحة ولا مانع منها مطلقًا.

2 - يجب على إدارة الأمن ملاحظة ما يلي:

أ- تكليف اللاعبين بتأدية الصلاة في أوقاتها.

ب- مراقبة اللاعبين لعدم حدوث ما يُؤدِّي إلى أيّ ضرر أخلاقي.

جـ- وجوب إشراف رجال الأمن على أيّ مباراة تقام لحفظ النظام خلال إقامة المباريات. ولم يتحفظ على هذا القرار التاريخي من أعضاء مجلس الشورى سوى (محمد علي كتبي) الذي سجَّل ملاحظاته وأبرزها:

1 - ليس في كرة القدم منفعة دنيوية أو دينية.

2 - إنها شاغلة عن كسب العلوم والمعارف والاكتساب.

3- إنها ليست من ألعاب هذه البلاد المعروفة وإنما وافدة.

4 - أصبحت الرياضة حديث شبان ذلك الوقت وأشغلت التلاميذ عن دراستهم وتُؤكِّد الفرقة والاختلافات..

5 - الرياضة تجعل الصبيان يبعدون عن أهاليهم الذين يحتاجونهم لقضاء حوائجهم، كما أنها تُؤدِّي إلى إصابات.

6 - أغلب الذين يلعبونها لا يعرفون أصولها فلماذا يلعبونها؟.

7 - ولما كان درء المفاسد أولى من جلب المصالح وإنها ليست من اللعب المباركة مثل الرمي وغيره، بل إنها من اللهو فيحبب أن تمنع.

- وزاد قائلاً.. على ضوء هذه المعطيات الشورية.. تم إرسال هذا القرار إلى سمو نائب جلالة الملك في الحجاز الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي كان آنذاك رئيسًا لمجلس الشورى.. مرفق به كامل أوراق المعاملة، فكتب (الفيصل) بخط يده على نفس المعاملة (نوافق على قرار مجلس الشورى).

* ولقد أحسن أعضاء مجلس الشورى في قرارهم التاريخي وهم كانوا في ذلك الوقت يتميزون برؤية واعية وعمق فكري متطوّر استجابوا لما يحتاجه المجتمع آنذاك بنظرة بعيدة بالرغم من أن الطلب المقدم كان ضد ما خرجوا به من قرار.. وفي هذه الاتجاه الحضاري.. دلالة على حسن اختيار تلك المجموعة الشورية.. من المؤسس وقد أثبتوا كفاءتهم في خدمة مجتمعهم لما فيه خير وصلاح وفائدة.

 

موضوعات أخرى