Friday 06/12/2013 Issue 15044 الجمعة 02 صفر 1435 العدد
06-12-2013

لله درك!

قرأت في جريدة «الشرق» خبراً مفرحاً ومبشراً مؤداه : (فاجأ رجل الأعمال المعروف سعيد عبدالكريم الخباز، جمعية البر الخيرية في بلدة سنابس بمحافظة القطيف، بإعلانه عن تبرعه بمستوصف بكامل تجهيزاته وطاقمه، ونقل ملكيته فوراً للجمعية، في خطوة اعتبرها الجميع مثالاً يحتذى به في الحس الاجتماعي ومواساة الطبقة المحتاجة ودعم الجمعيات والمؤسسات الخيرية. وأوضح عضو جمعية البر في سنابس مهدي أحمد الدرورة أنه تلقّى اتصالاً من الخباز، وعرض عليه بشكل مفاجئ ودون مقدمات الفكرة، وتم بعدها تشكيل لجنة متخصصة لدراسة هذا الطلب، وبعد عدة جلسات تم تسلُّم المستوصف بالكامل يوم أمس، وبدأت رسمياً عمليات نقل الملكية بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية).

هذه اللفتة الكريمة لا بد من تقديرها لأنها تدل على نبل ورقي وكرم صاحبها، ومعرفته بمتطلّبات العمل الخيري في العصر الحديث. ولك أن تتصوّر لو أنّ الأعمال الخيرية اتجهت إلى مثل هذه المبادرات الإنسانية، وتكاتف القطاع الخاص مع العام في هذه المجالات الحيوية في تنافس وتسابق، هل سيبقى إنسان يُعاني؟

خذ مثلاً فكرة (الوقف في الإسلام)، هذه الفكرة أخذها الغرب من الثقافة التكافلية الإسلامية، لكنه طوّرها ومأسسها وجعلها تواكب متطلّبات الإنسان المعاصر فنُسبت إليه، مع أنها نشأت أول ما نشأت عند المسلمين.

يقول «الدكتور مستعين علي عبد الحميد» في تحقيق عن (الوقف) نشرته جريدة الشرق الأوسط : (إنّ مشروعية الفكرة التي بدت غربية الشكل والمضمون إنما هي استمدت ملامح صورتها من الشريعة الإسلامية، حيث نبتت في البلاد الغربية، وتبنّتها كفكرة، مع أنها أساسها نابعة من الشريعة الإسلامية، حيث كانت تقع تحت مسمّى الأرصاد، مبيناً أنّ الصورة الغربية أخذت الملامح من صورتها الأصلية القانونية الإسلامية في كثير من نواحيها وخواصها، مع أنها تختلف معها في بعض النواحي الأخرى).

ولعل من أهم المجالات التي توسّع فيها الغربيون ومصدرها في الأساس الثقافة الإسلامية، كانت (الوقف العلمي) على وجه الخصوص. فأغلب إذا لم يكن كل الجامعات ودور التعليم في الغرب هي مؤسسات غير ربحية، ومن ضمن ما تعتمد عليه في مصروفاتها ريع الأوقاف الموقوفة عليها؛ حتــى أصبح العائد من هذه الأوقاف يُغطي ثلث نفقات تشغيل الجامعات تقريباً؛ فعلى سبيل المثال فقط فإنّ أصول أوقاف جامعة هارفارد الأمريكية عام 2006 كانت 29.9 مليار دولار، وجامعة ييل للسنة نفسها 18 مليار دولار، وستانفورد 14 مليار، وجامعة برنستون 13 ملياراً .. وجزء من ريع هذه الأوقاف يجري إعادة استثماره في التوسع في هذه الأوقاف لتكون قادرة على مواكبة التضخم الاقتصادي مستقبلاً؛ حتى أصبحت إدارة واقتصاديات (الأوقاف العلمية) حقلاً من حقول الإدارة المتخصصة بعد أن تراكمت التجارب مع الزمن، إلى أن أصبحت تخصصاً مستقلاً.

وعندما نلتفت إلى ثقافة (الوقف) التي أضافها المسلمون إلى تراكمات الثقافة الإنسانية، نجد أنها مازالت فعلاً وليس مجازاً (على طمام المرحوم). ورغم محاولات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الجادة للارتقاء بالأوقاف من الطريقة التقليدية المتوارثة لتواكب متطلّبات الحياة المعاصرة، إلاّ أنّ جهودها (تصطدم) بمعوّقات مختلفة أهمها أنّ أغلب (الواقفين) يُصرّون على أن تكون أوقافهم مثلما كانت أوقاف آبائهم وأجدادهم، رغم اختلاف الزمان وظروف العصر واتساع احتياجات الناس، بمعنى : مجرّد (عقار) وريعه يُصرف في المصارف التقليدية المتوارثة على الفقراء والمساكين والأضاحي ليس إلاّ. مع أنّ المنشآت الوقفية في الماضي كانت من أهم مصادر الحضارة والتنمية وتحفيز النمو الحضري والعلمي والصحي، إضافة طبعاً إلى التكافل الاجتماعي.

وختاماً أقول : إننا في أمسّ الحاجة لإعادة الأوقاف في بلادنا إلى دورها (الحضاري) الريادي لتكون نواة لما يُسمّى في الغرب (القطاع الثالث)، وهو القطاع غير الحكومي وغير التجاري، وتشغله في الغالب المؤسسات غير الهادفة إلى الربح، والتي تتأسّس عادة على الأعمال الخيرية بمعناها الواسع.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب