Sunday 08/12/2013 Issue 15046 الأحد 04 صفر 1435 العدد
08-12-2013

المرأة في المجتمعات المنغلقة

لماذا المجتمعات الساحلية وكذلك النهرية تكون ثقافتها أكثر انفتاحاً وتسامحاً وبالتالي ينعكس هذا الانفتاح على تعامل هذه المجتمعات مع المرأة، في حين أن المجتمعات المنغلقة والصحراوية أو الجبلية الداخلية، والبعيدة عن السواحل والأنهار، تكون نظرتها في الغالب للمرأة دونية؛ تصل إلى سلب الحقوق، والتعامل معها كإنسان متدنٍ؟

هذا ما يراه المتابع جلياً وبوضوح في التشابه الذي قد يصل إلى درجة التطابق بين ثقافة وسط المملكة وثقافة أفغانستان، وبالذات نحو انتقاص المرأة؛ رغم أن الأفغان، وخصوصاً الطالبانيين، بما فيهم أميرهم الملا عمر ينتمون عقدياً إلى (المدرسة الماتريدية)، في حين أن ثقافة من يعيشون في المملكة تنتمي عقدياً إلى (المدرسة السلفية)؛ حتى ظن كثيرون أن الطالبانية والسلفية وجهان لعملة واحدة، رغم خلافاتهما العميقة في الجذور والمنابع العقدية.

السبب في رأيي التشابه البيئي؛ وبواعثه لا علاقة لها بالإسلام، وإنما بالطبيعة الجغرافية والاجتماعية والعادات والأعراف المتوارثة التي تحكم المجتمعات الصحراوية والجبلية التي حافظت على انغلاقها؛ رغم أنهم يلجؤون إلى الأدلة والمقولات الدينية، ولي أعناقها إن تطلب الأمر، وينتقون منها ما يدعم رؤاهم، لإسباغ نوع من القدسية على هذه التقاليد، وجعلها ذات بواعث دينية لأسباب (رغبوية) بحتة، بينما هي عند التدقيق والتمحيص مبعثها العادات والتقاليد (البيئية) الموروثة وليس الثابت من الدين.

وجه المرأة - مثلاً - هو هويتها؛ وحين تسلبها هويتها وتعتبر وجهها (عورة)، فأنت تنتقص بلا جدال من قيمتها. الشيخ الألباني - رحمه الله -يعتبره أغلب العلماء في المملكة حُجة في تصحيح الأحاديث؛ فإذا قلت عن حديث ما: (صحّحه الألباني) ففي الغالب لن تجد طالب علم شرعي يرد تصحيحه أو يشكك فيه. الألباني يُصر على أن المقصود بالحجاب الشرعي للمرأة هو فقط غطاء شعرها مع إبقاء الوجه مكشوفاً، وغطاء وجه المرأة - في رأيه - لا يعدو أن يكون من باب (التحوّط) المتعلق بظروف المكان والزمان إذا تطلب الأمر تحرزاً، أو قد يرتقي ليكون سنة لا أكثر يُثاب فاعلها ولا يُعاقب تاركها، لكنه ليس (البتة) واجباً بذاته، وقد خصص له - رحمه الله - كتاباً ملأه بالأدلة من الكتاب والسنة يؤكد فيه ما ذهب إليه أسماه (جلباب المرأة المسلمة)، وكذلك كتاباً آخر أتبعه لاحقاً بكتابه الأول أسماه (الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب، وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب، ولم يقنع بقولهم: إنه سنة ومستحب).

وأتذكر أن الصغار في الرياض إلى وقت قريب كانوا يتحرّجون من ذكر أسماء أمهاتهم على الملأ ويعتبرون ذلك عيباً، حتى أن بعضهم لا يعرف بالفعل اسم والدته. يُقال أن أحدهم عندما دخل التعليم المنهجي إلى (الرياض) كان أغلب الطلاب ليس لديهم ما يُثبت هوياتهم الشخصية، لذلك كان يُشترط على من تقدم لنيل الشهادة الابتدائية أن يُخرج شهادة ميلاد؛ وكان من ضمن التوثيق أن يُسأل الطالب عن اسم والدته لذكرها في شهادة ميلاده. ويقال أن أحدهم سألته مُسجل المواليد: (وش اسم امك؟). قال: (مدري.. أنا اسميها يُمّه، والناس أم فلان، وأبوي يسميها: هيش) . ولفظ (هيش)، وكذلك (فيذا أحد) كانتا العبارتين المتداولتين اللتين يُنادي بهما الأزواج زوجاتهم تفادياً لذكر اسمها؛ فاضطر الطالب أن يُوقف تسجيل ميلاده ليذهب إلى والدته ويسألها عن اسمها!. ولا أدري عن مدى صحة هذه القصة، أو سمها إن أردت (النكتة)، إلا أنها ذات مدلول اجتماعي تقرأ من خلالها وضعاً اجتماعياً كان سائداً آنذاك، ويشير إلى قيمة المرأة حينها في المجتمعات المنغلقة.

وفي تقديري أن هناك علاقة وطيدة بين انفتاح المجتمعات والنظرة إلى المرأة، بمعنى أن المجتمعات كلما تفتحت وتمدّنت وخرجت من شرنقة الانغلاق وظلامية التخلف انعكس ذلك على نظرتها واحترامها للمرأة والعكس صحيح. ولا علاقة لاستقامة المرأة وعفتها بانفتاح المجتمعات وانغلاقها كما يتوهم البعض، فقد أثبتت كثير من الأبحاث والدراسات الاجتماعية أن نسبة الانحرافات الأخلاقية تبقى نفسها في المجتمعات المنفتحة والمجتمعات المنغلقة، الفرق أن المجتمعات المنفتحة تتحدث عنها في حين أن المجتمعات المنغلقة تُبقيها طي الكتمان ليس إلا.

بقي أن أقول: إن التشدد تجاه المرأة والتعامل معها تعاملاً تكتنفه الريبة ويُغلفه الشك ليس له علاقة بتعاليم الإسلام كما يتوهم البعض؛ فها هي قرية سانديريادي الهندية (الهندوسية) تفرض حظراً على استخدام النساء للهاتف الجوال بذريعة: (أنه يُساهم بنشر الرذيلة وكونه مخاطرة أخلاقية، وفرضت غرامات مالية بقيمة 182 دولاراً على كل فتاة عزباء تستخدم «الموبايل»، فيما فرضت غرامة بقيمة 36 دولاراً على النساء المتزوجات) كما جاء في جريدة (الوطن) الكويتية. وهذه مبالغ ضخمة بمقاييس القوة الشرائية هناك؛ وعلى ذلك فقس.

إلى اللقاء.

مقالات أخرى للكاتب