Monday 16/12/2013 Issue 15054 الأثنين 13 صفر 1435 العدد
16-12-2013

الإعلام السعودي ومحاربة الفساد 1-2

العلاقة بين الإعلام ومكافحة الفساد تتم في وسط البيئات التشريعية. هذه البيئات تتشكل من خلال القوانين المنظمة للإعلام وعلاقتها بالوصول للمعلومات وكشف الفساد من جهة، وممارسة وفهم الوسط الإعلامي لها من جهة أخرى. كيف تتشكل هذه البيئات في الإعلام السعودي؟

يعد نظام المطبوعات والنشر ولائحته التنفيذية المظلة الرئيسية لكافة التشريعات الإعلامية بالمملكة كنظام النشر الإلكتروني ونظام السياسة الإعلامية. هذه الأنظمة وضعت مواد ضابطة للرقابة والتراخيص والحقوق (كحقوق المنتج والناشر والموزع والمعلن والمؤلف) وضوابط البيع، لكنها فيما يخص موضوع الفساد غفلت تماماً عن وضع مواد تساعد على كشف الفساد وحق الإعلامي في الوصول للمعلومات، ومحاسبة الموظف الذي يمنع أو يعرقل ذلك، ومواد لحماية الصحفيين الذين يكشفون ملفات الفساد، الذين قد يتعرضون للمضايقة أو حتى الطرد غير المباشر! فضمن ما ذكره قرار مجلس الوزراء في وسائل تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد كفالة حرية تداول المعلومات باعتبارها مبدأ أساسياً في طريق الشفافية والمكاشفة.

كذلك لا توجد مواد ضابطة للكشف عن المعلومات ونشر الاتهامات؛ يستثنى من ذلك ما أوضحته اللائحة التنفيذية في المادة 88 في أن حق المتهم في الإعلام هو الرد فقط! وفي المادة 18 من نظام النشر الإلكتروني -وهي أحكام عامة- تم التطرق إلى استقبال شكاوى النشر الالكتروني ورفعها للجنة للنظر فيها وإصدار القرار المناسب بشأنها.

ولعل العذر في غياب مواد تتعلق بالكشف عن الفساد وحماية النزاهة يرجع إلى أن تكثيف توجه الدولة في ذلك بدأ في السنوات الأخيرة، بينما الأنظمة والتشريعات تحتاج وقتاً لوضعها. لكن إذا كانت التشريعات الإعلامية غفلت عن ذلك فإن التشريعات العامة (القضاء) يمكن أن تحل محلها، إنما المشكلة أنه لا توجد أنظمة بمواد واضحة وضابطة غير قابلة للاجتهاد الشخصي يمكن للإعلاميين التعامل معها في التشريعات العامة.

أهم تقييم للمواد التشريعية ليس مجرد منافعها بل أيضاً مضارها إذا كانت قابلة للتأويل، ولا يقل أهمية عن كليهما غياب تشريعات ضرورية لأنها لا تكون فقط قابلة للتأويل بل جاهزة للتعسف! ورغم غياب مواد تدعم كشف الفساد تخصيصاً، فإن البيئة التشريعية للإعلام السعودي تتوجه نحو الانفتاح عموماً.

في قراءة لآخر تحديث لنظام المطبوعات والنشر قام بها الباحث سليمان العنزي (عضو هيئة التدريب بمعهد الإدارة العامة)، أوضح أن السماح بإنشاء جمعيات للنشاطات الإعلامية الواردة (مادة 44)، والتوجه غير الرقابي (مادة 25)، وعدم منع الصحيفة عن الصدور إلا بظروف استثنائية (مادة 31)، تدل على انفتاح النظام الجديد؛ وتخفيف القيود على النشاط الإعلامي.

أما أهم الملاحظات في مجال البيئات التشريعية فقدمها الباحث حول المادة 37 التي نصت على أن “تنظر في المخالفات لأحكام هذا النظام لجنة تشكل بقرار من الوزير برئاسة وكيل الوزارة المختص...” وهي مادة مختلة قانونياً لأن الخصم قد يكون هو الحكم. إضافة إلى ملاحظة مهنية حول المادة 8: “حرية التعبير عن الرأي مكفولة بمختلف وسائل النشر في نطاق الأحكام الشرعية والنظامية”؛ حيث لا يوجد إطار واضح ومحدد للأحكام النظامية مما يهدد حرية التعبير. وكذلك المادة 9: “يراعى عند إجازة المطبوعة... أن تلتزم بالنقد الموضوعي البناء...” ذلك يعتمد على تفسير الرقيب للنقد الموضوعي مما يترك المجال مفتوحاً للتأويل!

وفي المادة 36: “للوزارة عند الضرورة سحب أي عدد من أعداد الصحيفة دون تعويض، إذا تضمن ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، بناءً على قرار من اللجنة المنصوص عليها في المادة السابعة والثلاثين”..فلا يساعد مصطلح “عند الضرورة” الفضفاض في تنظيم العمل الإعلامي بقدر ما يربكه. وكذلك المادة 41: “إذا أجازت الوزارة المطبوعة ثم طرأ ما يوجب سحبها، فعليها تعويض صاحب الشأن”.

ويرى الباحث عدم منطقية القول بإمكانية أن تسحب الوزارة مطبوعة ما -بعد إجازتها- فقط لأنه “طرأ ما يوجب سحبها”.

إذا انتقلنا إلى اللائحة التنفيذية لنظام المطبوعات والنشر نجد أن فيها تنظيماً للمحظورات كالمادة 73 التي تحدد كثيراً من المحظورات، بعضها واضح وبعضها غير واضح مثل أنه لا يجوز نشر ما من شأنه بلبلة الأفكار عن سوق المال. ونحن نعلم أن أغلب ما يطرح في أسواق المال والأسهم يمكن أن يثير البلبلة! فهذه العبارة فضفاضة.

وإذا كانت هناك قائمة طويلة بالمحظورات في اللائحة التنفيذية فإننا لا نجد مادة تنص على حق الوصول للمعلومات ومحاسبة الموظف الذي يعرقل أو يمنع الإعلامي من الوصول إليها. لذا أكد أستاذ الإعلام الدكتور إبراهيم البعيز، أن “الإعلام يحتاج إلى بيئة تشريعية تتيح له وللإعلاميين معاملة مسؤولي وموظفي الدولة والأجهزة الحكومية كشخصيات عامة، يمكن النشر عنها بشفافية دون الخوف من المساءلة القانونية بحجج وذرائع التشهير، وأن تتيح هذه البيئة التشريعية للإعلاميين القدرة للوصول إلى المعلومات العامة وفق إجراءات إدارية واضحة، ومحاسبة المسؤولين في حالة الرفض، غير القانوني، للكشف عمَّا يدخل في نطاق المعلومات العامة.” (صحيفة عكاظ).

وتعتبر المادة 79 أن رئيس التحرير مسؤول عمَّا ينشر في صحيفته؛ وتلك مادة غير عملية إذا لم تحدد المواد التي تقع تحت مسؤوليته، فالصحيفة قد تزيد عن أربعين صفحة متنوعة المواضيع. لذا كثيراً ما يضطر رؤساء التحرير لعمل تعديل مخل أو منع للمواضيع التي قد يأتي منها حرج درأ للمساءلة. المفترض أن تحدد مسؤوليات رئيس التحرير ولا تترك مفتوحة لكل ما ينشر في صحيفته. مثلاً مقالات الرأي والتقارير الفنية المتخصصة، كيف يكون رئيس التحرير مسؤولاً عن مضمونها والرأي فيها ليس رأيه أو التخصص فيها ليس تخصصه؟ مسؤوليته هنا تنحصر بسلامة الشكل الإجرائي نظاماً وليس المضمون، إلا في الحالات الاستثنائية المعروفة.

كشف الفساد وملفاته وحق الوصول للمعلومات ومحاسبة الموظف الذي يعرقل ذلك، وحماية الصحفيين الذين يقومون بالكشف وتشجيعهم يتطلب وجود مواد واضحة في النظام، إضافة إلى مواد تأصيلية لضوابط الكشف والاتهام لكي لا يكون مجانياً أو شخصياً.. وهذه الأخيرة تتطلب مناقشة ممارسة الصحفيين لهذه المهمة وفهم الوسط الإعلامي للتشريعات، التي سيتناولها الجزء الثاني..

** ** **

- جزء معدل تحريرياً من ورقة عمل قُدمت ضمن فعاليات اليوم الدولي لمكافحة الفساد، جامعة اليمامة بالتعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

alhebib@yahoo.com

مقالات أخرى للكاتب